المهندس / حواس محمود
تفاقمت خلال الأشهر القليلة الماضية أزمة الغذاء العالمي وذلك عندما لا حظ المستهلكون في العديد من مناطق العالم أن أسعار المواد الغذائية الأساسية والكمالية قد ارتفعت بنسب غير متوقعة وبشكل مفاجئ ، وكانت الأزمة أكثر وقعا وإيلاما على الدول الفقيرة بينما كان وقع الأزمة في الدول الغنية بنسب أقل مما كان عليه الأمر في الدول الفقيرة، لقد لاحظ المستهلكون ارتفاع أسعار الأرز والقمح والعدس والسكر واللحوم ، الأمر الذي جعل من المواطنين الفقراء في العديد من دول العالم يشعرون بثقل الأزمة على كواهلهم وحدثت اضطرابات عديدة في أكثر من دولة من العالم.
في هذا المقال سنتناول أسباب الأزمة والحلول المقترحة
أسباب الأزمة :
بعد ارتفاع أسعار القمح في التجارة العالمية ارتفعت أسعار الأرز ، وحذرت الأمم المتحدة من وقوع حالات غذاء طارئة في 82 دولة بعد تراجع مخزونات القمح إلى أدنى مستوياتها منذ العام 1980 م وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام وبلوغها مستويات قياسية بالتزامن مع مضاعنة أسعار النفط خلال العام الماضي والعام الجاري ،لقد زادت كلفة الشحن والنقل من البلدان المصدرة إلى البلدان المستوردة ولكن في يومنا الراهن تلجأ الدول المصدرة للحبوب إلى تخفيض كمية الصادرات خشية تفاقم أزمة الغذاء ، هذا ما أقدمت عليه دول مصدرة للأرز مثل فيتنام والهند والصين ، وهي التي تنتج نحو 35 في المائة من المحصول العالمي .، وتجدر الإشارة إلى أن الصين والهند تستهلكان الكمية الأكبر من مخزون الأرز عالمياً ، وهو الغذاء الرئيسي عند 3,3 مليار نسمة في العالم ، أي ما يعادل نصف سكان المعمورة تقريباً ، إن الأزمة الحالية تقود في أسبابها إلى تآكل التربة وتصحرها بفعل تدمير الغابات ، وتزايد ملوحة الأراضي الزراعية ، وهي تؤدي إلى تدمير خصوبة الأرض وتراجع الإنتاج الزراعي على رغم المجهودات العلمية والتقنية لزيادة هذا الإنتاج
إن الذي ساهم في كشف الأمن الغذائي العالمي هو الخلل الكبير الموجود في التجارة العالمية على صعيد السلع الزراعية بين مستوردين ومصدرين ، وهنالك أبحاث ترى أسباباً أقوى أثراً تتجسد رفي الهجمة الأمريكية على وقود الايثانول المستخرج من الذرة ، والدعم الذي يلقاه هذا النمو الجديد في إنتاج الطاقة ، لأسباب الراجح فيها أنها سياسية لا اقتصادية ، ذلك أن إنتاج وقود الايثانول هذه السنة ستبلغ ثلث إنتاج الذرة الأمريكي ، إذا علمنا أن ملء خزان وقود سيارة رباعية الدفع مرة ، يحتاج إلى ذرة تستطيع إطعام إنسان سنة كاملة ، يتضح حجم ما تختطفه هذه الهجمة من على مائدة الفقراء في العالم، وهي هجمة لا تأخذ الذرة من أفواه البشر فقط بل من المواشي التي ستعلف علفاًُ آخر تؤدي ندرته من طريق أو آخر إلى أن يعز الطعام أيضاً ، فالثلاثين مليون طن من الذرة التي حولت وقوداً ، تساوي نصف مقدار تقلص مخزون الحبوب في العالم كله هذه السنة ، ويستدل أصحاب حجة ” تجريم ” الذرة في الغلاء الأخير بأن التحول الغذائي في الصين والهند كان متدرجاً في السنوات الماضية ، ولا يفسر الغلاء المفاجئ في سعر الحبوب والغذاء .
