ويتمثل هذا الإختراق في التوصل إلى مسودة اتفاق يتم بموجبه نقل اليورانيوم الإيراني المخصب لدرجة(3,5) إلى روسيا لرفع درجة التخصيب إلى 19,70% ، ثم معالجته على شكل صفائح.
ورغم الشكوك التي لا تزال تحيط بالاتفاق، ومحاولة إيران المتجددة في كسب الوقت، فإن ما يقف وراء القبول الإيراني التكتيكي هو، إلى جانب تبدّل المعادلات الدولية والإقليمية، تصاعد الضغوطات الإصلاحية الداخلية المطالبة بتحجيم أذرع التدخّل في شؤون قضايا المنطقة، والتي تسبّبت في عزلة إيران وتوتير الصراع السني الشيعي..
لكن إقدام حكومة طهران على استبعاد فرنسا من صفقة التخصيب يعبّر عن نيتها في شق الصف الغربي، وعن طموحاتها في اللعب والمساومة مع الكبار فقط (أمريكا وروسيا )، كما يعبّر على رغبتها في أن تكون قوة إقليمية كبرى، شأنها في ذلك شأن إسرائيل وشأن تركيا التي قطعت حكومة حزب العدالة فيها شوطا ًكبيراً على طريق طموحاتها الإقليمية وتقدمها الاقتصادي وتوسيع نفوذها الإقليمي، خاصة بعد أن تبين لها بأن انضمامها للإتحاد الأوربي يحتاج لوقت طويل.
وهي تتطلع الى تشكيل تجمّع إقليمي يشكل سوقاً تجارياً واقتصاديا مهما، بدأت بسوريا التي شكّلت معها مجلساً للتعاون الاستراتيجي، وعقدت عشرات الاتفاقات، وتمت ترجمتها في تزايد التبادل التجاري بين البلدين ليزيد عن ملياري دولار، ويتوقع له أن يصل الى خمس مليارات خلال الأعوام القليلة القادمة.
كما شهدت العلاقات مع العراق انفتاحاً واسعاً، وتم عقد العديد من الاتفاقات الاقتصادية والأمنية.
وعبر إقامة العلاقات الدبلوماسية مع أرمينيا وفتح وتطوير العلاقات الثنائية، استطاعت أن تطوي مرحلة مريرة من العداء معها، لكن يبقى الانفتاح على القضية الكردية من بين أهم الخطوات التي أقدمت عليها حكومة أردوغان والتي قوبلت بارتياح شعبي كبير في المناطق الكردية تجلى في التجمعات الجماهيرية الكبيرة التي شهدتها أثناء استقبال مجموعة من مقاتلي PKKسلمت نفسها تعبيراً عن التضامن والاختبار بنفس الوقت، وتمهيدا لما يمكن تسميته بإغلاق ملف معسكرات PKK مستقبلاً في كردستان العراق، التي تشهد علاقاتها مع الحكومة المركزية في بغداد التوتّر بسبب قضية كركوك ، وارتباطها بموضوع الانتخابات البرلمانية المقررة في بداية العام القادم، وبسبب رفض المادة 140 من الدستور وارتفاع حدة الخلاف بين الجانب الكردي الذي يصر على تطبيقها، والجانب الآخر الذي يرفض ضم كركوك لإقليم كردستان، ويرى منحها وضعاً خاصاً، مثلما تدعو له أيضاً الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية ….
ولا تقتصر التحدّيات هناك على موضوع كركوك فحسب، بل أن الانتخابات البرلمانية القادمة في كانون الثاني المقبل تحظى باهتمام دولي وإقليمي كبير، بسبب انعكاس نتائجها على مستقبل العراق وتطوره الديمقراطي وعلى النفوذ الإقليمي في الداخل العراقي، فإيران لن تكون مستعدة للتسليم بعراق معادٍ لها، كما أن دول الاعتدال العربي وأمريكا لن تقبل بعراق موال لإيران، والجانب الكردي العراقي أيضا لن يقبل بتهديد التجربة الديمقراطية في كردستان العراق.
وبالانتقال إلى الوضع السوري، فإن النظام، وفي محاولة منه لفك عزلته العربية وجد في تركيا مجالاً حيوياً لتخفيف الضغط الخارجي وإيجاد مدخل للعلاقات مع أمريكا، وإحياء المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، وتسهيل مهمة الانضمام للشراكة الأوربية المتوسطة ..
