هيئة العمل المشترك للكرد السوريين في ألمانيا تكتيك مؤقت أم خيار استراتيجي ؟

  شادي حاجي

لايخفى على المتتبعين للشأن السياسي الكردي، بأن الهيئة جاءت كنتيجة موضوعية للظروف الجيوسياسية التي كانت سائدة وقتها، والعزلة الجماهيرية التي شهدتها هذه المنظمات بسبب ضعف أدائها وتشرذمها، والتي كانت تعيق من الدور المنوط بها على الصعيد الألماني بشكل خاص والأوربي بشكل عام والتي لم تكن على المستوى اللائق بطموحات وتضحيات الشعب الكردي في سوريا ولاتتناسب البتة مع متطلبات المرحلة و الاستحقاقات التي تمخضت عن انتفاضة أذار 2004، ولحاجة شعبنا الكردي وقضيته العادلة في كردستان سوريا الى أداة نضالية فعالة أكثر حضارية وعصرية، على شكل ائتلاف سياسي ، ثقافي، اجتماعي، حقوقي تتكون من ممثلي منظمات معظم الأحزاب الكردية إضافة الى ممثلي بعض الجمعيات الكردية المرخصة والنشيطة، ومجموعة من الشخصيات المستقلة المهتمة بالشأن الكردي وذات كفاءات ومؤهلات تحتاجها الهيئة.
 على أن تكون مهمتها العمل على اعطاء الأولوية للعمل الاعلامي والسياسي والدبلوماسي المشترك ، و إقامة العلاقات مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وجميع الفعاليات والمؤسسات الألمانية لتعريفهم بمعاناة الشعب الكردي في سورية ، وقضيته العادلة، وفضح السياسات الشوفينية والعنصرية التي ينتهجها النظام الحاكم بحق شعبنا.

 على أن تكون بمثابة نواة نموذجية لإيجاد مثيلها في بقية الدول الأوربية، ومن ثم العمل معآ وسوية للوصول الى ايجاد هيئة او ممثلية كردية موحدة في أوربا يشارك فيها ممثلي كل هذه الهيئات تنفيذآ لمقررات مؤتمري باريس 1و2، علمآ أن الهيئة استقبلت منذ أيامها الأولى من قبل الجالية الكردية في ألمانيا وأوربا بارتياح كبير.
 فلتقييم الهيئة والمراحل التي مرت بها بشكل عادل ومنصف ، لابد من توضيح بعض الحقائق وهي: أن كل من شارك في عملية تأسيس الهيئة بذل المزيد من الجهد والمرونة للتوصل الى قاسم مشترك يتفق عليه، لتمكينها على تحمل المسؤولية القومية والوطنية في الخارج.
 رغم المعرفة المسبقة لوجود اختلاف في الرؤى السياسية، وإلا لماذا العمل المشترك ؟.
 طبعآ هذا لايعني بأنه لم يكن هناك خلافات واختلافات، ومشاحنات ومشاداة كلامية، وأصوات مرتفعة من الكل بمواجهة الكل، وخاصة في بداية الحوارات لتمرير برامجهم وقناعاتهم السياسية.
 أي لم تأت الهيئة بسهولة ويسر، بل بعد عملية مخاض طويل مصحوب بالألم في كثير من الأحيان ، نتيجة حوارات ماراثونية ونقاشات طويلة كانت تتحول الى (جدل بيزنطي) في بعض المراحل ، وجادة ومحدودة ومنتجة في مراحل اخرى، ولكننا نعتقد بأن ضرورة ايجاد مثل هذا الفعل النضالي المتطور في صيغة العمل المشترك ساعدت وأجبرت الجميع القبول بمتابعة الحوار والتفاهم، وبالأخذ بمبدأالمكاسب النسبية وفق المبدأ التالي (إن الذي يجعل منهجه في التعامل مع الواقع – لاسيما الواقع السياسي إما أن أكسب 100%  وإما أن أظل في دائرة الصفر لن يكسب إلا الصفر هذا –اذا كان الصفر مكسبآ-).


