دهام حسن
لفظة الانتهازية في معناها اللغوي تعني المبادرة لاغتنام وانتهاز الفرص، والغاية من الانتهازية والقصد من ورائها هو الذي يحدد إيجابية المعنى أو سلبيتها، فهي تكون خصلة محمودة طالما الغاية نبيلة، وبالمقابل تغدو خصلة ذميمة إذا كانت الغاية منها دوافع ذاتية أنانية لتحقيق مكاسب شخصية مثلا، وحتى في الجانب السياسي يمكن اعتبارها دهاء و(مكرا) في اغتنام الظرف لأهداف ومتطلبات لها ما يبررها..
لفظة الانتهازية في معناها اللغوي تعني المبادرة لاغتنام وانتهاز الفرص، والغاية من الانتهازية والقصد من ورائها هو الذي يحدد إيجابية المعنى أو سلبيتها، فهي تكون خصلة محمودة طالما الغاية نبيلة، وبالمقابل تغدو خصلة ذميمة إذا كانت الغاية منها دوافع ذاتية أنانية لتحقيق مكاسب شخصية مثلا، وحتى في الجانب السياسي يمكن اعتبارها دهاء و(مكرا) في اغتنام الظرف لأهداف ومتطلبات لها ما يبررها..
لكننا هنا سنتطرف إلى مسألة الانتهازية مثيرين جانبها السلبي فحسب، كنوع من أنواع النفاق والمداهنة، يتوسلها الفرد أو الجماعة بالتملق والتزلف للحصول على مراتب وتحقيق مكاسب وامتيازات كما نوهنا للتو، موليا بالتالي ظهره للقيم والمبادئ، متجاهلا أو متناسيا موقعه السياسي أو الحزبي، أو الرسالة النضالية المنوطة به..
عادة تأخذ الانتهازية في السياسة الطابع الفردي تتشابك بسلوك الفرد الأخلاقي..
لكن الحالة تتحول إلى كارثة اجتماعية عندما تأخذ الانتهازية حالة جماعية، فيتجلى مظهرها بطابع الولاء والطاعة والتقديس تترجم في أكثر من صعيد في التظاهرات والتصفيق في المناسبات الاحتفالية وأشكال الانتخابات مثلا..
وحتى الثناء على أخطاء المسؤولين..
مع أن أخطاء القادة أحيانا تملأ المقابر حسب تعبير أحدهم..وقد سبق لي أن نوهت عن ذلك شعرا حيث قلت:
فإذا سيّدهم زورا نبر
صفقوا بالعشر ما أحلى الدرر
فهو تيمور وهم جند التتر
لكن الحالة تتحول إلى كارثة اجتماعية عندما تأخذ الانتهازية حالة جماعية، فيتجلى مظهرها بطابع الولاء والطاعة والتقديس تترجم في أكثر من صعيد في التظاهرات والتصفيق في المناسبات الاحتفالية وأشكال الانتخابات مثلا..
وحتى الثناء على أخطاء المسؤولين..
مع أن أخطاء القادة أحيانا تملأ المقابر حسب تعبير أحدهم..وقد سبق لي أن نوهت عن ذلك شعرا حيث قلت:
فإذا سيّدهم زورا نبر
صفقوا بالعشر ما أحلى الدرر
فهو تيمور وهم جند التتر
الانتهازية تأخذ ضروبا عديدة، فالذين تقودهم مصالحهم لا يدافعون عن الحقيقة، لأن الحقيقة تهزم الزيف بتعبير أرسطو، وأعني هنا على القائد أن يقيم حججه في موقف ما على الحقيقة، فتراه لا يناصر المظلوم إذا وقع عليهم حيف أو غبن، بل سرعان ما يجد ذريعة لتبرير هكذا موقف واعتباره هو الموقف الصواب، هؤلاء يبقون أسرى تلك المصالح، فتصبح المصلحة عندهم بمثابة مهنة وشطارة، ويفقد الناس الثقة بهم، فيستمرون بتقاسم الكعكة مع رجال فاسدين…
من سمات هؤلاء الانتهازيين -أيضا- عجزهم عن قراءة المستقبل، أو التخطيط له، أو التفكير بتغيير أنفسهم حتى لو تغير العالم كله، فشهوة القائد السياسية هي أن يبقى هو قائدا أوحد، ولا ضير حينئذ من الانحناء أمام الأمر الواقع مهما تأثرت المصلحة العامة سلبا، فمثلا على الصعيد الحزبي يحصر في ذاته كل شيء، فيعتمد على أعوان يراؤون له بالمشورة، بل يحيط بنفسه بكوادر ضعفاء لا رأي لهم، فالقائد الجيد هو الذي يأتي بأعوان وكوادر جيدة، بخلاف القائد الضعيف الذي يحف به أمّعة لا رأي لهم، يقول أكثم بني صيفيّ وهو حكيم جاهلي: (خير الأعوان من لا يرائي له بالنصيحة)..
