إيران.. ولاية الفقيه والشطرنج السياسي!

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)

تشهد الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط قبل حلول عام 2025 تطورات مهمة لفتت انتباه الجميع. إن النظام الديني في إيران، الذي يكبل شعب هذا البلد العريق منذ ما يقرب من 45 عاماً، بالإضافة إلى نشر الإرهاب في أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط، يعمل سراً على إنتاج القنبلة النووية! كما أنه يلعب دوراً لا يمكن إنكاره في الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط. هل الأفعال المزعزعة للاستقرار التي يقوم بها النظام الإيراني دليل على هشاشة نظام ولاية الفقيه و قرب انهياره؟ هل ستتوقف الدول الغربية المتخاذلة عن التواطؤ مع هذا النظام الوحشي؟ هل سيتسع نطاق الحرب في الشرق الأوسط أم أن الأمر يتجه نحو السلام؟ وما هي رسالة الانتخابات الأميركية الأخيرة في هذا الصدد؟ وختاماً، ما هو الحل الأمثل وما هي الخطوات الواجب اتخاذها؟

هذه أسئلة تتطلب إجابات واقعية ولا يمكن تجاهلها. عام 2024 يقترب من نهايته. لقد أجرت ما يقرب من سبعين دولة حول العالم العالم انتخاباتها الدورية. كما تم في إيران إجراء المسرحية الانتخابية، وعيَّن على خامنئي مسعود بزشكيان رئيساً للحكومة. لكن في الأشهر القليلة التي مرت منذ رئاسته، تم إعدام ما يقرب من 400 معارض! ويستشري الغلاء والفقر والبطالة في إيران. ويتم تخصيص معظم ميزانية البلاد للقوات والمشاريع العسكرية. ويتزامن ذلك مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وخاصة في الشرق الأوسط!

الانتخابات الأمريكية وإرهاب نظام الولي الفقيه!

لقد كان إجراء الانتخابات الأمريكية هذا العام مهمًا جدًا خاصة بالنسبة للإيرانيين. على الرغم من العقبات الإعلامية والقانونية والقضائية الكثيرة التي تقف في طريق مرشح الحزب الجمهوري في أمريكا (دونالد ترامب)، وكذلك العمل الإرهابي الذي قام به النظام الحاكم في إيران لاغتياله، إلا أن ترامب لم ينجو بأعجوبة فحسب، بل هزم مرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي بفارق كبير، وانتخبه الشعب الأمريكي رئيساً ليكون رئيس الولايات المتحدة الـ 47.

أعلنت المحكمة الفيدرالية الأمريكية أن النظام الإيراني كان وراء المحاولة الفاشلة لاغتيال دونالد ترامب عام 2024. حول محاولة النظام الإيراني لاغتيال دونالد ترامب أعلنت وزارة العدل الأمريكية أن: “هناك عدد قليل من الجهات الفاعلة في العالم يشكلون تهديدًا خطيرًا للأمن القومي للولايات المتحدة بقدر ما تشكله إيران. كان عنصر من النظام الإيراني مُكلفًا بتوجيه شبكة من المتعاونين المجرمين لتنفيذ مؤامرات الاغتيال، بما في ذلك استهداف الرئيس المنتخب دونالد ترامب”. كتبت مجلة “أسوشيتدبرس” أن: ” مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. آي) أحبط خطة اغتيال ترامب على يد عنصر مأجور من النظام الإيراني”.

دونالد ترامب!