 في ظل هذه الأجواء تم انجاز برنامج سياسي نضالي وفق استراتيجية الحركة الكردية في الداخل.
 أماالنظام الداخلي احتاج الى الكثير من الوقت والجهد لأن صياغته رافق انهيار التحالف في الداخل حيث انعكس نقطة خلافه الرئيسية (مبدا التوافق ام مبدا الانتخاب) على المواقف داخل الهيئة ، وهنا كانت الانتكاسة الاولى لأن كل ما يأتي من خلال التوافقات يأتي في حدها الأدنى.
 لذلك كان الضعف والنقص واضحآ في بعض فقراته، وهنا لابد من الاشارة الى دور المستقلين التوفيقي بين الرؤى المختلفة، وبذلك تمكنت الهيئة من تحقيق الهدف
باقرار نظامها الداخلي وإن لم يكن بالمستوى المطلوب.
 بالإستناد لما سبق ذكره نستطيع أن نقول بأن المنظمات العضوة في الهيئة تمكنت في تلك المرحلة من تجاوز ذاتها في بعض المسائل المهمة نوعآ ما، و تمكنت من وضع القدم على الطريق الصحيح.
بينما كانت الهيئة في مرحلة التأسيس بدأت الأحداث تتسارع في الوطن نتيجة الهجمة الشرسة التي كان ينتهجها النظام الحاكم بحق الشعب السوري بشكل عام والشعب الكردي بشكل خاص من اعتقالات وقتل وحصار اقتصادي واصدار مراسيم وقرارات قراقوشية لاتمت الى الدستور ولا الى القوانين ومبادئ حقوق الانسان بشئ.
 اضطرت الهيئة القيام بنشاطات متعددة في برلين لأكثر من مرة وفي بروكسل وباريس محاولة تشكيل ضغط سياسي على النظام الحاكم في سوريا من خلال تلك الجهات المعنية صاحبة القرار في تلك العواصم.
 الا أن معظم تلك النشاطات فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة منها ، للأسباب التالية:
1 – عدم امتلاك الهيئة الامكانات والمؤهلات القادرة على التخطيط والدراسة والتوجيه و اتخاذ القرارات الصحيحة في الزمان والمكان المناسبين دون ان يغلب عليها ردات الفعل الارتجالية.

                                                                                      
2 – تشكيل اللجان المطلوبة جاءت بالتعيين أو بالتوافق وليس بالانتخاب كما ورد في النظام الداخلي ، وخاصة اللجنة الادارية حيث تقرر تمثيل كل منظمة حزبية بعضو فيها، بالاضافة الى ثلاث مستقلين ، وهذه كانت الانتكاسة الثانية برأينا ، ولكن مررت بهدف الحفاظ على الهيئة واستمراريتها.
 حيث أن الهيئة و بسبب تلك النشاطات الضعيفة والفاشلة تعرضت الى هجوم عنيف وانتقادات مؤثرة للغاية أثرت على هيبتها وسمعتها سلبآ، ولكن وبسبب ذلك ومراجعة الذات قليلآ بدأت الأوضاع في الهيئة تتسم بالاستقرار، وباتت نشاطاتها أكثر تنظيمآ وهدوءآ من ذي قبل.
 حيث بدى ذلك واضحآ من خلال النشاطات الأخيرة التي نفذتها الهيئة وذلك نتيجة  التحضير والتنفيذ المقبول نوعآ ما وليس الجيد كما ورد في البلاغ الصادر عن الكونفراس الأول للهيئة المؤرخ في 8 – 4 – 2009.
 هذا وبالرغم من النجاح النسبي الذي حققته الهيئة خلال تلك الفترة إلا أنه لم يكن نتيجة دور الهيئة ككل ، بل لكون الأحداث التي ذكرت في البلاغ المنوه عنه أعلاه احداها كانت تمس مباشرة بالمصالح الشخصية لأبناء الجالية الكردية المهددين بالترحيل بسبب الاتفاقية التي وقعت بين وزارتي الداخلية الألمانية والسورية، والتي كانت تعتبر من احدى المهام الرئيسة وفق ماورد في البند السادس من البرنامج السياسي للهيئة.
 أما الثانية نجحت نتيجة لإرتباط الحدث بالانتفاضة الآذارية المباركة ومانتج عنها من قيم ومثل نضالية عالية ووفاءآ لدماء الشهداء الأبرار.
من خلال ما سبق ذكره من أسباب ولما ترونه من أسباب اخرى يبدو بأن الهيئة مازالت تعيش صعوبات حقيقية، وبعض جوانبها هي ضعف مستوى تمثيل وحضور بعض من المنظمات الحزبية العضوة في الهيئة، وخاصة القوية والفعالة منها مقارنة بالمنظمات الكردية الأخرى هذا من جهة ، ولضعف أدائها التي انحصرت بممثليها شخصيآ وبعض المقربين منهم لأنه لم يكن هناك تعاميم حزبية داخلية تلزم أو تدعوا أعضائها الحزبيين ومناصريها بالمشاركة بتلك النشاطات هذا من جهة ثانية.
لماذا ؟ لأنه و باعتقادي أن تلك المنظمات لم تتخذ القرار الحاسم والاستراتيجي بعد لجعل الهيئة من أولى أولوياتها بدليل أنها لاتستثمر إلا جزء بسيط من إمكاناتها، وقدراتها لتقويتها وتطويرها وتحديثها ، وجعلها مؤسسة نموذجية.

