من أوصل بشار الأسد إلى هذا المصير الأسود؟

إبراهيم اليوسف

 

يواجه بشار الأسد الآن مصيراً أسود صنعه بإرادته، مدفوعاً بسياسات تعنتية أغلقت كل أبواب الحلول. فقد رفض النظام الانصياع للقرارات الدولية التي دعت إلى تسوية سياسية شاملة، وأصر حتى اللحظة الأخيرة على التمسك بالحلول العسكرية. هذا العناد، المترافق مع تحالفه الوثيق مع إيران وما يسمى بمشروع هلالها الإقليمي المعروف، لم يكن سوى مسار لتعميق الأزمات وزيادة العزلة. الأسد، الذي كان يظن أن بإمكانه السيطرة على الوضع من خلال القوة العسكرية، لم يدر أن هذه السياسات لن تؤدي سوى إلى مزيد من التدمير الداخلي والعزلة الدولية، لاسيما إنه لم يكن ليصمد شهرا واحدا في وجه الثورة السلمية لولا اعتماده على الخارج.

خلال السنوات التي مضت، كانت الحرب والتصعيد العسكري هما السمة الغالبة على النظام. فبدلاً من أن تكون هناك استجابة للمطالب الشعبية والمطالب الدولية، اختار النظام السوري طريق القمع والقتل،ما دفع البلاد نحو هاوية سحيقة. وكأنّ النظام كان يعتقد أن بإمكانه الحفاظ على سلطته عبر إغراق البلاد في بحر من الدماء، بينما كان الشعب يعاني الويلات جراء سياسات القمع المتواصلة.

إحدى العلامات الفارقة في هذا المصير هو تجاهل الأسد للقرارات الدولية، مثل قرار مجلس الأمن 2254، الذي دعا إلى عملية سياسية لإنهاء الأزمة. بدل أن يسعى للانخراط الجاد في هذه العملية، استخدم النظام الوقت لمواصلة تكريس سلطته بالقوة. لكنه فشل في فهم أن الحل السياسي كان يمكن أن يجنبه كثيراً من الكوارث، إلا إنه اختار المواجهة حتى آخر رمق. أجل.كان بإمكانه اختيار المسار السياسي الذي ينهي الحرب ويحقق بعض الاستقرار للبلاد، لكنه اختار بدلاً من ذلك المضي في سياسة القمع الوحشي الذي لم يترك للشعب السوري أية فرصة للحياة بكرامة.

إن تحالف الأسد مع إيران لم يكن مجرد تحالف مرحلي، بل كان جزءاً من مخطط إقليمي أكبر. فقد لعب النظام السوري دور الحارس لمشروعها الذي يمتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق. هذا الارتهان جعل سوريا ساحة صراع إقليمي ودولي، حيث دفع كل ذلك الدول العربية والغربية للتعامل مع النظام كجزء من مشروع إيراني يهدد أمن المنطقة. كما أن هذا التحالف جعل من سوريا نقطة ارتكاز للمشروع الإيراني الذي يسعى لتحقيق أهداف طائفية في المنطقة. هذا التوجه جعل من سوريا مسرحاً للعديد من القوى الإقليمية والدولية التي تدخلت في الشأن السوري لأسباب تتعلق بمصالحها الخاصة.

وقد استمرت سياسات النظام في إغلاق كل أبواب التسوية مع الداخل والخارج. بينما كانت القوى الدولية والإقليمية تدعو لحلول سياسية، كان النظام يرفض أي تنازل، ما أدى إلى تفاقم الأزمة. تجاهل الأصوات المطالبة بالإصلاح، سواء من الداخل أو من المجتمع الدولي، أدى إلى إطالة أمد الصراع واستنزاف سوريا بشرياً واقتصادياً. كانت الفرص المتاحة للسلام تتضاءل كلما تراجع النظام عن أي محاولة للحوار أو التفاوض. وفي الوقت الذي كان يواجه فيه البلاد تدميراً شاملاً، كان النظام يصر على أن الحل العسكري هو الحل الوحيد، مما جعله يواجه المزيد من الانتقادات الدولية والمحلية على حد سواء.

من ناحية أخرى، انعكاسات سياسات النظام لم تقتصر على الداخل السوري فحسب، بل امتدت لتشمل المنطقة برمتها. فإلى جانب الدمار الذي حل بسوريا على كافة الأصعدة، أصبحت البلاد على حافة التفكك الداخلي. الانقسامات الطائفية والمناطقية أصبحت أكثر وضوحاً، وأدى ذلك إلى تزايد حدة العداء بين فئات المجتمع السوري. هذا الانقسام الداخلي كان له تأثيره الكبير على قدرة النظام في الحفاظ على سيطرته على كامل الأراضي السورية. ومع تنامي المشاعر المناهضة للنظام، أصبح من الصعب إيجاد أرضية مشتركة بين مختلف الأطراف السياسية السورية.

إن سياسات الأسد الفاشلة أوقعت سوريا في مستنقع يصعب الخروج منه. من حقد داخلي يغذي الثأر والانقسامات، إلى عزلة دولية تجعل من النظام عائقاً أمام أي إعادة إعمار أو استقرار. كل هذه التداعيات تؤكد أن ما وصل إليه الأسد ليس إلا نتيجة لسياسات صنعت بأيدي النظام نفسه. كان من الممكن أن يكون لدى سوريا فرصة حقيقية للانطلاق نحو المستقبل، لكن تلك الفرصة ضاعت بفعل قرارات قادتها الذين اختاروا التصعيد بدلاً من الحوار والتفاهم.

إن خروج سوريا من تبعات هذا الواقع يحتاج إلى أكثر من مجرد حلول سياسية؛ إنه بحاجة إلى معجزة تُعيد صياغة العلاقة بين النظام وشعبه، وبين سوريا ومحيطها الدولي. الحلول العسكرية وحدها لا يمكن أن تبني دولة مستدامة أو تحقق السلام الدائم. سوريا بحاجة إلى شجاعة سياسية وقرار حاسم للتوجه نحو المسار الذي يضمن للشعب السوري مستقبلاً أفضل، بعيداً عن الهيمنة الإقليمية والصراعات الداخلية. فهل يستطيع الأسد أن يدرك هذا الحقيقة قبل أن يصبح كل شيء فائتاً؟

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…