وهنا بالطبع اللمز من انتهازية الأعوان..
الانتهازية هي آفة الأحزاب السياسية، فعندما تنتفي الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية، ويعيش الحزب في حالة من المركزية المشددة، فهنا المسؤول الأول يمعن في انتهاز الوضع لمصلحته، لأنه مدرك قبل غيره من أن الديمقراطية تعني في أحد أوجهها، تفعيل المؤسسات الحزبية، وإحياء دورها، وبالتالي تحديد مهام الفرد المسؤول، حتى لا يتصرف على (كيفه)
الانتهازي من دأبه أن يتلون بألف لون ولون، فهو اليوم معك، وغدا ضدك، والقائد الانتهازي يتشبث بكرسيه ولا يسأل عن العالم كله، فلا يدعه أو يغادره ولو بقي وحده، وكثيرا ما يندار نحو السلطة في حالات الضعف معلنا لها ولاءه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إذا ما أحس بقلقلة كرسيه، بل كثيرا ما يسعى لجلب آخرين وتوريطهم في تحالف معه، أو فلنقل شراكة (فخاخ) للركوع معه أمام هبوب عاصفة ما، أو أمام الأمر الواقع، فعندما يتهدم حزبه يسعى لتهديم أحزاب الآخرين، فمثل هذا القائد يستشرس أكثر في حالات ضعفه، عندما تتذبذب لديه بوصلة النضال، وفقدان مرتكزات وعوامل البقاء والاستمرارية، وعندما يكثر الغمز واللمز واللغط حول شخصية هذا القائد، والسلطة الحاكمة عادة تفسح له المجال في التحرك أو حتى تبوّء أي موقع في المعارضة التي قد تنخدع به، طالما هو مأمون الجانب من قبل السلطة، وهو مازال يتمتع بالقدرة على أن يفسد ويخرب..
من سمات هؤلاء الانتهازيين -أيضا- عجزهم عن قراءة المستقبل، أو التخطيط له، أو التفكير بتغيير أنفسهم حتى لو تغير العالم كله، فشهوة القائد السياسية هي أن يبقى هو قائدا أوحد، ولا ضير حينئذ من الانحناء أمام الأمر الواقع مهما تأثرت المصلحة العامة سلبا، فمثلا على الصعيد الحزبي يحصر في ذاته كل شيء، فيعتمد على أعوان يراؤون له بالمشورة، بل يحيط بنفسه بكوادر ضعفاء لا رأي لهم، فالقائد الجيد هو الذي يأتي بأعوان وكوادر جيدة، بخلاف القائد الضعيف الذي يحف به أمّعة لا رأي لهم، يقول أكثم بني صيفيّ وهو حكيم جاهلي: (خير الأعوان من لا يرائي له بالنصيحة)..
وهنا بالطبع اللمز من انتهازية الأعوان..