النظام الإيراني غير راض عن الجمهوريين، وخاصة دونالد ترامب. إن ترامب هو من أمر بتنفيذ حكم إعدام الجلاد قاسم سليماني وانسحب من الاتفاق النووي مع نظام إيران.” تُظهر هذه الإجراءات خط سير العمل المستقبلي للجمهوريين، وخاصة دونالد ترامب. ولذلك، فإن الولي الفقيه الحاكم في إيران، بالإضافة إلى تدهور نظامه، فإنه يشعر بقلق بالغ من وصول دونالد ترامب إلى السلطة. ولا ننسى أن المقربين من ترامب في الحكومة السابقة، ومن بينهم المؤيدين للمقاومة الإيرانية هم أنفسهم من زادوا من قلق خامنئي! شخصيات من أمثال مايك بنس (مساعد الرئيس)، وجون بولتون (مستشار الرئيس)، ومايك بومبيو (وزير الخارجية)، رودي جولياني (محامي ترامب) وغيرهم…

لنعد إلى الماضي. قال خامنئي خلال لقائه مع شينزو آبي، رئيس وزراء اليابان، في 13 يونيو 2019: ” ليس لدي أي رد على رسالة ترامب، ولن أرد عليها. سأتحدث إليكم في بعض الأمور، لكنني لن أبعث له بأي رسالة، لأنني لا أعتقد أن ترامب شخص يستحق تبادل الرسائل معه”.  قال خامنئي للسيد آبي، رئيس الوزراء الياباني، في إشارته إلى ما قاله الأخير حول أن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء مفاوضات صادقة مع إيران:” نحن لا نصدق هذا الكلام إطلاقًا، لأن المفاوضات الصادقة لا تصدر من شخص مثل ترامب “. كما قال خامنئي في هذا اللقاء: ” نحن على يقين أنه لا يمكن حلّ أي من مشاكلنا عبر التفاوض مع أمريكا. فقد أقدم الأمريكيون على أكبر أفعال العداء الممكنة تجاهنا، وهم لا يزالون مستمرين في ذلك.”

بوادر التطورات المستقبلية!

  • أفادت صحيفة التلغراف الصادرة في لندن بأن: “انتخاب ترامب قد أربك نظام الملالي في إيران، وهو يعد أسوأ سيناريو ممكن بالنسبة لخامنئي وميليشياته الوحشية من الحرس الثوري”. كتبت هذه الوسيلة الإعلامية: “أن عودة ترامب هي أسوأ كابوس لنظام إيران، وهي تهديدٌ جليٌّ لاستمرار الولي الفقيه في طهران. لم يستطع الولي الفقيه تحمل عودة عدوه إلى البيت، ولهذا السبب أصدر أمراً باغتيال ترامب في سبتمبر”.
  • ذكرت شبكة فوكس نيوز الأمريكية: “اليوم، يتعين على نظام إيران أن يتهيأ لمواجهة رجلٍ ظل لسنوات طويلة هدفًا لخطط اغتياله “.
  • ذكرت قناة “سي. إن. إن”: “لقد وصف برايان هوك إيران بأنها العامل الرئيسي في زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”.

لا شك أن الانتخابات الأمريكية تمثل تحولًا كبيرًا وستكون لها تأثيرات خطيرة على الوضع في إيران؛ نظراً لأن إيران تعد بؤرةً لصناعة الأزمات في المنطقة، بل وفي العالم أجمع. إن طبيعة تأثير فوز ترامب في الانتخابات على التطورات في المنطقة تتوقف على خططه وسياساته وأولوياته في التعامل مع السياسة والاقتصاد المحليين في أمريكا، وحرب روسيا وأوكرانيا، وحرب إسرائيل في غزة ولبنان، وكذلك الاتجاه الاستراتيجي لهاتين الحربين. ما لا شك فيه، هو أن الحقيقة الثابتة هي أن الدورة الثانية لرئاسة دونالد ترامب ستكون مختلفة تمامًا عن الدورة الأولى”. ومن هنا، فإن الشرق الأوسط، وبالأخص بسبب دوره الحيوي في المصالح السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة؛ سيشهد تحولات بالغة الأهمية قد تكون “مصيرية” في تحديد المستقبل.

     إسقاط نظام ولاية الفقيه!

