مفاوضات «غير مباشرة !» مع الكرد أيضا

صلاح بدرالدين

          في بيان الى أبناء محافظة الحسكة وزعه أعضاء الوفد الثلاثي المكلفين بنقل مذكرة الى المسؤولين في دمشق جاء فيه : “بناء على تكليفكم ايانا بنقل عريضتكم الموقعة من قبل ستة واربعين ألفا وتسعة أشخاص اضافة الى تأييد ومباركة جميع الفعاليات والأطياف الاجتماعية والسياسية في المحافظة نود ابلاغكم بما جرى معنا في مدينة دمشق في محاولة أداء المهمة التي كلفنا بها من قبلكم وفق التفصيل التالي:
     بداية التقى الوفد بأحد أعضاء القيادة القطرية لأجل ترتيب موضوع المقابلة حيث بدا للوفد ان المقابلة صعبة جدا حسب ما أفاد به عضو القيادة واعدا بطرحها في اجتماعهم المقبل .من ثم توجه الوفد الى نائب رئيس الجمهورية “الدكتورة نجاح العطار” فاعتذرت عن استقبالنا بذريعة أن العريضة موجهة الى السيد رئيس الجمهورية مباشرة طالبين الوفد بالتوجه الى قصر الروضة حيث مكان تواجد السيد الرئيس حاليا وفعلا توجهنا الى قصر الروضة وتم الاتصال هاتفيا من بوابة القصر مع “أبو سليم”مدير المراسم الذي رفض استقبالنا مطالبا ايانا بترك العريضة مع التواقيع لدى حرس البوابة فرفضنا ذلك وبعد أخذ ورد طلب منا التوجه الى مدير مكتب الشكاوي في قصر الشعب الذي رفض بدوره استقبالنا مجتمعين مطالبا بدخول شخص واحد فقط مما اضطرنا الى ايفاد احدنا الى مكتبه حاملا العريضة والتواقيع طالبين مقابلة السيد الرئيس الا أن مدير المكتب رد بأن المقابلة مستحيلة في هذه الظروف واعدا بعرضها عليه في أقرب فرصة وابلاغنا النتيجة عبر الهاتف.

اننا كأبناء محافظة ذات وضع استثنائي بسبب كارثة الجفاف التي مازالت المحافظة تعاني من آثارها وأضيف اليها المرسوم 49 الذي شل الحياة الاقتصادية في المحافظة بالكامل نستغرب : 1 – كثرة الحواجز بين مواطني الجمهورية ورئيسهم2  –  .

عدم اكتراث بعض المسئولين بهذا العدد الهائل من المواطنين لاسيما وأنها أكبر عريضة شعبية حقيقية تقدم الى السيد رئيس الجمهورية حتى الآن .
  أبناء محافظتنا الأعزاء :
    بذلنا كل الجهود الممكنة لمقابلة السيد رئيس الجمهورية لشرح معاناتكم بتفاصيلها لكننا لم نفلح للسببين المذكورين أعلاه الا أننا وبعد تسليمنا للعريضة لم ولن نتنازل عن ضرورة المقابلة التي نأمل أن تتم في أقرب وقت ممكن”  .
   بغض النظر عن اتفاق أو اختلاف البعض مع الأسلوب الذي اتبعه السادة – يعقوب درويش وحسين عيسو وممتاز الحسن – أعضاء الوفد ومدى جدوى المناشدات والتظلمات المرفوعة الى نظام الاستبداد التي تكررت عشرات آلاف المرات ومنذ عقود الا أنه من الواضح أن الوفد بذل جهدا كبيرا في جمع ما يقارب الخمسين ألف توقيع من أجل قضية عادلة وطرق كل الأبواب في سبيل تحقيق الهدف وهو تسليم المذكرة الى رئيس الجمهورية التي تتضمن مطالبة بالغاء المرسوم 49 الشوفيني العنصري الموجه الى كرد محافظة الحسكة – الجزيرة – بغية حرمانهم وتشديد الحصار الاقتصادي عليهم استكمالا للحصار السياسي والأمني وما يسجل ايجابيا أيضا هو توجه الوفد بصراحة وشفافية الى شعبه ليعلن أنه أخفق في انجاز المهمة بسبب تعنت السلطات وتهربها واعدا بالمضي قدما بالمستقبل لتحقيق المبتغى .


