رشاد موسى
مهما مر من الزمن وتعاقبت السنون فالشعب العراقي بشكل عام والشعب الكردي في كردستان العراق بشكل خاص لن يتمكنوا من نسيان اتفاقية السادس من آذار المشئومة التي أبرمها النظام العراقي البائد والمقبور عام 1975 مع نظام شاه إيران الذي سبقه إلى قاع التاريخ بأكثر من عقدين من الزمان ولا شك إن تلك الاتفاقية التي أقل ما يمكن وصفها بالخيانية قد ألحقت أضرارا كبيرة جدا بالعراق وكردستان على وجه الخصوص ومن المفارقة أنها أي تلك الاتفاقية المشبوهة قد رأت النور في الجزائر وبرعاية ومباركة جزائرية تلك الدولة التي ضحت من أجل حريتها أكثر من مليون ونصف المليون شهيد ومن المؤسف إن ذلك لم يمنعها من أن تساوم على حرية الآخرين .
من المؤكد إن النظام العراقي الدكتاتوري السابق قد اضطر مكرها إلى توقيع اتفاقية الحادي عشر من آذار مع قيادة الثورة الكردية علم 1970 التي تم بموجبها الإقرار بالحكم الذاتي للشعب الكردي في كردستان العراق وقد وصفت يومها باتفاقية السلام ونالت رضا وتأييد جميع العراقيين الوطنيين والشرفاء وبمختلف انتماءاتهم الذين رأوا فيها نهاية للاقتتال بين الأخوة وأبناء الوطن الواحد غير إن ذاك النظام العراقي البائد الذي وقع تلك الاتفاقية اضطراريا وجد فيها الفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب قواه للبدء ثانية بالهجوم العسكري الهمجي على كردستان ولذلك وقبل أن يجف حبر تلك الاتفاقية التاريخية بدأ يعمل على فبركة وخلق العقبات والعراقيل في طريقها وراح يخطط لاغتيال البعض من القيادات الكردية بما فيهم قائد الثورة والشعب الكردي الزعيم مصطفى البارزاني الذي نجا بأعجوبة آنذاك لدى استقباله وفدا متلبسا بلباس رجال الدين الإسلامي بالإضافة إلى تملص النظام وتنكره لاستحقاقات الحكم الذاتي الحقيقي وإصراره بتعنت سافر على فرض حكم ذاتي هش على القيادة الكردية التي رفضته وكان ذلك إيذانا بقيام نظام بغداد الذي ولى منذ سنوات وبعد أربعة أعوام من عمر اتفاقية السلام تلك بدفع بقطعات كبيرة من جيشه المدجج بأنواع مختلفة بالسلاح الثقيل إلى كردستان ثانية لفرض القتال مرة أخرى على القيادة الكردية ليقطع الشك باليقين تراجعه السافر عن تلك الاتفاقية التاريخية التي كانت بجد تشكل فرصة ذهبية آنذاك لإشاعة السلام والوئام في ربوع كردستان والعراق عموما ولترسيخ دعائم الأخوة العربية الكردية فيه لكن النظام لم يكن جادا وصادقا في حل القضية الكردية بالطرق السلمية والسياسية بل كان يعول دائما على الحلول العسكرية بهدف ضرب الشعب الكردي والنيل منه وإنهاء قضيتة العادلة والمشروعة ولكنه لم يفلح ولم يتمكن من تحقيق أهدافه المشينة أمام صمود البيشمركة الكردية البواسل ودفاعهم المستميت عن كردستان وحقوقهم القومية والديمقراطية حتى لدى معاودته للقتال ثانية بعد نسفه لاتفاقية السلام الأنفة الذكر ولما تأكد له ذلك هذه المرة لجأ إلى نظام الشاه في إيران وعقد معه اتفاقية السادس من آذار في الجزائر تنازل بموجبها للشاه عن نصف شط العرب مقابل أن يغلق الشاه حدوده مع كردستان ويمنع عن القيادة الكردية وصول الإمدادات إليها عندها وجدت القيادة الكردية نفسها بين فكي كماشة واستشعرت بالخطورة الناشئة والداهمة فأوقفت عملياتها القتالية الدفاعية حقنا للدماء الكردية وانسحبت إلى إيران لحين زوال الظروف الطارئة والمستجدات الغير مواتية وبالفعل لم يمض وقتا طويلا حتى عاد البيشمركة الأشاوس إلى جبال كردستان لاستئناف القتال دفاعا عن الأرض و الحقوق وهم أكثر إصرارا وتحمسا من أي وقت مضى أما ذاك النظام العراقي الدموي الذي ظل يعبث بمصير العراق والعراقيين ويجلب لهم الويلات والكوارث والمصائب مرة تلو الأخرى حتى إن زال مؤخرا واندثر عام 2003 بالطريقة المعروفة دفع بالجيش العراقي إلى أتون حرب ضد إيران عام 1980 على اثر زوال نظام الشاه وتبوأ الخميني مقاليد الحكم في طهران عام 1979 والذي كان له أطماع توسعية واضحة في المنطقة ولا يزال أخلافه من الملالي وخاصة نظام أحمدي نجاد الحالي يعزف على نفس الوتر ويسير على ذات التوجه ويضمر الشر لدول الجوار وخاصة للخليجية منها وكان من أبرز أهداف النظام العراقي الصدامي من تلك المغامرة الخطيرة جدا إلغاء اتفاقية السادس من آذار الخيانية وقد دامت نلك الحرب التي سميت بحرب الخليج الأولى ثمان سنوات وكلفت مئات الآلاف من القتلى والضحايا والمصابين والمشوهين من كلا الجانبين وأحدثت دمارا هائلا في كلا الدولتين وأودت باقتصادياتهما وحولتهما من دول دائنة إلى دول مديونة إلى أن انتهت عام 1988 دون أن يحقق أي من الطرفين أهدافه المشبوهة.
انتهت الحرب ولم يغلب أي من النظامين الحاكمين في كل من بغداد وطهران أحدهما الآخر وإنما الذي غلب كل من الشعبين العراقي والإيراني ودفعا غاليا فاتورة تلك الحرب الكارثية كما وظلت اتفاقية السادس من آذار ترخي بظلالها القاتمة حتى اللحظة على العراق والعراقيين أما في الجانب الكردي وإن اكتووا بنار تلك الاتفاقية المذلة قسطا من الزمن حيث شكلت في حينها نكسة حقيقية في مسيرة الثورة الكردية لكن كما هو معلوم إن ذاك الزمن الرديء لم يطول حيث تم تجاوزه بدراية وحكمة وعادت الثورة الكردية من جديد للدفاع عن كردستان وحقوق الشعب الكردي القومية والديمقراطية والتي تتمثل اليوم في الفيدرالية الكردية القائمة والساعية نحو اكتمال مقوماتها الأساسية وخاصة ما يتعلق منها بكركوك وباقي المناطق الكردية التي من الضرورة التاريخية والواقعية أن تنضم إلى جغرافية كردستان.