لقد أدت الهجمة على زرع الذرة إلى تقليص المساحة المزروعة أرزاً أو حبوباً أخرى ، مع تحول المزارعين إلى الغلال الأجدى ، وبذلك يؤدي الإقبال على نوع من الحبوب إلى غلاء الأنواع الأخرى وقد بلغ دعم الحكومة الأمريكية لزرع الذرة سبعة مليارات دولار أي أن كل غالون وقود كلف واشنطن 1.95 دولاراً أمريكياً …
الأزمة في العالم العربي :
الدول العربية مستوردة وتفتقر إلى إنتاج المحاصيل الضرورية كالقمح والذرة ، ولا تزال غير متبنية لمفهوم الاكتفاء الذاتي ، ولو كان نسبياً ، رغم أن بعض المحللين الاقتصاديين يرون أن علة أزمة الغذاء في العالم العربي تعود إلى أسباب سوء توزع الدخل وسوء الإدارة الاقتصادية للمواد البشرية ، فنسبة الباحثين عن العمل- البطالة- تلعب دوراً كبيراً في عدم تمكين البشر من العيش بكرامة من خلال توفير فرص عمل لها ، وبالتالي تحويلهم إلى فقراء ، إلا أن العلة تبقى في عدم استثمار الأراضي العربية الشاسعة لزراعة السلع المتوافقة مع الاحتياجات الاجتماعية كالحبوب مثلاً في حين نجد دولة مثل الولايات المتحدة التي تعد من الدول الغنية تزرع القسم الأكبر من أراضيها بمحاصيل إستراتيجية كالحبوب والقطن والخضار والفاكهة
الحلول المقترحة :
هنالك جهود دولية على مستوى منظمة الأمم المتحدة التي تطالب بزيادة ميزانيتها لتمكين المجلس الاقتصادي من توزيع الغذاء على مناطق الجوع والحرمان ، ولكن هذه المعالجة آنية أما المعالجة الإستراتيجية فقد تكون في تصحيح الخلل في نظام التجارة العالمية والحد من سلبيات العولمة الاقتصادية فضلا عن ظهور حاجة ماسة لحماية البيئة الطبيعية ، وفي هذا المجال يشار إلى اقتراح “غوردن براون ” رئيس الوزراء البريطاني المتضمن برنامجا لمعالجة الأزمة الراهنة ، يطلب براون وضع إستراتيجية مشتركة بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، في ضوء أزمة الغذاء الراهنة ، وتوجد تدابير آنية يقترحها كدعم استيراد المواد الغذائية في البلدان النامية ، ودعم الدول الفقيرة لتحسين إنتاجها الزراعي ، وإعادة النظر في إنتاج الوقود العضوي الذي ساهم إلى حد كبير في رفع أسعار المواد الغذائية
ويدعو براون أيضا إلى عقد اتفاق دولي لإصلاح نظام التجارة الدولية ، وذلك بما يساعد على التخفيف من وطأة الأزمة ، ويطالب بوضع إطار عالمي لمعالجة التحديات المقبلة ويمكن القول أن مقترحات براون هي الأساس في أي معالجة مستقبلية على مستوى عالمي ، وتحتاج إلى تحديد علمي لأسباب الأزمة الغذائية العالمية ، تمهيدا لوضع الحلول في سياق التعاون الدولي
وفي دراسة حديثة للأستاذ فكري محمد علي يشير إلى عدة مقترحات ضمن إستراتيجية تقوم على عدة عناصر منها
1- تعزيز الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية الزراعية ، كبناء شبكة الطرق في المناطق الريفية لتسهيل إجراءات النقل والحركة
2- دعم القطاع الخاص نحو التوجه إلى المشاركة في الاستثمارات الزراعية التي انخفض نصيبها في السنوات الماضية
3- تشجيع التوجه لإنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية ، بدلا من المحاصيل الزراعية
4- تمويل صغار المزارعين بالبذور والأسمدة
5- استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في بعض الدول الأفريقية مثل السودان التي تمثل سلة غذاء في العالم العربي
المراجع :
1- د.