الانتهازية هي آفة الأحزاب السياسية، فعندما تنتفي الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية، ويعيش الحزب في حالة من المركزية المشددة، فهنا المسؤول الأول يمعن في انتهاز الوضع لمصلحته، لأنه مدرك قبل غيره من أن الديمقراطية تعني في أحد أوجهها، تفعيل المؤسسات الحزبية، وإحياء دورها، وبالتالي تحديد مهام الفرد المسؤول، حتى لا يتصرف على (كيفه)
الانتهازي من دأبه أن يتلون بألف لون ولون، فهو اليوم معك، وغدا ضدك، والقائد الانتهازي يتشبث بكرسيه ولا يسأل عن العالم كله، فلا يدعه أو يغادره ولو بقي وحده، وكثيرا ما يندار نحو السلطة في حالات الضعف معلنا لها ولاءه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إذا ما أحس بقلقلة كرسيه، بل كثيرا ما يسعى لجلب آخرين وتوريطهم في تحالف معه، أو فلنقل شراكة (فخاخ) للركوع معه أمام هبوب عاصفة ما، أو أمام الأمر الواقع، فعندما يتهدم حزبه يسعى لتهديم أحزاب الآخرين، فمثل هذا القائد يستشرس أكثر في حالات ضعفه، عندما تتذبذب لديه بوصلة النضال، وفقدان مرتكزات وعوامل البقاء والاستمرارية، وعندما يكثر الغمز واللمز واللغط حول شخصية هذا القائد، والسلطة الحاكمة عادة تفسح له المجال في التحرك أو حتى تبوّء أي موقع في المعارضة التي قد تنخدع به، طالما هو مأمون الجانب من قبل السلطة، وهو مازال يتمتع بالقدرة على أن يفسد ويخرب..
القائد الانتهازي ثأري النزعة إذا ما سقط سياسيا، فهو مستعد أن يحرق روما لو استطاع، ليجمل صورته في مرآة الآخرين، وهو على استعداد أن يختلق الأسباب للإيقاع بالأبرياء، ورفاق الأمس القريب، ويدوس بالتالي على كل القيم التي كانت تربطه حتى يوم أمس بأصدقاء وحلفاء حتى بمن والاه في الأمس القريب، القائد الانتهازي ترتعد فرائصه أمام قول الحقيقة من أي مؤانس له أو مثقف، لهذا فهو يتهرب من أي نقاش جاد ودائما يمعن في إغراء واستمالة المثقف الانتهازي الضحل الثقافة، أو التحبب إليه واستدرار عطفه، القائد الانتهازي هو الذي يضحك في عبّه لأنه استأمن جانب المساءلة، لكنه لا يكتفي بهذا بل يمضي بعيدا للإيقاع بأقرانه الذين مازالوا واقفين على أرجلهم، لذلك فهو يسعى لاستجرار الآخرين إلى مواقف الخطأ وبالتالي التشفي منهم، فهو عندما يفلس نضاليا وسياسيا يندار إلى شكل آخر من (النضال) وهو أن لا يرى حزبا آخر أو حتى سياسي آخر يجول ويصول في مضامير الساحة السياسية، لهذا فهو يضع نصب عينيه الإساءة لأي حزب نشط، ويعمد لزرع الساحات النضالية بمفرقعات، وكأنه يمتثل قول الشاعر عندما يقول: (فإذا فنيت فسوف أفنيه معي)
القائد الانتهازي إذا ما أحس بالكبر، ووجبت عليه مغادرة موقعه بحكم السن، وإفساح المجال أمام المشرئبين للخلافة من بعده، فقد تدفعه أنانيته من أن يختلق الأسباب لتقسيم حزبه كي يبقى على رأس الهرم أمينا عاما ولو على رأس عدة أنفار، وكثيرا ما يروج للإشاعات الكاذبة المختلقة من (عندياته) ضد أقرانه في الحزب لتسويد صفحتهم.
القائد الانتهازي لا يستمر إلا بوجود انتهازيين بالأعداد يحفون به بآيات الطاعة والولاء..
القائد الانتهازي لا يستمر إلا بوجود انتهازيين بالأعداد يحفون به بآيات الطاعة والولاء..
وليعلم أخيرا الجميع من أن الشرفاء والغيورين والمضحين هم وحدهم قادرون على تصحيح مسيرة أحزابهم، وعلى عاتق السياسي المثقف يقع الدور الأكبر..وقيمة الإنسان الحزبي بقوة حزبه مع سلامة برنامجه وصحة نضال أعضائه وليس بموقعه الحزبي، فكل عضو في أي حزب عليه أن يعتبر نفسه قائدا، وعليه عدم السكوت عن الأخطاء والمواقف الانتهازية، وعندما يسيّر الحزب شخص واحد فهنا يسهل على الجهة المتربصة بنضال هذا الحزب النيل منه، فتدجين القائد الأوحد يعني تدجين الحزب لأن الآخرين الأمعة لا رأي لهم، فهم كالقطيع وراء راعيه لا حول له ولا قوة… فهل أنتم أيها الغيورون ستسكتون عن الواقع الحزبي المزري…آسف …فالغيور لم ولن يسكت..!؟