  من الواضح أن كل التفاصيل والتشعبات والذيول المرتبطة بالوضع الكردي السوري بما فيها مسألة المرسوم 49 تعود أولا وأخيرا الى القضية القومية المركزية بمواجهة النظام الدكتاتوري الشوفيني في اطار أشمل وهو القضية الكردية في سوريا بما هي قضية شعب يقيم على أرضه التاريخية محروم وغير معترف بوجوده وحقوقه غير مسموح له بالتعبير عن هويته أو تمثيله سياسيا في أطر قانونية أو مشاركته في الحياة السياسية السورية كمكون وطني أساسي وقد مارست الأنظمة المتعاقبة منذ قيام الدولة السورية مواقف وسياسات وخطط شوفينية مدروسة على طريق تعريب الانسان الكردي ومناطقه وواجهت الحركة السياسية الكردية بشتى السبل بما في ذلك تقسيمها وتفتيتها واشغالها بقضايا جانبية لحرفها عن الهدف الأساسي ومنها مخطط الحزام العربي والاحصاء الاستثنائي والحرمان من حق الجنسية السورية بل اسقاطها وضرب الكرد بالعرب واثارة الفتن والاستفزازات واصدار المراسيم والقوانين الجائرة مثل المرسوم السالف الذكر واعتقال وملاحقة مناضلي الحركة الكردية وفي مقدمتهم  القائدان البارزان مشعل التمو ومصطفى جمعة اللذان أصبح مصيرهما مثل زملائهما في حركة المعارضة الوطنية العربية رياض سيف واكرم البني وانور البني وفداء حوراني والآخرين.


   يستشف من بيان الوفد مدى ابتعاد نظام الاستبداد من القاعدة الشعبية وكره مؤسساته بما فيها مؤسسة الرئاسة لما يمثل القطاعات الشعبية وعدم استعداد الرؤساء والمرؤوسين للاستماع الى شكاوى المواطنين فالواحد يحيل المراجع الى الآخر والهدف هو التخلص منه وقد استطاع الوفد الكردي أن يدير المفاوضات غير المباشرة مع رأس النظام ومدير مكتبه ومجلس الشكاوى بالقصر الجمهوري دون الحاجة الى أي وسيط مثل السيد رجب طيب أردوغان الذي حلف بأغلظ الايمان بأن ثلاث كلمات كانت كافية ليتحول التفاوض بين النظام السوري واسرائيل من غير المباشر الى مباشر لولا عدوان اسرائيل المباشر على غزة ومسؤولية حماس غير المباشرة.
  عندما يصل الأمر بنظام مستبد مثل النظام السوري الى درجة التهرب من أي حوار مع شعبه وفتح كل القنوات مع الأجنبي بما في ذلك العدو والخصم فهو دليل ضعفه وبحثه عن خشبة الخلاص وسبل الاستقواء بالخارج ضد الداخل بعكس كل ادعاءاته ضد المعارضة الوطنية السورية ولن يغير من هذه الحقيقة كل الشعارات الممانعة البراقة باسم التحرير والصمود والمواجهة التي تغطي أساسا تنازلات النظام وصفقاته – من تحت الطاولة – باسم المفاوضات غير المباشرة التي اصبحت صفة ملاصقة لممارسات النظام واستعداده لكل شيء لقاء بقائه في سدة السلطة.

   نعم ان القضية الكردية بكل تفاصيلها جزء لايتجزأ من القضية الوطنية الديموقراطية العامة في سوريا وأن الحركة القومية الكردية التي تتعرض الآن الى أشرس هجمة أمنية شاهدتها البلاد ستبقى طليعة مقدامة للمعارضة الوطنية تضع برنامج التغيير الديموقراطي على رأس مهامها الى جانب القضية الكردية التي تحتاج من أجل حلها الى مختلف أشكال النضال الجماعية والفردية السياسية والمطلبية الثقافية والاجتماعية وجميع شعابها ينتهي في طريق واحد تقود بالنهاية الى انتزاع الحقوق القومية المشروعة في اطار سوريا ديموقراطية تعددية حرة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…