عدنان السيد حسين ” الأزمة الغذائية العالمية وإستراتيجية المعالجة” جريدة أوان الكويتية 16 ابريل 2008
2- فيكتور سحاب ” فقراء المدن أمام أزمة الغذاء ” مجلة القافلة عدد مايو / يونيو 2008 ص 12
أسباب الأزمة :
بعد ارتفاع أسعار القمح في التجارة العالمية ارتفعت أسعار الأرز ، وحذرت الأمم المتحدة من وقوع حالات غذاء طارئة في 82 دولة بعد تراجع مخزونات القمح إلى أدنى مستوياتها منذ العام 1980 م وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام وبلوغها مستويات قياسية بالتزامن مع مضاعنة أسعار النفط خلال العام الماضي والعام الجاري ،لقد زادت كلفة الشحن والنقل من البلدان المصدرة إلى البلدان المستوردة ولكن في يومنا الراهن تلجأ الدول المصدرة للحبوب إلى تخفيض كمية الصادرات خشية تفاقم أزمة الغذاء ، هذا ما أقدمت عليه دول مصدرة للأرز مثل فيتنام والهند والصين ، وهي التي تنتج نحو 35 في المائة من المحصول العالمي .، وتجدر الإشارة إلى أن الصين والهند تستهلكان الكمية الأكبر من مخزون الأرز عالمياً ، وهو الغذاء الرئيسي عند 3,3 مليار نسمة في العالم ، أي ما يعادل نصف سكان المعمورة تقريباً ، إن الأزمة الحالية تقود في أسبابها إلى تآكل التربة وتصحرها بفعل تدمير الغابات ، وتزايد ملوحة الأراضي الزراعية ، وهي تؤدي إلى تدمير خصوبة الأرض وتراجع الإنتاج الزراعي على رغم المجهودات العلمية والتقنية لزيادة هذا الإنتاج
إن الذي ساهم في كشف الأمن الغذائي العالمي هو الخلل الكبير الموجود في التجارة العالمية على صعيد السلع الزراعية بين مستوردين ومصدرين ، وهنالك أبحاث ترى أسباباً أقوى أثراً تتجسد رفي الهجمة الأمريكية على وقود الايثانول المستخرج من الذرة ، والدعم الذي يلقاه هذا النمو الجديد في إنتاج الطاقة ، لأسباب الراجح فيها أنها سياسية لا اقتصادية ، ذلك أن إنتاج وقود الايثانول هذه السنة ستبلغ ثلث إنتاج الذرة الأمريكي ، إذا علمنا أن ملء خزان وقود سيارة رباعية الدفع مرة ، يحتاج إلى ذرة تستطيع إطعام إنسان سنة كاملة ، يتضح حجم ما تختطفه هذه الهجمة من على مائدة الفقراء في العالم، وهي هجمة لا تأخذ الذرة من أفواه البشر فقط بل من المواشي التي ستعلف علفاًُ آخر تؤدي ندرته من طريق أو آخر إلى أن يعز الطعام أيضاً ، فالثلاثين مليون طن من الذرة التي حولت وقوداً ، تساوي نصف مقدار تقلص مخزون الحبوب في العالم كله هذه السنة ، ويستدل أصحاب حجة ” تجريم ” الذرة في الغلاء الأخير بأن التحول الغذائي في الصين والهند كان متدرجاً في السنوات الماضية ، ولا يفسر الغلاء المفاجئ في سعر الحبوب والغذاء .
