عصر الحروب والولاءات والإقصاء قد ولى!

شكري بكر

المتتبع لشأن المجتمعات البشرية على كوكبنا الذي نعيش فيه جميعًا، وعلى اختلاف أعراقها وأديانها، يلاحظ أن هناك أشكالًا مختلفة من الصراع؛ منها ما يذهب نحو حب الذات، ومنها ما يسير في اتجاه إقصاء الآخر المختلف، ومنها ما يسلك دروب الإرهاب عبر استخدام القوة للهيمنة على السلطة والنفوذ، واستغلال خيرات البلدان التي هي ملك الشعوب، لا ملك طائفة محددة من المجتمعات البشرية.

فعند استخدام القوة بجانبها السلبي، تتولد مشاعر الخوف والرعب، بينما عند استخدامها في جانبها الإيجابي، تُبنى السعادة والحياة الكريمة لدى جميع المجتمعات البشرية.

القوة هي التي شكلت الاتحاد السوفيتي السابق، وهي أيضًا التي فَتَّتته. وألمانيا مثال آخر: القوة هي من قسمتها، وهي من وحدتها مرة أخرى. كذلك الحال في يوغوسلافيا؛ قوة وحدتها، وقوة فرضت عليها التقسيم، بسبب تعدد الأعراق والأديان فيها.

بناءً على هذا، يمكن القول إن مرحلة الحروب الباردة والولاءات والإقصاء تقترب من نهايتها. لقد بدأت مرحلة التغيير الديمقراطي عبر سقوط الأنظمة الدكتاتورية وإقامة البديل الديمقراطي.

منطقة الشرق الأوسط هي جزء من هذا الكوكب، وهي منطقة متعددة القوميات والأديان والمذاهب والطوائف. والسؤال الذي يطرح نفسه:

الشرق الأوسط إلى أين؟

هل سيكون مصيره التفتيت أم الوحدة والالتحام من خلال إقامة منظومات فيدرالية أو كونفدرالية؟

حقيقة، مصير الشرق الأوسط حالة يُرثى لها؛ حيث الجهل، والتفرد، والتسلط، وحب الذات قوميًا ودينيًا، وسياسات الأمر الواقع المفروضة على شعوبها، فضلًا عن سياسات الاستعلاء وإقصاء الآخر، وقمع الحريات العامة والخاصة، ورفض التغيير.

في ظل هذا الوضع، من سيمسك زمام الأمور لحل قضايا الشرق الأوسط جغرافيًا وسياسيًا وقوميًا ودينيًا؟

أعتقد أن هناك لاعبين أساسيين: أحدهما دولي والآخر إقليمي.

فاللاعب الدولي هو الأقوى، وبالتالي هو من سيمتلك مفتاح الحل لمجمل قضايا الشرق الأوسط، عبر “لبننتها” مجددًا، من خلال وضع خرائط جديدة؛ قد تشمل تفتيت بعض دولها وتوسيع بعضها الآخر بالضم والإلحاق، مع احتمال كبير لظهور دول جديدة.

لنأخذ مثالًا: إيران، التي تتكون من مكونات مختلفة؛ فارس، كورد، عرب، أذريون، وبلوش. ولكي تحافظ إيران على وحدتها واستقرارها، يجب أن تغير من سلوكها السياسي الذي استمر لأكثر من 40 عامًا. عليها طرح مشروع وطني لإنقاذ إيران، يضم جميع مكونات المجتمع الإيراني، ويتضمن:

  1. إطلاق حكومة مؤقتة مدتها ستة أشهر.
  2. كتابة دستور جديد فيدرالي أو كونفدرالي.
  3. إجراء انتخابات عامة في البلاد تحت رعاية أممية.

هذا هو السبيل لإنقاذ إيران، أو إعطاء الحرية لكل مكون من مكوناتها ليختار ما يناسبه.

ويمكن إسقاط نموذج الحل الإيراني على كثير من دول المنطقة، لأن زمن الولاءات والاستعلاء القومي وإقصاء الآخر قوميًا أو دينيًا قد انتهى. وبدأ عصر جديد يقوم على قبول الآخر المختلف سياسيًا وقوميًا ودينيًا، بهدف بناء شرق أوسط جديد يضم كل مكوناته وفعالياته المجتمعية، خاليًا من كل أشكال الصراع، ومنفتحًا على العالم الخارجي، ليكون شريكًا في بناء كوكب خالٍ من النزاعات العرقية والدينية، ومحصنًا ضد الكوارث الطبيعية التي تدمر الأخضر واليابس.

كما يجب أن نعمل معًا لمعالجة الأمراض القاتلة والمدمرة المنتشرة في كل مكان، وأن نهتم بأحوال البيئة التي تلوث كل بقعة من كوكبنا، الذي هو مظلتنا جميعًا كمجتمعات بشرية.

شارك المقال :

One Response

  1. تفكيك ايران واعادة البناء.بالشكل الذي قلته،تفكيك تركيا واعادة بنائها،…أما العرب فقد تم تفكيكهم والحمد لله…الاردن ب ملكه والسعودية (وخاصة الملك سلمان أدام الله صحته)نتمنى ان يسير الامير محمد على خطى والده ،والسيسي أصدقاء حقيقيين للكورد د…أماالاكثر صداقة والذين يمكن الاعتماد عليهم امريكا واسرائيل،هذين الاثنين بيدهم الحل والربط…التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة عندما تهدم ومرة عندما تعيد هدم مابنيته…والكل يلامس جيبه هل وضعت فيها شئ…حتى النظر لايوجد بلا مقابل…اذا عكسنا الاغنية المصرية..تحب الاستقلال !!!هات فلوسك هات..ده غيرك دفع مليون ضحية اولسة يقلهم هات…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…