دهام حسن
بعد انهيار دول المنظومة الاشتراكية، وانكفاء الفكر الاشتراكي بهذا الانهيار، برزت الليبرالية وكأنها نظرية المستقبل، وجاء هذا النزوع نحو الليبرالية أكثر اندفاعا وحضورا في البلدان النامية، حيث الأنظمة الحاكمة شمولية في الغالب، ومحتكرة للسياسة والاقتصاد؛ وبالتالي فهموم شعوبها، هي قدر من الحرية، وشيء من الكفاية في المعيشة، بل تطلع نحو حياة حرة وكريمة، وشيء كثير من هذا توفره الأنظمة الرأسمالية ذات التوجه الليبرالي، والمتمتعة ببنية اقتصادية جيدة..
إنني في الحقيقة، أحاول أن أميز بين الليبرالية في السياسة، والليبرالية في الاقتصاد، وأتحمس للجانب السياسي، في هذه الحقبة على الأقل، لكن أسارع إلى القول أنه لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد في الليبرالية، بيد أن كثيرا من مبادئ الليبرالية السياسية يمكن الأخذ بها.! إلى جانب القضايا الاقتصادية يمكن ملاقاتها وتفهمها ولو مرحليا
بعد انهيار دول المنظومة الاشتراكية، وانكفاء الفكر الاشتراكي بهذا الانهيار، برزت الليبرالية وكأنها نظرية المستقبل، وجاء هذا النزوع نحو الليبرالية أكثر اندفاعا وحضورا في البلدان النامية، حيث الأنظمة الحاكمة شمولية في الغالب، ومحتكرة للسياسة والاقتصاد؛ وبالتالي فهموم شعوبها، هي قدر من الحرية، وشيء من الكفاية في المعيشة، بل تطلع نحو حياة حرة وكريمة، وشيء كثير من هذا توفره الأنظمة الرأسمالية ذات التوجه الليبرالي، والمتمتعة ببنية اقتصادية جيدة..
إنني في الحقيقة، أحاول أن أميز بين الليبرالية في السياسة، والليبرالية في الاقتصاد، وأتحمس للجانب السياسي، في هذه الحقبة على الأقل، لكن أسارع إلى القول أنه لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد في الليبرالية، بيد أن كثيرا من مبادئ الليبرالية السياسية يمكن الأخذ بها.! إلى جانب القضايا الاقتصادية يمكن ملاقاتها وتفهمها ولو مرحليا
على العموم لن أخوض في هذه الإشكالية الآن، حيث لا يخفى علي أيضا الجانب الآخر من الليبرالية أي الاقتصادي، دون أن ننسى أن الليبرالية أكثر من تيار، واليوم سأتناول المآخذ والمثالب على السوق الحرة، مربض ومنطلق الليبرالية، في المسألة الاقتصادية..
ما يؤخذ على السوق الحرة، أنها تفتقر إلى الصفة الأخلاقية، وعدم الحس بالمسؤولية تجاه الآخرين؛ فالسوق تدفع الإنسان أن يفكر وفق مصلحته، بعيدا عن دائرة الأخلاق، وفي حلّ من أي التزام أدبي؛ فثمة مبادلات في سوق (البازار) على قاعدة العرض والطلب، ومقدار ما تجني من أرباح؛ لهذا فهنا الاحتكار جائز ومبرر، فحوافز الربح والمنفعة، هي التي تحرك غرائز الناس وتبرر مختلف الوسائل غير الأخلاقية، والحرية هنا حرية التصرف، والقدرة ما أمكن من جني الأرباح، فالكسب هنا مشروع، والوسيلة أيضا مبررة، حكر المواد، تصديرها للخارج بغض النظر ورغم حاجة السكان المحليين.
ترى.! هل نقف على الواقع الحقيقي، أم ندخل في نطاق المثالية كما يروّج الليبراليون.؟: من أن التاجر سيكون منصفا، وسيراعي العدالة، وسيبدي الاحترام لمن يتعامل معه..
