لماذا الاستمرار في هذه الاجراءات؟ *

  من الواضح لدى كل من يراقب السياسات الداخلية المتبعة في بلادنا وعلى مدى السنوات الماضية أن أية محاولة جادة لإصلاح حقيقي للأوضاع الداخلية لم تتم ،وذلك على العكس مما كان يتوخاه المواطنون ويتمنوه..

فالديمقراطية الموعودة تمخضت عن المزيد من المركزية التي أخذت شكل الاجراءات الأمنية المشددة والجاهزة للتدخل في كل تفاصيل الحياة في البلاد ،وقانون الأحزاب والصحافة تحول إلى الانغلاق وزج أصحاب الرأي الآخر في السجون والمعتقلات ..وربيع دمشق لم يفسح أمامه المجال ليزدهر وبعثرت رياح المنع أوراق مثقفيه ورواده وتحول المجتمع المدني إلى مجتمع يسوده الرأي الواحد ..
أما الوضع المعيشي ، فقد زاد سوءاً وصعوبةً في ظل ارتفاع الأسعار التي لم تعد تعرف حدوداً تستقر عندها مما أفرغ أية زيادة على الرواتب والأجور من مضمونها بحيث أن الأجور تراجعت في الحقيقة والواقع أمام الخط المتصاعد لتكاليف الحياة اليومية الباهظة من السلع الاستهلاكية وفواتير الكهرباء والمياه والهاتف مما بات يشكل عبئا إضافيا يثقل كاهل المواطن ..وازداد انتشار وتفشي  الرشوة والفساد في دوائر الدولة والتي لا يمكن مواجهتها سوى باجراءات جدية لما تشكله من خطر على المجتمع   .
و فيما يتعلق بالسياسة المعتمدة حيال الشعب الكردي فإن المشاريع العنصرية كالحزام العربي والإحصاء الاستثنائي و غيرها من سياسات التمييز والاضطهاد لازالت مستمرة بنتائجها الكارثية …
ومن المفارقات الغريبة أن تغير بعض الدول الإقليمية من سياساتها حيال المسألة الكردية بينما تتراجع السياسة السورية إلى مواقع أكثر تشدداً في هذا المجال ،فها هي تركيا ،الدولة التي كانت تعادي كل ما هو كردي لعشرات بل ومئات السنين ،تخطو خطوات نوعية على طريق إيجاد حل سلمي ديمقراطي للمسألة الكردية ومن هذه الخطوات افتتاح قنوات فضائية تبث باللغة الكردية والسماح بتدريس اللغة الكردية في الجامعات وكان آخرها السماح بتدريسها في جامعة ماردين ، وفي حين قررت الحكومة التركية إعادة أسماء كل القرى الكردية التي كانت قد  تم تتريكها فيما مضى ،نقول في ذات الوقت يجوب موظفو التموين في القامشلي وغيرها من مدن الجزيرة السورية للتفتيش عن محلات تجارية تحمل أسماءً كرديةً بغية تعريبها أو فرض غرامات مالية على أصحابها .
 إن المنطق السياسي السليم يتطلب أن تكون سورية أكثر دول المنطقة انفتاحاً على الشعب الكردي ومطالبه العادلة ، لكون القضية الكردية قضية وطنية وهذا ما يتفق عليه الجميع بدءاً من الحركة الكردية التي ثبتت هذا المبدأ منذ نشأتها وناضلت ضمن هذا الإطار الوطني ، وكذلك سائر القوى الوطنية في سوريا بمختلف انتماءاتها وهي تنظر اليوم اليها كقضية وطنية تتطلب حلا وطنيا.فالسؤال الأكبر الذي يطرح نفسه إذاً هو لماذا وما الفائدة من كل هذه السياسات التي أقل ما يقال فيها أنها تنافي روح العصر وتلحق أفدح الأضرار بالوحدة الوطنية ؟؟.
عن جريدة الديمقراطي النصف شهرية التي يصدرها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا – العدد (530) أوائل تشرين الأول 2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي سبق و كتبنا عن هذه المشكلة وتحت عنوان رواتب موظفي اقليم كوردستان .. الى اين ؟؟ ونشرت بتاريخ 2 / 5 / 2025 في شفق نيوز ، وفي صوت كوردستان بتاريخ 3 / 5 / 2025 ، وفي صوت العراق بتاريخ 4 / 5 / 2025 ، ونظرا لاستمرار حكومة بغداد و باوامر من قادة الميلشيات…

بنكین محمد في كل مرحلة يمرّ بها شعبٌ يبحث عن خلاصه، يخرج من الظلال نوعٌ جديد من الدخلاء: أشخاصٌ بلا قيمة، بلا وعي، بلا تاريخ، لكنهم يصرّون بكل خفة على الجلوس في المقدمة… وكأنّ الصف الأول سيمنحهم ما حُرموا منه طوال حياتهم: احترام الناس. إنهم أولئك الذين نحاول تجنّب الكتابة عنهم، ليس احتراماً لهم—فهم لا يستحقون الاحترام—بل لأن القرب منهم…

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…