لقد أدت الهجمة على زرع الذرة إلى تقليص المساحة المزروعة أرزاً أو حبوباً أخرى ، مع تحول المزارعين إلى الغلال الأجدى ، وبذلك يؤدي الإقبال على نوع من الحبوب إلى غلاء الأنواع الأخرى وقد بلغ دعم الحكومة الأمريكية لزرع الذرة سبعة مليارات دولار أي أن كل غالون وقود كلف واشنطن 1.95 دولاراً أمريكياً …
الأزمة في العالم العربي :
الدول العربية مستوردة وتفتقر إلى إنتاج المحاصيل الضرورية كالقمح والذرة ، ولا تزال غير متبنية لمفهوم الاكتفاء الذاتي ، ولو كان نسبياً ، رغم أن بعض المحللين الاقتصاديين يرون أن علة أزمة الغذاء في العالم العربي تعود إلى أسباب سوء توزع الدخل وسوء الإدارة الاقتصادية للمواد البشرية ، فنسبة الباحثين عن العمل- البطالة- تلعب دوراً كبيراً في عدم تمكين البشر من العيش بكرامة من خلال توفير فرص عمل لها ، وبالتالي تحويلهم إلى فقراء ، إلا أن العلة تبقى في عدم استثمار الأراضي العربية الشاسعة لزراعة السلع المتوافقة مع الاحتياجات الاجتماعية كالحبوب مثلاً في حين نجد دولة مثل الولايات المتحدة التي تعد من الدول الغنية تزرع القسم الأكبر من أراضيها بمحاصيل إستراتيجية كالحبوب والقطن والخضار والفاكهة
الحلول المقترحة :
هنالك جهود دولية على مستوى منظمة الأمم المتحدة التي تطالب بزيادة ميزانيتها لتمكين المجلس الاقتصادي من توزيع الغذاء على مناطق الجوع والحرمان ، ولكن هذه المعالجة آنية أما المعالجة الإستراتيجية فقد تكون في تصحيح الخلل في نظام التجارة العالمية والحد من سلبيات العولمة الاقتصادية فضلا عن ظهور حاجة ماسة لحماية البيئة الطبيعية ، وفي هذا المجال يشار إلى اقتراح “غوردن براون ” رئيس الوزراء البريطاني المتضمن برنامجا لمعالجة الأزمة الراهنة ، يطلب براون وضع إستراتيجية مشتركة بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، في ضوء أزمة الغذاء الراهنة ، وتوجد تدابير آنية يقترحها كدعم استيراد المواد الغذائية في البلدان النامية ، ودعم الدول الفقيرة لتحسين إنتاجها الزراعي ، وإعادة النظر في إنتاج الوقود العضوي الذي ساهم إلى حد كبير في رفع أسعار المواد الغذائية
ويدعو براون أيضا إلى عقد اتفاق دولي لإصلاح نظام التجارة الدولية ، وذلك بما يساعد على التخفيف من وطأة الأزمة ، ويطالب بوضع إطار عالمي لمعالجة التحديات المقبلة ويمكن القول أن مقترحات براون هي الأساس في أي معالجة مستقبلية على مستوى عالمي ، وتحتاج إلى تحديد علمي لأسباب الأزمة الغذائية العالمية ، تمهيدا لوضع الحلول في سياق التعاون الدولي
وفي دراسة حديثة للأستاذ فكري محمد علي يشير إلى عدة مقترحات ضمن إستراتيجية تقوم على عدة عناصر منها
1- تعزيز الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية الزراعية ، كبناء شبكة الطرق في المناطق الريفية لتسهيل إجراءات النقل والحركة
2- دعم القطاع الخاص نحو التوجه إلى المشاركة في الاستثمارات الزراعية التي انخفض نصيبها في السنوات الماضية
3- تشجيع التوجه لإنتاج الوقود الحيوي من المخلفات الزراعية ، بدلا من المحاصيل الزراعية
4- تمويل صغار المزارعين بالبذور والأسمدة
5- استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في بعض الدول الأفريقية مثل السودان التي تمثل سلة غذاء في العالم العربي
المراجع :
1- د.
عدنان السيد حسين ” الأزمة الغذائية العالمية وإستراتيجية المعالجة” جريدة أوان الكويتية 16 ابريل 2008
2- فيكتور سحاب ” فقراء المدن أمام أزمة الغذاء ” مجلة القافلة عدد مايو / يونيو 2008 ص 12
3- فكري محمد علي ” أزمة الغذاء العالمي والحلول المقترحة ” مجلة جند عمان سبتمبر 2008 ص 56