فإذا لم يوجد القانون يقيد العلاقة بين المتعاملين في الأسواق الحرة، فمن المستبعد، بل من المستحيل، أن تقيدهم القواعد الأخلاقية، فحاجات الناس الضرورية هي التي تدفعهم للوقوع في براثن البائع التاجر في السوق الحرة، طالما هذا التاجر البائع، هو أول داع متحمس لرفض سريان القوانين على السوق، ورافض بالتالي لأي تدخل للدولة لمصلحة المستهلك، في ضبط الأسعار مثلا، فجني الثروات الطائلة، هو الذي يثير شهية هؤلاء، نحو الجشع، وتضخم الأنانية لديهم، وبالتالي لن يردعهم وازع أخلاقي..
هل يمكن تصديق ما يروجه هؤلاء: من أنهم أثناء تكديس الثروة، سوف يعمدون إلى تقديم يد المساعدة للآخرين، وحتى لو قام بعضهم بأعمال خيرية، كما هم يزعمون، فهل ثمة ما يبرر تعاملهم البربري في السوق.؟ أليست دعواهم هذه بالتفضل على الفقراء ببعض المساعدات، هي إهانة للجنس البشري، وإضاعة لحقوقهم، وبالتالي تميت النفس الأبية، للركون إلى الحالة المزرية، والقبول بقسمتهم في هذه الحياة القاسية، مترقبا صدقات من هؤلاء.؟ وبالتالي أين حقوقهم هم في العمل والتعليم والأمن والسكن.؟ هل يفرّط فيها مقابل تفضّل وتصدّق الليبراليين.؟ ثم أن هؤلاء يظهرون روح التحابب والتآلف تجاه المستهلكين فقراء السوق من أنهم (أعضاء في أسرنا، وهم أصدقاؤنا وجيراننا) كما يشيعون، وبرأيهم نتيجة للأعمال الخيرية ستتوطد وتنتشر روح المحبة والصداقة، أليس هذا ما يثير التقيؤ والغثيان، هؤلاء يفكرون بعقلية النبلاء مع شيء من الحدب والعطف لرعاياهم، أنهم فقط يبيعون للكادحين الفقراء الوعود بالكلام، دون أن يفكروا بما لهم من حقوق متساوية من الحق في حياة حرة آمنة كريمة، بعيدا عن العوز والحاجة، من الحق في العمل والتعليم، لهم الحق في وطنهم كخير مسكن وملاذ آمن…
إن الشركات طالما همّّّّّّّّّّّّها جني أقصى ما يمكن من الأرباح، فهي تعمد إلى خلق حالات الاحتكار، للتحكم بالأسعار، بغض النظر عن التفكر بالآخرين، وهي بالتالي ضد تدخل الدولة في السوق الحرة، فالدولة كما يقول الليبراليون، إذا ما تدخلت فستتدخل لمصلحة بعض المتواطئين معهم ، المحسوبين عليهم، والمشاركين معهم في السيطرة على السوق، وذلك بمنحهم بعض الامتيازات، ليقوموا بالدور الاحتكاري نفسه، وحتى قد تقفل الحكومة السوق بوجه الناس الآخرين والاستبقاء على جماعتهم، وهذا جدا وارد، وملاحظ في كثير من البلدان النامية، لاسيما النظم التي تنتهج سياسة الاستبداد، حيث يطلقون أيدي جماعتهم بكل حرية، ليغنموا ما يشاؤون وبمطلق الصلاحيات وأقصى الرعاية..
لهذا فالدولة الاستبدادية هي أيضا مرتع للفساد، ولولا هذا الاستبداد لما كان بوسع الليبرالية أن تقوم بهذا النشاط السياسي المثمر إلى حد ما، والمقنع لدرجة كبيرة، لأن الناس ضاقوا كثيرا بمثالب الأنظمة الاستبدادية والشمولية وهي كثيرة لا حصر لها، وربما انداروا إلى بعض فضائل الليبرالية هربا من قساوة الأنظمة الاستبدادية الشمولية..
صحيح أن ليبرالية السوق تعطي الحرية للمستهلك، في التعامل مع من يشاء، لكن المصيبة في هذه الحرية المطلقة التي تعطى لتجار السوق، دون رادع أو حسيب..
تصوّر لو أن عقارات البناء احتكرها هؤلاء، فكيف يمكن الحصول على قطعة أرض لبناء دار للسكن.؟ أو أن مادة كزيت الزيتون، وعليها الطلب من الخارج، فهل يتورع هؤلاء، ويتعففون على أبناء بلدتهم، ولا يحتكرون المادة لتصديرها إلى الخارج.؟ لا أحد يعتقد ذلك..
