القضية الكردية في مواقف النظام والمعارضة

  افتتاحية نشرة يكيتي *

تمر الأيام وتظل مواقف السياسيين من العرب السوريين –أفراداً وجماعات- تجاه القضية الكردية هي نفسها، باستثناء حالات نادرة قدّر لها أن تتحرر من ثقافة الاستعلاء القومي السائدة فتتمتع بقدر واف من التجانس في النظرية والتطبيق.

الحركة السياسية السورية، ومنها الكردية، تتوزع في هياكل تنظيمية مختلفة سياسياً وفكرياً، وحري بنا جميعاً أن نحترم خصوصيات الآخر، ونجتمع حول طاولة الحوار، طالما تتوافر أسبابه؛ فالكرد والعرب والآثوريون وغيرهم في البلاد يؤمنون بالمصير المشترك لكل السوريين.

ولكن لأننا عشنا جميعاً في غرف سياسية مغلقة تخشى النور والهواء لضمان سرية العمل السياسي منذ إعلان الوحدة القسرية بين سوريا ومصر التي صادرت حريات المواطنين في شباط 1958 والتي مازال الحجر عليها مستمراً في بلادنا، أخذ كل طرف يشق لوحده مساراً خاصاً به دون أن تتاح له فرصة التواصل مع الآخر
 وبعد أن عاش العزلة لفترات طويلة نسي ضرورة التواصل معه والاستماع إليه للتأسيس لخطاب سياسي وطني مشترك، حيث عملت –الأطراف- وكأنها تعيش في جزر معزولة، فتضخمت لديها ما سميت بالخصوصيات الحزبية والسياسية لتعلو أسواراً (منيعة) تحول دون التواصل فيما بينها لتبقى نقاط الاختلاف على حالها أو تكبر حتى شملت تلك النقاط تاريخ البلاد؛ فقراءة السوريين غير الكرد ظلت مختلفة عن تلك التي لدى الكرد الذين يتناولونه بمنهجية موضوعية متحررة عن الأفكار القوموية المسبقة التي تقيد معظم المقاربات العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر ها هو المعارض العربي السوري غسّان مفلح يدّعي بأن جزءاً من الحركة الكردية خرجت عن إستراتيجية “الوطنية السورية” عندما أطلقت فكرة “كردستان سوريا”، وكذلك الأمر لدى جماعة “إعلان دمشق” وغيرها.

وهنا يجدر القول بأنه لماذا لم يتصد أولئك السياسيين للمؤرخين من أمثال الروسي م س لازاريف منذ عشرات السنين، أي قبل أن يتبنى جانب من الحركة الكردية هذه فكرة –كردستان سوريا- حيث يقر الرجل بأن مساحة كردستان سوريا تبلغ 18000 كم2، ولماذا لم يرد السياسيون من العرب السوريين على جميع أطراف الحركة الكردية بمن فيهم تلك المنضوية في “إعلان دمشق” منذ تأسيسها حيث تقر بأن كردستان مجزأة بين أربع دول، إلا إذا كانوا يجهلون بأن الدولة الرابعة هي سوريا؟!

وعلى أية حال فإن ما هو سائد بين المثقفين من مفكرين وغيرهم من الاختلاف يجب ألا يكون حراماً على السياسيين، وإن إطلاق الأحكام التاريخية المستندة على كتب منتقاة لكتاب لا يحظون بالأمانة والحيادية الكافية أمر متناقض مع التفكير الموضوعي، كما هو الحال لدى الكثير من السياسيين والإعلاميين الذين يدعون عبر قنوات فضائية معينة كـ”المستقلة” و”الحوار” بأن (أربيل وكركوك تركمانيتان ودهوك آشورية، أما الكرد فهم سكنة الجبال ولا مدن لهم)! دون أن يعلموا بأنهم يصطدمون بمؤرخين وكتاب بقامة هادي العلوي الذي يقول في مقدمة كتاب “ميديا” للكاتب الروسي دياكونوف بأن «الكرد من أقدم شعوب المنطقة، فهم أقدم من الآراميين وأقدم من العرب، أما الأتراك فلم يمض على وجودهم فيها أكثر من ثمانية قرون»، أي أن السياسة ما لم تبن على الحقائق ستتحول إلى نوع من العصبية القومية أو الدينية أو غيرهما من النوع الذي يمارسه القوميون الشوفينيون في حزب البعث الذي تحول جناحه العراقي إلى حزب فاشي إرهابي، انفصل عن الواقع ليعيش الخيال فيدعي بأن زعيمه صدام حسين حصل 100% من أصوات الناخبين في ما سميت بالانتخابات الرئاسية قبيل سقوطه في عام 2003.
لو تعاملت الأطراف السياسية المختلفة مع المصطلحات والشعارات والتعابير السياسية تعامل الأكاديميين وغيرهم من المثقفين لاختلفوا بسلاسة تبعدهم عن التشنج والخصومات المترتبة عليها التي تهدر الوقت والجهد وتبقي على نقاط الاختلاف، فالكل يقر بحقوق أبناء المنطقة ممن تواجدوا فيها بشكل طوعي حر ما لا يشمل الاستيطان القسري للوافدين العرب في المنطقة الكردية الذين يجب أن تتم تسوية أوضاعهم لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليها قبل حزيران 1974حيث بدا الاستيطان الذي استند على نزعة تعريب الكرد وصهرهم في البوتقة العربية لتضمحل القومية الكردية وتندثر؟ وعندما تطرح الأطراف السياسية السورية جميعها أسلوب النضال الديمقراطي السلمي والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في إطار الشرعية الدولية واحترام حقوق الإنسان والحريات العامة، تظل الشعارات والطروحات المعتمدة على هذا الأسلوب عبارة عن قناعات تستحق الاحترام والحوار لا الاتهامات والقطيعة! وعلى التيار السياسي الكردي الذي يحابي القوى السياسية الرافضة لحقوق الكرد داخل النظام وخارجه، ويستأذن منها لطرح بعض من مطالب الكرد عن استحياء، مذكراً إيانا بما كتبه الكاتب باتريك سيل عن الملك حسين بن طلال عندما (استأذن من الإسرائيليين المشاركة في حرب تشرين عام 1973 لأنه في وضع حرج أمام  العرب والمسلمين) على هذا التيار أن يدرك بأن أوراقه قد انكشفت ولم يعد بمستطاعه التوفيق بين إرضاء النظام المضطهد –بكسر الهاء- والشعب الكردي المضطهد –بفتح الهاء-.

*
 نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد (171) حزيران 2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…