تبرز أزمة “الإطاحة” في صدارة الأزمات التي يواجهها النظام الإيراني.  إن الشعب الإيراني لا يريد هذا النظام ويرفضه رفضاً باتاً، كما كان الحال مع الديكتاتورية الملكية التي كان الشعب يكرهها ونجح في إسقاطها.” إن الولي الفقيه الحاكم، قلق من هذا الغضب، وجميع أنشطته وجهوده على جانبي الحدود تنبع من هذا المنطلق. إن إشعال الحروب خارج الحدود، وتصدير أفكاره الرجعية إلى الدول الأخرى، ونشر الإرهاب، والسعي لإنتاج القنبلة النووية؛ كلها تهدف إلى نفس الغرض.

لقد قرعت الآن جميع هذه الأزمات والتحولات ناقوس النهاية لهذا النظام، وأصبحت مرحلة إزاحة النظام الديني الحاكم في إيران وشيكة. ويعلم ولي الفقيه الحاكم في إيران علم اليقين أن سقوط نظامه لن يكون على يد القوى الأجنبية، بل سيكون على يد الشعب الإيراني، وفقًا لمصيره المحتوم.

مواقف دونالد ترامب تجاه إيران!

ورغم أن ترامب في ولايته السابقة قد مزق خطة العمل الشاملة المشتركة وانسحب من الاتفاق النووي، ورغم أنه أصدر أمرًا بقتل قاسم سليماني ولا يزال يفتخر بهذا العمل التاريخي، فإن برايان هوك، أحد مسؤولي إدارة ترامب السابقة، صرح قائلاً: ” الرئيس ترامب غير معني بتغيير النظام، وكما أكد مرارًا خلال سنواته الأربع في الحكم، فإن قرار مستقبل إيران يعود إلى الشعب الإيراني. لذا، فإن الاستنتاج الأول من وصوله إلى السلطة يمكن أن يكون أن “ترامب يعارض انخراط أمريكا في الحروب البعيدة قلباً وقالباً”، إذ إنه لا يرى ضرورة لتحمل التكاليف البشرية والمادية لمثل هذا المشروع. واستطرد هوك قائلاً: “يعلم ترامب أن السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط اليوم هو النظام الإيراني”. وقال هوك في هذه المقابلة: “إن هدف إدارة ترامب الجديدة سيكون العمل على عزلة الحكومة الإيرانية”. (قناة “سي إن إن، 7 نوفمبر 2024).

لا ننسى أن المقاومة الإيرانية قد أكدت منذ البداية وتؤمن بأن «إسقاط الديكتاتورية في إيران هو مسؤولية الشعب والمقاومة الإيرانية»، ولم تضع أملها أبدًا في الحكومات الأجنبية من أجل تغيير النظام. وشعار المقاومة هو “الاستقلال” والإيمان بالحكمة القائلة “لا يحك ظهرك سوى ظفرك”، وقد أثبتت ذلك بالفعل في مواقفها وأفعالها.

الكلمة الأخيرة!

عندما نضع هاتين الاستراتيجيتين جنبًا إلى جنب ونتأمل فيهما، نكتشف أنه رغم ما بينهما من اختلافات، فإنهما متكاملتان. فالأداة الرئيسية التي يعتمدها ترامب في تعامله مع النظام الديني في إيران، الذي حاول اغتياله حتى على الأراضي الأمريكية، تتمثل في إعادة تفعيل سياسة “الضغط الأقصى”، وربما توجيه ضربات إلى ميليشيات النظام خارج حدود إيران. كما أن النظام الإيراني يدرك تمامًا رغبة ترامب الشديدة في تجنب الحرب الشاملة. لكن الحقيقة المؤكدة هي أن خامنئي يعلم يقينًا أن الشعب والمقاومة الإيرانية في أتم الاستعداد لإسقاط نظامه، ومهما طال الزمان، فإن الشعب والمقاومة الإيرانية سوف يسقطون هذا النظام الفاشي عاجلاً أم آجلاً، وذلك أمر لا مفر منه وحتمي!

***

*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…