أو أنهم مثلا لو تحكموا في أسعار النقل والمواصلات، فكيف سيتصرفون.؟ لن يتصرفوا إلا طبقا لمصلحتهم، ولن يراعوا مصلحة الآخرين، إلا إذا اصطدمت هذه (المراعاة) بمعارضة قوية، فيتصرفون هنا بعقلية حسابية، خشية أن يخسروا الكثير وتضرب بالتالي مصلحتهم..
مسألة أخرى ضمن هذا السياق، إذا كان النجاح قد حالف السوق الحرة في البلدان ذات البنى التحتية الاقتصادية القوية، وذات الأنظمة القانونية السائدة والسارية على الجميع، فلن يكون لها نصيب من النجاح في البلدان النامية، ذات البنى التحتية الهشة، وفي غياب القوانين غالبا؛ لهذا فحاجة البلدان النامية إلى رعاية الدولة أمر ضروري، لكن أي دولة.!؟
هذا ما يدخلنا في إشكالية أخرى، في موضوع الدولة، لن نخوض فيه، فقط للضرورة نقول هنا، دولة ديمقراطية، يسود فيها القانون، يسري على الجميع..
ثم إن فرص العمل والعيش الكريم نسبيا، مازال توفرها الأنظمة الرأسمالية، التي تسري فيها قوانين الضمانات الاجتماعية..
كثير من الباحثين يرون اليوم، أنه من السذاجة الاعتماد المفرط على النموذجين، نموذج التخطيط المركزي أي الاشتراكي، ونموذج السوق الحرة أي الليبرالي، ويرون أنه من الممكن أن نتخلص من مثالب النموذجين، ونقر بالتالي أيضا مزاياهما الجيدة، فيطرحون الاقتصاد المختلط، ويمكن أن يعكف على النموذج المقترح الوليد بعض اقتصاديينا بالدراسة والتحليل..
ثمة مسائل أخرى ربما تتغاضى عنها الليبرالية، كالضمان الاجتماعي في حالات العجز والبطالة، والضمان الصحي، كما أنها تضيق ذرعا بالمؤسسات النقابية، لدفاعها عن حقوق أعضائها، وهي ضد التعرفة الجمركية، عند اجتياز البضائع للحدود، كما أنها ضد سياسة الضرائب..
إن سياسة السوق الحرة تكون مع المتعاملين معها، طبقا للقدرة الشرائية لهؤلاء، لكن الصحة..
والغذاء..
والسكن..
والتعليم..إلخ لا يمكن أن يخضع، أو يعتمد على هذه القاعدة، أي قاعدة القوة الشرائية..لكن، في مثل هذه الحالات لا بد أن تلبى مثل هذه الحاجات الضرورية، بكفالات قطاعات الدولة، وبالسبل الممكنة، دون ترك هذا الإنسان المحتاج عرضة للمرض، والجوع، والجهل، ومرميا في العراء..
فلن يندار إليه أبدا الليبراليون..
ثم أن السوق الحرة لا تعرف الرحمة، فخلال المنافسة تسقط أعداد غفيرة من الليبراليين أنفسهم أصحاب المشاريع الاستثمارية، تحت أقدام المحظوظين ماديا، وتنطبق عليهم شريعة الغاب، ومقولة البقاء للأصلح.
من جانب آخر..ففي السوق الحرة، يزداد الأغنياء وبعض المحظوظين غنى، كما يزداد الشرخ بينهم وبين سائر الفئات الأخرى..
من المعلوم أيضا، إن الأسعار عندما تخضع لقانون السوق، فلن تشهد إلا ارتفاعا، وتنخفض بالتالي القدرة الشرائية عند المستهلكين، وهذا ينعكس سلبا على حياة الناس ومعيشتهم..
كثيرا ما يتم التوسع في الخصخصة كإحدى طرق المعالجة عند ضعف الحكومة جراء عجز في ميزانية الدولة، ومضايقات اقتصادية تواجهها الدولة..فتلجأ بعض الحكومات عن طريق من هم في قمة السلطة، وبيدهم الحل والربط، بالتواطؤ مع متنقذين فاسدين..
