حول ضرورة توحيد الخطاب السياسي الكردي

  طريق الشعب *

بعد الانقسامات المتتالية والواسعة في صفوف الحركة الوطنية الكردية في سوريا كنتيجة لأزمتها العامة والشاملة، فقد طفت عبارة (توحيد الخطاب السياسي الكردي) على السطح، تتداولها معظم فصائل الحركة الوطنية الكردية في سوريا وأوساط واسعة من جماهير الشعب الكردي في سوريا المهتمة بالشأن العام كضرورة موضوعية يجب أن تسعى إليها كافة الفصائل.

بداية يجب التأكيد على أن توحيد الخطاب السياسي الكردي في سوريا يشكل بالفعل ضرورة موضوعية على الأقل لسببين رئيسيين، الأول هو دوره في توحيد صفوف الشعب الكردي في سوريا حول توجهات متقاربة تضمن توحيد نضاله وحشد طاقاته من أجل إزالة الاضطهاد القومي بحقه وتأمين حقوقه القومية والديمقراطية، والسبب الثاني هو توحيد هذا الخطاب والالتفاف حوله في توجهه إلى أبناء الشعب السوري وقواه الوطنية والديمقراطية لاقناعهم بعدالة قضية الشعب الكردي.
ولكن يبدو أن تحقيق هذا الشعار على أرض الواقع ليس بالبساطة التي يطرح فيها هذا الشعار، وأن الأمنيات تختلف عن الوقائع والخطوط الموجودة، إذ يجب أن نعيد إلى الأذهان بعض تلك الوقائع, لقد فشلت في الواقع جميع الخطوات الوحدوية التي طرحت في السابق، وتفرق المتحدون خصوماً ألداء، كما أن الأطر السياسية التي تشكلت في السابق واستطاعت أن تخطو بعض الخطوات المفيدة قد تعثرت، وفشلت أيضاً بعض مشاريع العمل المهمة التي كانت الحركة تجد فيها مخرجاً لأزماتها ( المرجعية الكردية) والمجلس الوطني وغيرها.
إن التجارب الفاشلة تلك بكل ما نتج عنها من مرارة، بالإضافة إلى اختلاف التوجهات السياسية والفكرية والتحالفات الوطنية والقومية لا بد لها أن تنعكس سلباً على توحيد  الخطاب السياسي الكردي، ووضع عقبات أمامه وهذه أمور موضوعية لا يمكن القفز فوقها بسهولة، غير أن مجموع العقبات والصعوبات الموجودة يجب أن لا تقود إلى اليأس.
إذا كان توحيد الخطاب السياسي الكردي في سوريا ضرورة موضوعية وهو كذلك بالفعل، فإن تحقيقه على أرض الواقع يحتاج إلى جهود كثيرة ومثابرة، وبداية هذا الجهد يكمن في الاعتراف بوجود أزمة حقيقية، أزمة عامة وشاملة في الحركة الوطنية الكردية، وأن يتم تشخيص هذه الأزمة، وتحدد بشكل واقعي بعيد عن الأنانية الحزبية طرق المعالجة بعقل وقلب مفتوحين.
إن عدم الاعتراف بوجود هذه الأزمة يشكل منذ البداية أكبر دليل على أن الجهود نحو توحيد الخطاب السياسي الكردي غير جادة، وأنها تشبه مجرد قفزة بهلوانية في الفراغ لا قرار لها، وأن عدم الاعتراف بوجود الأزمة وإنكارها تعمق الأزمة، إذ كيف لا تكون هناك أزمة في ظل الانقسام والصراع غير المبرر في كثير من جوانبه.
إذا تم الاعتراف بوجود الأزمة، وتم الوقوف بجدية على أسسها وجوانبها المختلفة، فإن الانتقال إلى المرحلة العملية لتجاوزها ستفرض نفسها، وتبدأ مرحلة الحوار الديمقراطي، وهذه المرحلة بحد ذاتها تفتح كل الآفاق الواسعة، وبخاصة الاتفاق على الخطوط الرئيسية للخطاب السياسي الكردي.
إن توحيد الخطاب السياسي الكردي بشكل كامل في الظروف الحالية من التعددية السياسية المفرطة في صفوف الحركة الكردية أمر غير ممكن على الاطلاق، لأن التعددية السياسية بالأساس تنتج خطاباً سياسياً متعدداً قد تكون الفوارق بين توجهاته واسعة أو ضيقة بحسب الفوارق بين التكوينات السياسية الموجودة.
من واقع التجربة السياسية يمكن التأكيد على أن الشعار المطروح يجب أن يكون واقعياً، إذ لا يمكن التوصل إلى خطاب سياسي موحد قطعاً في ظل تعددية سياسية مفرطة، خاصة أن الحزب الواحد لم يعد واقعياً، بل أصبح خارج التاريخ وأن التعددية الحزبية أمر مشروع وبالتالي فإن اختلاف الخطاب السياسي أيضاً أمر مشروع.
في الظروف الحالية فإن مجلساً سياسياً للأحزاب الكردية يمكنه أن يقرب بين توجهات الخطاب السياسي الكردي، وعلى الأقل في الجوانب الأساسية منه وبخاصة وحدة نضال الشعب الكردي ووحدة الموقف الموجه إلى أبناء الشعب السوري.

* الجريدة المركزية للحزب اليساري الكردي في سوريا العددان – (331   و 332) حزيران و تموز  2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…

د. محمود عباس من أعظم الإيجابيات التي أفرزها المؤتمر الوطني الكوردي السوري، ومن أبلغ ثماره وأكثرها نضجًا، أنه تمكن، وخلال ساعات معدودة، من تعرية حقيقة الحكومة السورية الانتقالية، وكشف الغطاء السميك الذي طالما تلاعبت به تحت شعارات الوطنية والديمقراطية المزوّرة. لقد كان مجرد انعقاد المؤتمر، والاتفاق الكوردي، بمثابة اختبار وجودي، أخرج المكبوت من مكامنه، وأسقط الأقنعة عن وجوهٍ طالما تخفّت…