تجريم ب ي د وتكريم فروع القاعدة: ازدواجية المعايير في المشهد السوري

إبراهيم اليوسف 

 

قبل الخوض في التفاصيل، من الضروري التأكيد على موقفنا المبدئي، وهو الوقوف مع إسقاط النظام الدموي الذي دمر سوريا على مدار عقود. إذ لا بد أن تعود سوريا للسوريين، بعيداً عن أي احتلال أو هيمنة. ومع ذلك، فإن أدوات التغيير تستحق التوقف عندها. تستحق استقراءها، لا تطويبها، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات مثل: الجولاني وأشباهه، ممن مرّوا بمحطات متعددة من الانتماء إلى النصرة، أو داعش، أو حتى الفصائل المدعومة من تركيا، التي ارتكبت جرائم مروعة بحق الكرد والسوريين على حد سواء، وكان يمكن أن تتم الاستعانة بقوة أخرى غير ملوثة الأيدي، ..غير بعض هؤلاء…

بين التحرير والاحتلال

يُروج بعضهم لفكرة أن أبناء المدن “تمت إعادتهم لتحريرها”، ويُقال إنهم الآن يحاربون لاستعادة أراضيهم. ورغم صحة جزء من هذا الكلام، لا يمكننا إغفال التساؤل المحوري: ما نسبة أولئك الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء بين هؤلاء؟

كل شخص لم يقتل الأبرياء، ولم يسرق، ولم ينفذ مخططات الاحتلال التركي، ووقف اليوم ليقاتل بدمه دفاعاً عن السوريين، هو محل احترام، وهو ثائر بحق. ولكن، ماذا عن أولئك الذين عاثوا في الأرض قتلاً وفساداً؟ هؤلاء لا يمكن أن يُوضعوا في  الخانة نفسها.

الموقف من ب ي د وقسد

شخصياً، كنت ولا أزال ضد وجود حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) في كردستان سوريا، وضد مخططاته التي تسعى لفرض أجنداته العابرة للحدود. ومع ذلك، لا يمكن إنكار حقيقة أن حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) وقف في وجه تنظيم داعش، وحارب الفصائل المدعومة من تركيا التي ارتكبت مجازر بحق الكرد والسوريين.

ورغم أخطاء ب ي د، بما في ذلك تهجير الكرد وقمع الأصوات المعارضة وقتل وخطف أبرياء، إلا أن الدعوات المتزايدة للقضاء على قسد وب ي د بذريعة أنهم أجرموا، هي دعوات تستحق التوقف والتحقيق. لماذا تُبرأ الفصائل التي أجرمت، بينما يُجرم الآخرون لمجرد أنهم كرد؟

موقف مبدئي

لم أكن يوماً مع سياسات ب ي د، وتعرضت لإساءات صبيانه مراراً، ولكن الحقيقة يجب أن تُقال.

أولاً، لا بد أن يعلن” ب ي د” حالاً انفصاله فعلياً، وأيديولوجياً، وتنظيمياً عن ب ك ك. هذا التأخر في تحديد مواقفه أضعف  الثقة بهم، بل وجعلهم ينفذون مخططات ب ك ك التي تعادي الكرد ومشروع كردستان،فأضروا بالكرد أنفسهم.

ثانياً، يجب الاعتراف بمطالب ب ك ك المشروعة في الدفاع عن الشعب الكردي في كردستان تركيا، وليس عندنا، لكن تمدده إلى الأجزاء الأخرى: سوريا والعراق وإيران، هو خطأ استراتيجي يجب تصحيحه، وتلك مسؤوليته.

الخاتمة

إن الحديث عن الجرائم والانتهاكات في سوريا لا يمكن أن يقتصر على طرف دون آخر. كل من تلطخت يداه بدماء الأبرياء أو شارك في مشاريع الاحتلال التركي أو غيره، يجب أن يُحاسب. وفي الوقت نفسه، لا بد من موقف موضوعي يرفض ازدواجية المعايير التي تُجرم طرفاً وتُبرئ آخر.

هذا المقال خالٍ من أي اقتباسات أو جمل مأخوذة من أي مصدر، احتراماً لنزاهة الطرح واستقلاليته.

 

التاريخ: 7-12-2024

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…