طبعا ينبغي أن نقول، لا مانع لدينا من تقديم بعض التسهيلات للنشاط الاقتصادي، في القطاع الخاص، وللمؤسسات وللأفراد حتى، بل لا بد أن ندعو إلى ذلك ونكون من أنصار تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص، لكن برؤية مدروسة وواضحة، وفي ظل قوانين سارية، لكن بأوسع ما يمكن من الحريات، بحيث يكون الاستثمار في مشاريع منتجة، تعود بالنفع للجانبين، أي البلد وبالتالي المستثمر…
إن قوى السوق تلجأ دائما إلى إضعاف الدولة، لتتنصل من كثير من التزاماتها تجاه الناس وقد أتينا عليها قبل قليل، فقط لترقى هي..
وأنا على يقين من أن الرأسمال إذا بلغ الربح عنده حدوده القصوى سيتوحش، وسيدوس كل القيم الإنسانية، هذا ما سبق أن حذّرت منه الماركسية..
ما يؤخذ على السوق الحرة، أنها تفتقر إلى الصفة الأخلاقية، وعدم الحس بالمسؤولية تجاه الآخرين؛ فالسوق تدفع الإنسان أن يفكر وفق مصلحته، بعيدا عن دائرة الأخلاق، وفي حلّ من أي التزام أدبي؛ فثمة مبادلات في سوق (البازار) على قاعدة العرض والطلب، ومقدار ما تجني من أرباح؛ لهذا فهنا الاحتكار جائز ومبرر، فحوافز الربح والمنفعة، هي التي تحرك غرائز الناس وتبرر مختلف الوسائل غير الأخلاقية، والحرية هنا حرية التصرف، والقدرة ما أمكن من جني الأرباح، فالكسب هنا مشروع، والوسيلة أيضا مبررة، حكر المواد، تصديرها للخارج بغض النظر ورغم حاجة السكان المحليين.
ترى.! هل نقف على الواقع الحقيقي، أم ندخل في نطاق المثالية كما يروّج الليبراليون.؟: من أن التاجر سيكون منصفا، وسيراعي العدالة، وسيبدي الاحترام لمن يتعامل معه..
فإذا لم يوجد القانون يقيد العلاقة بين المتعاملين في الأسواق الحرة، فمن المستبعد، بل من المستحيل، أن تقيدهم القواعد الأخلاقية، فحاجات الناس الضرورية هي التي تدفعهم للوقوع في براثن البائع التاجر في السوق الحرة، طالما هذا التاجر البائع، هو أول داع متحمس لرفض سريان القوانين على السوق، ورافض بالتالي لأي تدخل للدولة لمصلحة المستهلك، في ضبط الأسعار مثلا، فجني الثروات الطائلة، هو الذي يثير شهية هؤلاء، نحو الجشع، وتضخم الأنانية لديهم، وبالتالي لن يردعهم وازع أخلاقي..
هل يمكن تصديق ما يروجه هؤلاء: من أنهم أثناء تكديس الثروة، سوف يعمدون إلى تقديم يد المساعدة للآخرين، وحتى لو قام بعضهم بأعمال خيرية، كما هم يزعمون، فهل ثمة ما يبرر تعاملهم البربري في السوق.؟ أليست دعواهم هذه بالتفضل على الفقراء ببعض المساعدات، هي إهانة للجنس البشري، وإضاعة لحقوقهم، وبالتالي تميت النفس الأبية، للركون إلى الحالة المزرية، والقبول بقسمتهم في هذه الحياة القاسية، مترقبا صدقات من هؤلاء.؟ وبالتالي أين حقوقهم هم في العمل والتعليم والأمن والسكن.؟ هل يفرّط فيها مقابل تفضّل وتصدّق الليبراليين.؟ ثم أن هؤلاء يظهرون روح التحابب والتآلف تجاه المستهلكين فقراء السوق من أنهم (أعضاء في أسرنا، وهم أصدقاؤنا وجيراننا) كما يشيعون، وبرأيهم نتيجة للأعمال الخيرية ستتوطد وتنتشر روح المحبة والصداقة، أليس هذا ما يثير التقيؤ والغثيان، هؤلاء يفكرون بعقلية النبلاء مع شيء من الحدب والعطف لرعاياهم، أنهم فقط يبيعون للكادحين الفقراء الوعود بالكلام، دون أن يفكروا بما لهم من حقوق متساوية من الحق في حياة حرة آمنة كريمة، بعيدا عن العوز والحاجة، من الحق في العمل والتعليم، لهم الحق في وطنهم كخير مسكن وملاذ آمن…
