نظام مير محمدي*
يمثل الخامس والعشرون من نوفمبر، اليوم العالمي للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، فرصة للتأمل في أوضاع النساء في مختلف المجتمعات ومناقشة التحديات التي يواجهنها.
وعند تأملنا في هذا السياق، تتجه أنظارنا نحو السجون المظلمة في إيران، حيث تُعتقل النساء ويتعرضن للتعذيب لمجرد ارتكابهن جريمة المطالبة بالعدالة وإعلاء أصواتهن لوقف القمع وتحقيق الحرية. هؤلاء النساء، رغم القيود والأصفاد التي تُكبّل أيديهن وأقدامهن، يواصلن السير بخطى ثابتة. يقفن شامخات أمام التعذيب والإهانة والتحقير الذي يكسر روح الإنسان، ليس من أجل بقائهن فحسب، بل من أجل قضية سامية، هي العدالة، الحرية، ووضع حد للظلم والجور.
لقد زادت الزنازين الانفرادية والسياط التي تنزل على أجسادهن من عزيمتهن وإصرارهن على المقاومة. فأصواتهن التي تتردد من خلف الجدران، هي صدى مقاومة أمة بأكملها تعاني من القمع والاستبداد. لم تتمكن أساليب التعذيب والتهديد، بل وحتى الموت والإعدام، من إخماد شعلة النضال في قلوبهن.
ولذلك، في هذا اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، ننحني احتراماً لهؤلاء النساء الشجاعات، اللواتي يُعتبرن منارات أمل لمجتمع يعاني من القمع. إنهن رسالات غدٍ مشرق؛ غدٍ لن تُكبَّل فيه أي امرأة بسبب نضالها الإنساني. ولهذا السبب، نحن بجانبهن، بل ونخوض معهن هذه المعركة، إلى أن تسقط جدران الظلم ويعم عبير الحرية كل الأرجاء.
النساء تحت وطأة الاستبداد الديني: واقع مؤلم في إيران اليوم
في إيران، يمثل اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة دليلاً قوياً وفرصة لتسليط الضوء على القمع الوحشي الذي تتعرض له النساء تحت حكم استبداد ولاية الفقيه، وكذلك لإبراز الدور المحوري للنساء في الانتفاضات المطالِبة بالحرية، وجهود المجلس الوطني للمقاومة بقيادة السيدة مريم رجوي كرائدة في الدفاع عن حقوق المرأة.
منذ استيلاء نظام ولاية الفقيه على السلطة بعد الثورة المناهضة للملكية عام 1979، اعتمد النظام سياسة قمع منهجية ضد النساء. فُرضت القوانين التمييزية بسرعة، وتم انتهاك حقوق النساء على نطاق واسع. ومن الأمثلة البارزة على هذا القمع فرض الحجاب الإجباري، القيود المفروضة على العمل، والحظر الاجتماعي. هذه السياسات لم تُكرس فقط التمييز الجنسي، بل حولت النساء إلى طبقة هشة ومستضعفة في المجتمع.
العنف المنزلي، والاعتداءات الجنسية، وأشكال العنف الأخرى ضد النساء أصبحت منتشرة على نطاق واسع في ظل هذا النظام. بدلاً من حماية الضحايا، يستمر النظام الحاكم في توسيع دائرة القمع ضد النساء بشكل جنوني.
ومن بين أشكال العنف الأكثر شيوعاً التي تواجهها النساء الإيرانيات هو فرض الحجاب الإجباري. لقد قام النظام الديني المستبد بإضفاء الطابع المؤسسي على هذه السياسة عبر قوانين مختلفة، محولاً إياها إلى أداة رئيسية لقمع النساء، مع إنشاء العديد من الأجهزة القمعية لهذا الغرض.
ونتيجة لهذا القمع الوحشي والانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان، تعرض النظام الإيراني للإدانة من قِبل اللجنة الثالثة والجمعية العامة للأمم المتحدة 71 مرة حتى الآن.
نساء إيران: قائدات يصنعن التاريخ في النضالات التحررية
لعبت النساء الإيرانيات دوراً بارزاً في الانتفاضات التحررية على مرّ التاريخ المعاصر. فمن الثورة الدستورية إلى الثورة المناهضة للملكية، كانت النساء دائماً في طليعة النضالات من أجل الحرية.
