معركة حلب ونهاية حكم الاستبداد في سوريا

د. عبدالحكيم بشار

معلوم أن أكثر من ثلثي مساحة سوريا كانت في عام 2016 بيد قوى المعارضة،  وكانت دمشق العاصمة وقتئذٍ محاصرة، وفصائل المعارضة السورية وصلت لضواحي دمشق وسيطرت عليها مثل حي القابون في ضواحي دمشق ، وكان القصر الجمهوري في مرمى نيران قوات المعارضة، وبالرغم من ذلك التقدم الكبير آنذاك فلم يتمكن الثوار من إسقاط النظام بفضل الدعم الذي تلقاه من حلفائه، وبنفس الوقت لم يقم النظام بأي عملٍ من شأنه حقن دماء السوريين، ولا قَبِل النظام البدء بأيَّة خطوة على طريق الحل السياسي وفق قرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرارين 2254 و2118.

وسبب عدم قيام النظام بتقديم أيَّة نحو الحل السياسي في ذلك الوقت، هو أن جيش النظام كان أقوى من الآن، كما أن وضعه الاقتصادي كان أفضل بكثير من هذه الأوقات، وكان حلفاؤه أقوياء جداً وتحديداً روسيا وإيران وحزب الله، إلى جانب أن المجتمع الدولي كان يرفض الحل العسكري كما كانت الفصائل العسكرية  المعارضة متعددة المرجعيات.

أما الآن فالأوضاع مختلفة جداً، فجيش النظام متهالك ويتداعى من تلقاء ذاته لمجرد سماع الضباط والعناصر بتقدم قوات المعارضة نحوهم، فيما الوضع الاقتصادي للنظام منهار كلياً وبات الحصول على ربطة خبز أو جرة الغاز بمثابة الحلم، وهناك احتقان شديد لدى حاضنته الشعبية، وحلفاء النظام ضعفاء أكثر من أيَّ وقتٍ مضى، فالاتحاد الروسي مشغول بحرب أوكرانيا، ولم يعد لديه إمكانية لدعم النظام السوري كما في السابق، فروسيا الآن تحتاج كل عتادها وأسلحتها ولديها أوكرانيا أبدى من سوريا، بينما حزب الله مكسور الظهر ومشلول بعد أن فقد معظم قادته وقدراته العسكرية والبشرية، وإيران فقدت الكثير من قادتها ووجودها العسكري في سوريا، لذلك بات النظام وحيداً في المعركة.

أما الطرف الآخر المعارض فقد شكَّل غرفة عمليات واحدة تدير العملية العسكرية بمهنية عالية، ولم يعد هناك تعدد للمرجعيات العسكرية كما كان الوضع سابقاً، كما أن المناطق المحررة حديثاً إلى الآن تدار بشكلٍ جيد، ومن جهةٍ أخرى فإن المجتمع الدولي بات محبطاً من إمكانية تغيير النظام لسلوكه أو قبوله للحل السياسي وفق القرارات الدولية.

وبناءً على تلك المعطيات، فإن الغرب رغم تحفظاته على هيئة تحرير الشام، إلاَّ أنه إلى الآن ما من تصريحاتٍ غربية ضد الهيئة، بل ان امريكا والغرب بشكل عام حمَّلت النظام مسؤولية ما يجري في سوريا منذ ثلاثة عشر عاماً، لذا فمن اليوم يمكن اعتبار أن النظام السوري بات جزءًا من الماضي، والمناقشات في الكواليس  الدولية الآن تدور حول مصير الأسد وكيفية إدارة المرحلة الانتقالية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…