إن الشركات طالما همّّّّّّّّّّّّها جني أقصى ما يمكن من الأرباح، فهي تعمد إلى خلق حالات الاحتكار، للتحكم بالأسعار، بغض النظر عن التفكر بالآخرين، وهي بالتالي ضد تدخل الدولة في السوق الحرة، فالدولة كما يقول الليبراليون، إذا ما تدخلت فستتدخل لمصلحة بعض المتواطئين معهم ، المحسوبين عليهم، والمشاركين معهم في السيطرة على السوق، وذلك بمنحهم بعض الامتيازات، ليقوموا بالدور الاحتكاري نفسه، وحتى قد تقفل الحكومة السوق بوجه الناس الآخرين والاستبقاء على جماعتهم، وهذا جدا وارد، وملاحظ في كثير من البلدان النامية، لاسيما النظم التي تنتهج سياسة الاستبداد، حيث يطلقون أيدي جماعتهم بكل حرية، ليغنموا ما يشاؤون وبمطلق الصلاحيات وأقصى الرعاية..
لهذا فالدولة الاستبدادية هي أيضا مرتع للفساد، ولولا هذا الاستبداد لما كان بوسع الليبرالية أن تقوم بهذا النشاط السياسي المثمر إلى حد ما، والمقنع لدرجة كبيرة، لأن الناس ضاقوا كثيرا بمثالب الأنظمة الاستبدادية والشمولية وهي كثيرة لا حصر لها، وربما انداروا إلى بعض فضائل الليبرالية هربا من قساوة الأنظمة الاستبدادية الشمولية..
صحيح أن ليبرالية السوق تعطي الحرية للمستهلك، في التعامل مع من يشاء، لكن المصيبة في هذه الحرية المطلقة التي تعطى لتجار السوق، دون رادع أو حسيب..
تصوّر لو أن عقارات البناء احتكرها هؤلاء، فكيف يمكن الحصول على قطعة أرض لبناء دار للسكن.؟ أو أن مادة كزيت الزيتون، وعليها الطلب من الخارج، فهل يتورع هؤلاء، ويتعففون على أبناء بلدتهم، ولا يحتكرون المادة لتصديرها إلى الخارج.؟ لا أحد يعتقد ذلك..
أو أنهم مثلا لو تحكموا في أسعار النقل والمواصلات، فكيف سيتصرفون.؟ لن يتصرفوا إلا طبقا لمصلحتهم، ولن يراعوا مصلحة الآخرين، إلا إذا اصطدمت هذه (المراعاة) بمعارضة قوية، فيتصرفون هنا بعقلية حسابية، خشية أن يخسروا الكثير وتضرب بالتالي مصلحتهم..
مسألة أخرى ضمن هذا السياق، إذا كان النجاح قد حالف السوق الحرة في البلدان ذات البنى التحتية الاقتصادية القوية، وذات الأنظمة القانونية السائدة والسارية على الجميع، فلن يكون لها نصيب من النجاح في البلدان النامية، ذات البنى التحتية الهشة، وفي غياب القوانين غالبا؛ لهذا فحاجة البلدان النامية إلى رعاية الدولة أمر ضروري، لكن أي دولة.!؟
هذا ما يدخلنا في إشكالية أخرى، في موضوع الدولة، لن نخوض فيه، فقط للضرورة نقول هنا، دولة ديمقراطية، يسود فيها القانون، يسري على الجميع..
ثم إن فرص العمل والعيش الكريم نسبيا، مازال توفرها الأنظمة الرأسمالية، التي تسري فيها قوانين الضمانات الاجتماعية..
كثير من الباحثين يرون اليوم، أنه من السذاجة الاعتماد المفرط على النموذجين، نموذج التخطيط المركزي أي الاشتراكي، ونموذج السوق الحرة أي الليبرالي، ويرون أنه من الممكن أن نتخلص من مثالب النموذجين، ونقر بالتالي أيضا مزاياهما الجيدة، فيطرحون الاقتصاد المختلط، ويمكن أن يعكف على النموذج المقترح الوليد بعض اقتصاديينا بالدراسة والتحليل..
