اللوبي التركي والفساد: تأثير الأموال التركية على السياسة الأمريكية وتخلي ترامب عن الكورد

د. محمود عباس

محاكم مدينة نيويورك تشهد حاليًا محاكمة رئيس مدينة نيويورك وتركيا من نوع فريد، حيث يتم اتهام تركيا بالتورط في قضايا فساد واسعة النطاق، تتضمن دفع رشاوى لمسؤولين أمريكيين وتدخل في مسار الانتخابات الرئاسية لعام 2017. يواجه رئيس مدينة نيويورك اتهامات متعددة تتعلق بسرقة أموال الانتخابات، وتلقيه رشاوى بمبالغ طائلة من تركيا، بالإضافة إلى تلقي رحلات استجمام فاخرة بمصاريف تتجاوز مئات الآلاف من الدولارات. قضايا الفساد هذه، التي تتورط فيها تركيا كدولة، تعكس قوة اللوبي التركي في الولايات المتحدة، والإمكانيات المادية الضخمة التي تُستخدم لدعم مصالحها السياسية.

هذا النوع من التدخلات ليس بجديد، فقد سبق أن أظهرت تقارير أن تركيا تستخدم الأموال والنفوذ لشراء التأثير في السياسة الأمريكية. كان من أبرز الأمثلة على ذلك التراجع الملحوظ في مواقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه الكورد، حيث تغيرت سياساته بشكل مفاجئ بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2019م. يُعتقد أن هذه التحولات في مواقف ترامب كانت نتيجة لضغوط تركية خلف الكواليس، بما في ذلك العلاقات الشخصية لصهره جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب مع اللوبي التركي.

هذا التلاعب التركي بالسياسة الأمريكية وصل إلى حد دفع ترامب إلى التخلي عن دعم الكورد في شمال سوريا، بالرغم من التضحيات الكبيرة التي قدموها في الحرب ضد تنظيم داعش. في لحظة مفاجئة، ألغى ترامب دعوته لقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، واستدار لتأييد الموقف التركي. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل خرج ترامب بتصريحات غير مسؤولة، منها قوله إن الولايات المتحدة “موجودة في سوريا فقط من أجل النفط”، وتصريحاته الساذجة الأخرى التي قللت من شأن التحالف مع الكورد.

هذه التصرفات أثارت استياء العديد من المسؤولين الأمريكيين، وأدت إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي جون بولتون، الذين عارضوا بشدة تراجع ترامب عن دعم القوات الكوردية التي كانت حليفًا استراتيجيًا في محاربة الإرهاب.

اليوم، يواجه ترامب أكثر من 34 قضية قانونية، منها قضايا فساد قد تكون لها صلة بتلقيه رشاوى من دول مثل تركيا. من المهم الإشارة إلى أن مثل هذه الاتهامات تسلط الضوء على مدى تورط اللوبي التركي في التأثير على السياسة الأمريكية، واستغلال الأوضاع لصالح أجنداتها السياسية في المنطقة.

المؤسف أن بعض الأصوات الكوردية استخدمت تصريحات ترامب كذريعة للطعن في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، متجاهلة التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الكوردي في الحرب ضد داعش، أخطر تنظيم إرهابي في العالم. إن تجاهل هذه الحقائق واستخدام التصريحات الجوفاء لترامب لتشويه سمعة الحراك الكوردي لا يخدم القضية الكوردية، بل يضعف وحدة الصف في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

في الختام، يجب أن تكون هذه التجارب درسًا لنا جميعًا حول أهمية الوحدة والتكاتف في مواجهة المؤامرات التي تحاك ضدنا.

الولايات المتحدة الأمريكية

26/9/2024

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   منذ 2011، فتحت تركيا أبوابها للسوريين، ليس دعماً لهم، بل لاستغلال نزوحهم، على أكثر من صعيد، متوهمةً أن سقوط النظام لن يطول. استقبلت الأيدي العاملة، بأجور جد زهيدة، و استغلتهم عبر أساليب مشينة، واستفادت من ضخّ المساعدات الدولية الممنوحة للسوريين، بينما اضطر رجال الأعمال إلى نقل مصانعهم إلى هناك، لاستمرار معيشتهم وديمومة حياتهم، ما عزّز الاقتصاد…

في إطار الاهتمام العالمي بالقضية الكردية عامّةً، وفي سوريا على وجه الخصوص، بعد الأحداث الدامية في 12 آذار 2004م، ازداد اهتمام العواصم الأوروبية بقضيتنا الكردية؛ فأوفدتْ مندوبين عنها إلى الجزيرة من قبل الاتحاد الأوروبي والقارة الأمريكية (كندا)، وذلك للوقوف على الحقائق كما هي في أرض الواقع؛ بغية الوصول إلى رسم تصوّرٍ واضحٍ ومباشرٍ لوضع الشعب الكردي في سوريا ومعاناته الاجتماعية…

ماهين شيخاني كان يكبرنا سناً ومحل احترام وتقدير لدينا جميعاً وفي المؤتمر (……) كان بيني وبينه وسادة، لمحته ينظر لوجوه المؤتمرين، هامسته : هل أكملت جدول الانتخاب ..؟. أجاب: مازال قائمتي بحاجة الى بعض المرشحين ..؟!. وضعت ورقتي المليئة بالأسماء التي انتخبتهم حسب قناعتي بهم على الوسادة أمامه، تفضل ..؟. نظر أليَّ باستغراب، رغم ثقته بي ووضع…

صلاح بدرالدين   منذ عدة أعوام ولم تنفك وسائل اعلام أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – ب ي د و انكسي – تنشر تباعا عن تدخل وسطاء دوليين لتقريب الطرفين عن بعضهما البعض ، والاشراف على ابرام اتفاقية كردية – كردية ، وانهاء عقود من حالة الانقسام في الصف الكردي السوري !!، من دون توضيح أسس ، وبنود ذلك الاتفاق…