خلال الثورة الدستورية، ورغم القيود التي فرضتها الأنظمة المستبدة عليهن، ارتدت النساء أزياء الرجال للتخفي، وشكلن جمعيات ومنظمات لتعزيز الثقافة والوعي الاجتماعي المناهض للاستبداد. في تلك الحقبة، كان أعداء النساء الرئيسيين رجال الدين الرجعيين، وعلى رأسهم فضل الله نوري. هذا الأخير، وبفضل دعم القوى الأجنبية كإنجلترا وروسيا، بالإضافة إلى دعم النظام الملكي الفاسد، قاد حملة عنيفة ضد حقوق النساء وحريتهن، إذ لم يكن بإمكانهم تحمل فكرة مساواة المرأة وحقوقها.
وفي الثورة المناهضة للملكية عام 1979، لعبت النساء دوراً فعّالاً كقوة محركة في الاحتجاجات والانتفاضات. لكن سرعان ما أظهر الخميني، كرجل دين رجعي، وجهه الحقيقي بعد الثورة، حيث أمر بقمع النساء بشكل وحشي. بناءً على توجيهاته، قام نظام ولاية الفقيه بإعدام النساء الحرائر، لا سيما المجاهدات اللاتي قدن النضال، أو قتلهن تحت التعذيب بوحشية غير مسبوقة.
وفي الحركات الأخيرة، مثل انتفاضة مهسا أميني عام 2022، كانت النساء في طليعة الاحتجاجات ضد الظلم والتمييز، مما أكسبهن دوراً تاريخياً كقائدات للنضال من أجل الحرية والمساواة. أثبتت هذه الانتفاضات عزم النساء الإيرانيات وإرادتهن الراسخة لتحقيق حقوقهن وبناء مجتمع حر ومتكافئ.
برنامج للمساواة: خطة الحريات وحقوق النساء في إيران المستقبل
لطالما أكّد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، بقيادة السيدة مريم رجوي، على أهمية حقوق المرأة وقدم برامج واضحة لتحقيق هذه الحقوق. يعتبر المجلس المساواة الكاملة بين الجنسين أحد مبادئه الثابتة، وشدد في بياناته على الحريات الفردية والاجتماعية للنساء.
في عام 1987، صادق المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بالإجماع على خطة الحريات وحقوق المرأة. وفي مارس 2010، عرضت السيدة مريم رجوي رؤى المقاومة الإيرانية بهذا الشأن في مؤتمر بعنوان “النساء، طليعة التغيير الديمقراطي في إيران“ في البرلمان الأوروبي.
إضافة إلى ذلك، أكدت السيدة رجوي في مناسبات مختلفة وفي بيانات متعددة على ضرورة مكافحة العنف ضد النساء، وخلق فرص متكافئة لهن، والدعوة إلى تغييرات جذرية في البنية الاجتماعية لإيران.
ومن أبرز النقاط التي وردت في المادة الخامسة من خطة السيدة رجوي المكونة من عشر مواد حول حقوق المرأة:
“المساواة الكاملة بين النساء والرجال في الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ومشاركة النساء بشكل متكافئ في القيادة السياسية. إلغاء جميع أشكال التمييز، وضمان الحق في اختيار اللباس والزواج والطلاق والتعليم والعمل بحرية. منع استغلال النساء تحت أي مسمى.”
تمثل هذه الخطة خارطة طريق لبناء مجتمع ديمقراطي، تتساوى فيه النساء مع الرجال، ويتمتعن بكامل حقوقهن في إيران الحرة غداً.
إيران الحرة: أرض العدالة والمساواة للجميع
بالنظر إلى تاريخ القمع الذي تعرضت له النساء في ظل نظام ولاية الفقيه المعادي للمرأة، والدور المحوري الذي لعبته النساء في انتفاضات الشعب الإيراني، يمكن القول إن الخطة المكونة من عشر نقاط التي قدمتها السيدة مريم رجوي تمثل النموذج الأكثر تطوراً للديمقراطية، وخصوصاً في مجال حقوق المرأة، في مواجهة أكثر أشكال الديكتاتورية الدينية تخلفاً والمهيمنة على إيران.
هذا الميثاق لا يقتصر على حقوق النساء فحسب، بل يؤكد على الحرية والمساواة لجميع أبناء الشعب الإيراني، مقدماً رؤية واضحة لمستقبل مشرق خالٍ من التمييز وعدم المساواة.
إن النساء الإيرانيات، بأصواتهن الجريئة ووجودهن في طليعة النضال، يسعين لتحقيق الحرية واسترداد حقوقهن. هذا الكفاح المتواصل يجسد امتداداً لمسيرة طويلة من النضال من أجل الحرية في إيران، ويُرسي أسس مستقبلٍ يتساوى فيه الجميع، رجلاً وامرأة، في ظل العدالة والكرامة الإنسانية.
*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني