هل تنجح محاولات إنقاذ يكيتي من الإنشقاق ؟

زيور العمر

الإنشقاق, كلمة متجذرة في القاموس السياسي الكردي في سوريا , ينم الترويج له و تطبيقه في الواقع عن إنحدار في الأداء السياسي و تراجع في سقف المراهنات على بروز مرحلة جديدة تكون عنوانها الأساسي وحدة الأحزاب الكردية في مواجهة الإستحقاقات والمتطلبات التي تمليها حل القضية الكردية , في الجانب الذاتي على أقل تقدير.

و مع هذا , و خلافاً للمفهوم الدارج ,  يمكن ان يكون الإنشقاق , أو الإنفصال في الأحزاب السياسية في حالات إستثنائية حلاً , عندما تستعصي الأزمات و المشاكل عن الحل , و تتعطل الإمكانات , و تكبج الطاقات المتوفرة , و توظف القدرات في معارك هامشية على أدوار ثانوية , بعكس الوظيفة الأساسية المنوطة بالأحزاب.
الحزب (يكيتي) الذي نجح في حشد قاعدة جماهيرية واسعة حوله , و قاد حراكاً سياسياً شعبياً نشطاً منذ عام 2002 , يواجه اليوم منعطفاً مصيرياً , يتوقف على إجتيازه مستقبل الحزب و وحدته و مصير العشرات و المئات من الناس الذين راهنوا عليه.

الشواهد الأولية تشير الى نفاذ الصبر, و يعطي الإنطباع أن الإرادة المشتركة بين أعضاء الحزب أصابها الوهن و الضعف , و العلاقة بين قيادة الحزب و قاعدته تعاني من شرخ حاد.

فإنقسام منظمة الحزب في الخارج, و تشكيل منظمتين على أنقاضه ليس المؤشر الوحيد على تداعي الحالة التنظيمية و تأكلها , بقدر ما هو نتيجة لمآلات الأزمة التنظيمية التي بدأت قبل المؤتمر الخامس للحزب , و ألقت بظلالها على جدول أعماله و قراراته .
فقد خرج الحزب من مؤتمره الخامس ضعيفاً مقسماً , فاقداً للإرادة السياسية , و حائراً بين أنانية  قيادته , و طموحات قاعدته.

و جراء تردي الحالة الداخلية , و في ظل غياب الحلول المستعجلة , أصيب أعضاء الحزب بخيبة أمل , الأمر الذي أدى الى إنسحاب كوادر متقدمة من الحزب و إستنكافها عن العمل التنظيمي, و رفضها الإنخراط في مشاريع التصفية الفئوية و الشخصية بين أعضاء قيادة الحزب.
فمنذ المؤتمر الخامس أقدم خيرة أعضاء لجنة التنظيم في الحزب على تقديم إستقلاتهم , مع تبيان الإسباب و المبررات التي لم تلق نفياً أو إنكاراً أو دحضاً من قيادة الحزب , و تالياً  إنضمت منظمات حزبية بأكملها الى قافلة المستائين و المتشائمين على وضع الحزب و مستقبله في ظل القيادة الحالية .


و يمكن القول أن الوضع الحالي في منظمة أوروبا , رغم سنوات من الخلاف و الصراع , ما كان ليتطور الى هذه الحالة الدرماتيكية , لولا تداعي الحالة التنظيمية , و إبتعاد الخيرين و الغيورين على وحدة الحزب و دوره النضالي من التنظيم .
لا شك أن المحطة النهائية التي ستنفصل فيها عربات القطار لم تحل بعد .

ما زال هناك بعض الوقت .

حتى في الوقت الضائع يمكن تشجيل بعض النقاط التي من شأنها حفظ وحدة الحزب.

هذه مهمة صعبة و لكنها ليست مستحيلة , يتوقف نجاحها على كوادر شجاعة , غيورة و إرادة صلبة.

سيناريو الإنشقاق جاهز, و فصوله من حيث التطبيق أضحى واضحاً .

الضغوط  مستمرة بهدف إستفزاز المجموعات المتضررة من الإنشقاق , لدفعها الى إعلان موقف منحاز, بهدف تحميلها مستقبلاً مسؤولية الإنشقاق .

لهذا من الضروري على هؤلاء التريث و قراءة المشهد بعمق و حكمة , و البحث عن مخرج , لأن من شأن الإنقسام و ظهور حزب جديد أن يفقد من هو على حق الشرعية و المصداقية في الشارع الكردي , فضلاً عن أنها ستسلم الحزب الجديد الى أناس من القيادة الحالية , التي تتحمل قسطاً من المسؤولية.
من المفيد التذكير هنا, ان فكرة البحث عن إمكانية عقد مؤتمر إستثنائي عاجل لبحث و مناقشة أزمة الحزب في الداخل و الخارج , فكرة واقعية , يمكن العمل عليها , و حشد التأييد لها , و لكن بشرط أن تكون بمشاركة المستقيلين و المستنكفين من الحزب , باعتبارهم يشكلون ضمانة لعدم حدوث الإصطدام , و ركيزة للحل .

و يمكن لدورهم أن يكون حاسماً و منقذاً , عندما يتقدمون بمشروع متكامل لإعادة النظر في أوضاع الحزب , و مسيرته , و سبل تصحيح مساره , و إستعادة دوره كقوة أساسية في المشهد السياسي الكردي في سوريا .
هل تنجح محاولات إنقاذ يكيتي من الإنشقاق ؟ لا شك أنها مسؤولية تستحق عناء التفكير و العمل من قبل أعضاء يكيتي و جماهيريه و جميع الخيرين .

06/02/2009

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…