إن التغيير والتجديد في القيادات والكوادر الحزبية، وتقديم أصحاب الكفاءات والقدرات على الصعيد الفكري والعملي السياسي، هو سمة أي حزب حيّ، بغية مواكبة المستجدات، وما تطرحه الحياة من قضايا عديدة وشائكة، تستوجب نظرة جديدة ومتجددة على الدوام، فقضايا اليوم لا تعالج بعقلية الأمس، فلا بد من تجاوز حالات الوهن والركود والروتين، لا بد من بث الحيوية والدم الجديد في جسم الحزب أي حزب كان..
لكن علينا أن نعي أن مثل هذا التجديد لا يتم وفق أجندة يجود بها عقل إنسان ما، بل لا بد من توافر أسباب أخرى في مقدمتها أجواء من الديمقراطية يعيشها الحزب في حياته الداخلية التنظيمية، والمجتمع أيضا لا بد له أن يكون قد بلغ طورا من النضج والتطور، فتحرّر بالتالي شيئا ما من العقلية العشائرية والتصانيف التراتبية، وأصبح مهيئا لتقبّل الفكر الحزبي والنضال السياسي، يجمع بين أطياف ومشارب مختلفة، تتضافر جهودها لأهداف استراتيجية أو تكتيكية متفق حولها ضمن إطار الحزب كحاضنة للجميع….
فيصبح هو بين فكي كماشة، غيرته وحرصه على وحدة حزبه وخشيته من التشرذم والتقسيم هذا من جهة، ومن جهة ثانية، أنانية السكرتير الأول وعدم ائتمانه وأفاعيله المضرة بالحزب في المحصلة، يبقى هذا الكادر الغيور في هذه الدوامة، ولا يدري واحدنا ما الخاتمة، وإن كان الكثير منا يتكهن بالخواتيم في مثل هذي الحالات..!
إن تأبيد السكرتير الأول يعني فيما يعنيه دفع الأعضاء للصلاة خلفه..
فمن الأعضاء من يرى مكانه في مثل هذه الأجواء، فتقربه وتودده وتزلفه للسكرتير الأول قد يكسبه مقعدا متهرئا لا يغني ولا يسمن، فالساقط اجتماعيا لا يمكن أن يكون ناجحا حزبيا، هذا ما علمتنا مدرسة الحياة، وتأبيد السكرتير الأول يدفع بالكادر غالبا للأسف، إلى روح من الانتهازية هو بغنى عنها لو عاش الحزب حياته الطبيعية..فالقائد الجيد الحريص على حزبه وتاريخه كشخص، يحتاط بالكادر الجيد، والمثقف المتمتع بمصداقية فضلا عن تمتعه بقدر من الثقافة، أما القائد الأناني فاقد المصداقية، فتلتف من حوله الكوادر الضعيفة كسياج لنمر من ورق، وهنا القائد بدوره يسعى وراء مثقفين ضحلي الثقافة جائعين مساكين، لجذبهم وتدجينهم، فقط للإطراء على شخصه السامي..
أحد الأحزاب الكوردية أدخل في نظامه الداخلي ما فحواه ضرورة تغيير السكرتير الأول بين مؤتمر وآخر، وطبّق ذلك في حياته التنظيمية، فلم يقتد به أيّ حزب..ترى لماذا لم تناقش هذه السنة أو السابقة عند الأحزاب والتنظيمات الكردية الأخرى..؟ طبعا الجواب ليس عندي، علما أني كما قلت في بدايات مقالي لست مع التغيير الميكانيكي للأمين العام ولا للكوادر القيادية، لكن يظل التغيير والتجديد هو السمة العملية لأي حزب يرغب في تطوير وسائله الحزبية والنضالية..
أما تأليه القائد الحزبي، فمكتوب على هكذا حالات بالاحتضار والموت البطيء للحزب وللقائد الأول، والذي لا نتمنى لجميع القادة الأخيار غير الصحة والعافية ومع استمرار النضال ومزيد من العطاء، ويبقى التاريخ هو الشاهد والحكم الأخير لتقييم مسيرة الأحزاب والقادة…