ثمة مسائل أخرى ربما تتغاضى عنها الليبرالية، كالضمان الاجتماعي في حالات العجز والبطالة، والضمان الصحي، كما أنها تضيق ذرعا بالمؤسسات النقابية، لدفاعها عن حقوق أعضائها، وهي ضد التعرفة الجمركية، عند اجتياز البضائع للحدود، كما أنها ضد سياسة الضرائب..
إن سياسة السوق الحرة تكون مع المتعاملين معها، طبقا للقدرة الشرائية لهؤلاء، لكن الصحة..
والغذاء..
والسكن..
والتعليم..إلخ لا يمكن أن يخضع، أو يعتمد على هذه القاعدة، أي قاعدة القوة الشرائية..لكن، في مثل هذه الحالات لا بد أن تلبى مثل هذه الحاجات الضرورية، بكفالات قطاعات الدولة، وبالسبل الممكنة، دون ترك هذا الإنسان المحتاج عرضة للمرض، والجوع، والجهل، ومرميا في العراء..
فلن يندار إليه أبدا الليبراليون..
ثم أن السوق الحرة لا تعرف الرحمة، فخلال المنافسة تسقط أعداد غفيرة من الليبراليين أنفسهم أصحاب المشاريع الاستثمارية، تحت أقدام المحظوظين ماديا، وتنطبق عليهم شريعة الغاب، ومقولة البقاء للأصلح.
من جانب آخر..ففي السوق الحرة، يزداد الأغنياء وبعض المحظوظين غنى، كما يزداد الشرخ بينهم وبين سائر الفئات الأخرى..
من المعلوم أيضا، إن الأسعار عندما تخضع لقانون السوق، فلن تشهد إلا ارتفاعا، وتنخفض بالتالي القدرة الشرائية عند المستهلكين، وهذا ينعكس سلبا على حياة الناس ومعيشتهم..
كثيرا ما يتم التوسع في الخصخصة كإحدى طرق المعالجة عند ضعف الحكومة جراء عجز في ميزانية الدولة، ومضايقات اقتصادية تواجهها الدولة..فتلجأ بعض الحكومات عن طريق من هم في قمة السلطة، وبيدهم الحل والربط، بالتواطؤ مع متنقذين فاسدين..
طبعا ينبغي أن نقول، لا مانع لدينا من تقديم بعض التسهيلات للنشاط الاقتصادي، في القطاع الخاص، وللمؤسسات وللأفراد حتى، بل لا بد أن ندعو إلى ذلك ونكون من أنصار تشجيع الاستثمار في القطاع الخاص، لكن برؤية مدروسة وواضحة، وفي ظل قوانين سارية، لكن بأوسع ما يمكن من الحريات، بحيث يكون الاستثمار في مشاريع منتجة، تعود بالنفع للجانبين، أي البلد وبالتالي المستثمر…
إن قوى السوق تلجأ دائما إلى إضعاف الدولة، لتتنصل من كثير من التزاماتها تجاه الناس وقد أتينا عليها قبل قليل، فقط لترقى هي..
وأنا على يقين من أن الرأسمال إذا بلغ الربح عنده حدوده القصوى سيتوحش، وسيدوس كل القيم الإنسانية، هذا ما سبق أن حذّرت منه الماركسية..
هنا لا بد من التذكير في الختام، من أن الصراع بين قوى لبرلة السوق، والقوى الأخرى، من المستهلكين، وقوى السلطة، والداعين إلى اقتصاد مختلط، أو اقتصاد مركزي مخطط سيستمر وسيدوم، وهذا ما سوف تركز عليه السياسات الدولية الكبرى بالضد، من مصالح غالبية الشعوب المكافحة، أما ماذا ستسفر عنه من نتائج، فهذا متروك للرؤية التحليلية والعلمية ومنافسة موازين القوى، وأيضا علينا أن نعلم أن حركة التاريخ دائما باتجاه الصعود، وهذا المسار الصاعد لن يتوقف إلى أن ينجلي الصراع والمنافسة عن نظام سياسي اقتصادي، أكثر عدلا واستجابة لطموحات الشعوب، وأقل مثالب، وبما تتطلبه مصالح غالبية شعوب الدنيا..!