 .
 لذا نرى أن صورتها ليست وردية كما يتصورها البعض، وهذا ما شكل لدينا مخاوف وشكوك لأننا نرى بأن بعض المنظمات تحاول بشتى الوسائل أن تهيمن على الهيئة، وتستغلها لتنفيذ أجنداتها الخاصة ، وتحاول أن تدخلها في صراعات ، هي بغنى عنها، وبعضها تريد أن تحافظ عليها بسسب ضعفها لتبقى مجرد واجهة تحتمي بها ، وبعضها الأخر تحضر الاجتماعات وتثبت وجودها لتبدو بأنها عضوة فيها وتحاول أن تقوي أطر أخرى بعيدآ عن الهيئة، وهناك أيضآ البعض منها اختارت الصمت كي لا تتهم باي ذنب في حال اذا تشظت الهيئة (لاقدر الله).
 نستنتج من ذلك وبكل وضوح بأن الإبقاء على هيئة العمل المشترك والمحافظة عليها هي تكتيك مؤقت تتبعه بعض المنظمات الحزبية العضوة في الهيئة وليس خيار استراتيجي، وهذا ما ستبقي  الهيئة وبرأينا المتواضع أسير العلاقات الحزبية الحزبية لاأحد يعرف بالضبط الى أين ستتجه.
 نتيجة لذلك ولعدم قدرة الهيئة ككل طيلة كل هذه الفترة على تقديم وتقييم الفرص والبدائل والمبادرات الايجابية التي تنهار امامها العقبات وليس العكس، تعرضت الهيئة الى سلسلة من الانسحابات التي لم تحسم أمرها بعد بشكل نهائي.
 هنا نستطيع القول أن الهيئة لم تكن على مستوى التحدي المأمول منها منذ التأسيس وحتى انعقاد الكونفراس الأول الا أنها حافظت على بقائها واستمراريتها وهذا بحد ذاته انجاز يسجل لها.

 كان لابد أن نتحدث بكل جرأة ووضوح وصراحة ونمارس حقنا الديمقراطي في النقد بالرغم من أن مثل هذا الأمر في كل مرة يدخلنا في صراعات تأخذ طابعآ شخصيآ، ولكن مالعمل ؟.

نعتقد لاسبيل إلا أن نتحدث ونقول الحقيقة منبهين المعنيين بالأمر و الغير من أجل ازالة الصعوبات التي تعترض وتعيق من تقدم هيئة العمل المشترك للكرد السوريين في ألمانيا، وندعو الجالية الكردية الكريمة في ألمانيا وفي أوربا بدعم ومساندة الهيئة والإلتفاف حولها، والضغط على كل الأطراف العضوة فيها وخاصة المنظمات الحزبية، ومطالبتها بتقديم المزيد لإنجاح الهيئة والحفاظ عليها لأنها مسؤولية تاريخية والتمسك بها قمة النضال.

أخيرآ يبقى السؤال الأهم: هل استطاعت الهيئة ككل في الكونفراس الأول الذي عقد في يومي الرابع والخامس من شهر نيسان لعام 2009 الاستفادة من التجارب السابقة ووضعت استراتيجية أو رؤية مستقبلية واضحة المعالم والمراحل، وخطة سنوية للعمل اليومي والاسبوعي والشهري لهذا العام، وآلية للتواصل مع الجالية وجمعياتها وفعالياتها الأخرى ومع الأحزاب الكردستانية والأحزاب والجمعيات والمؤسسات الألمانية بحيث تتحول الهيئة الى تنظيم (ائتلاف) قوي ومحكم ومحبوك بعناية وممولة تمويلآ جيدآ.

هذا ما ستكشفه الأيام القادمة، والى الالتزام بمستقبل أفضل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…