وكان هذا التقارب مع تركيا من بين العوامل التي أسرعت في زيارة الملك عبد الله إلى دمشق واستكمال المصالحة السورية السعودية التي وفرت غطاءاً عربياً للجانب السوري، لكنها، وعلى عكس التوقعات، لم تتمكن من إحداث اختراق للأزمة اللبنانية التي غابت عن التداول بين البلدين- كما قيل- رغم إشاعة نوع من الأمل حول إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية.
كما أن احتمالات قيام السعودية بالتوسّط لتحسين العلاقات السورية المصرية تراجعت في ظل استمرار حالة الجفاء بين البلدين ووصول عملية المصالحة الفلسطينية نتيجة لذلك إلى طريق مسدود بعد لجوء حماس إلى ذريعة سحب تقرير غولد ستون لتبرير رفضها للتوقيع على الاتفاقية التي رعتها الحكومة المصرية، وإقدام الرئيس عباس، رداً على ذلك، على إصدار مرسوم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 كانون الثاني القادم ، وبذلك تتراجع آمال الوحدة الوطنية وتتفاقم ظاهرة الانقسام السياسي والجغرافي، وتهدد بانهيار آفاق المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين خاصة بعد فشل الإدارة الأمريكية في ضبط وإيقاف بناء المستوطنات.
وفي إطار الوضع الداخلي للبلاد، تجدر الإشارة إلى مماطلة السلطة في التوقيع على اتفاقية الشراكة الأوربية المتوسطية ، خاصة بعد تحديد الاتحاد الأوربي يوم 26 من تشرين الأول الجاري موعداً لذلك..
ورغم أن المبررات كانت تتعلق بتأثير بعض بنود الاتفاق سلباً على الاقتصاد السوري، خاصة ما تتعلق منها بإلغاء الرسوم الجمركية على الصادرات الأوربية والسورية معا، وعدم قدرة المنتجات السورية المعنية على المنافسة، فإن ملف حقوق الإنسان رغم انه لم يدخل كشرط أساسي في الاتفاق بسبب تباين المواقف الأوربية، بين من يرى ضرورة ربط تحسن حقوق الإنسان بالتوقيع، ومن يرى (وهم الأكثرية ) بأن هذه القضية يمكن مناقشتها في وقت لاحق مع الجانب السوري، كان أحد الأسباب الداعية لتأجيل التوقيع، نظراً لما يمكن أن يشكله ذلك مستقبلاً من قيود على ملف الاعتقال السياسي المفتوح على مصراعيه، والذي يطال مختلف القوى السياسية وأصحاب الرأي الآخر، ونشطاء حقوق الإنسان، وفي مقدمتهم الناشط الحقوقي هيثم المالح الذي اعتقل مؤخراً وأحيل مباشرة إلى المحكمة العسكرية، ولم يشفع له عمره الذي قارب الثمانين، كما أن القمع والاعتقالات باتت جزءاً أساسياً من التعامل مع الشأن الكردي حيث يعتقل المواطنون الكرد لأي سبب يتعلق بالرأي، مثلما حصل للشخصية الوطنية الكردية بهجت محمد علي إبراهيم (أبوشنو) الذي اعتقل في عامودا من قبل جهاز الأمن السياسي ، ولا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن.
ويتزامن هذا التشدد الأمني مع التردي المضطرد في الوضع المعاشي للمواطنين، وازدياد معدلات البطالة والفقر، وكذلك تفشي الفساد والجريمة، حيث يتعاون الجفاف مع سوء الإدارة، والسياسة القمعية في إحداث حالة من التذمّر والاستياء لدى المواطنين بشكل عام، وفي المناطق الكردية بشكل خاص، نتيجة تعمّق واستفحال آثار المشاريع العنصرية، وخاصة الإحصاء الاستثنائي لعام 1962، والمرسوم 49 لعام 2008 وغيرهما من المشاريع، مما يتطلب معالجة سريعة يستعيد الناس من خلالها قدرتهم على المشاركة في تقرير مصيرهم، ورفع حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإشاعة الديمقراطية وإطلاق حرية التعبير، وإصدار قانون عصري ينظّم عمل الأحزاب، وإفساح المجال أمام سيادة القانون واستقلال القضاء .
في 5|11|2009
اللجنة السياسية