قضاؤنا والعدالة والقدر

حسين عيسو

حُكِمَ اليوم على المناضل مشعل تمو بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة وهو حكم اذا نظرنا اليه بمعيار قضائنا “النزيه” في القرن الحادي والعشرين نراه حكما مخففا جدا وعادلا جدا جدا !….

لأن ما وجد بحوزته في تلك الليلة الليلاء من شهر أب أي ليلة اختطافه تعتبر من الأسلحة المحرمة سورياً …..

لا تستغربوا !!!!!… فحين تعرفون ماذا وجدوا بحوزته وبالجرم المشهود ستعلمون أنه نال ما يستحق من عقاب.

فقد اكتشفوا انه يحمل قَلما فتّاكا يؤمن بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس , اضافة الى جهاز كومبيوتر متحرك يحمل في مخازنه العديد من المقالات التي تدعو الى نشر الديمقراطية في سوريا وتحقيق المساواة والعدالة بين أبناء الشعب السوري وانهاء ثقافة الاقصاء وقبول ثقافة الاختلاف وتقوية الوحدة الوطنية التي تحصن وطننا ضد التدخلات الخارجية !.., وأخيرا والأخطر من كل ذلك قلبا ينبض بحب وطننا سوريا المتعدد الاثنيات والأديان والطوائف !!! ألا يستحق كل ذلك حكما أقسى من هذا بكثير !.
لكن يبدو أنه قد غاب عن ذهن مشعل وقبله ميشيل كيلو وفداء حوراني ورياض سيف وكثيرون غيرهم , أعتذر عن عدم تذكر أسمائهم في هذه العجالة , أن القلم سلاح فتاك ويجرَّم من يستخدمه , ألم يتذكروا شعارات أصحاب الدكاكين الثورية في ستينات القرن الماضي وهم يكررون مرات ومرات : “تكلم السيف فاسكت أيها القلم ” , “ومع أن أولئك الشجعان لم يستخدموا السيف يوما الاّ انه كان انذاراً بعدم استخدام القلم أيضا” , ألا يعني كل ذلك أن القلم أصبح من الأسلحة المحظورة في بلدنا هذا وفي عصرنا هذا !!!.


 ثم يأتي بعده السلاح الخطير الآخر والذي اكتشف بحوزة مشعل أيضا أقصد جهاز الكومبيونر النقال “لاب توب” ذلك السلاح الجرثومي خاصة اذا تم توصيله الى الشسبكة العنكبوتية اللعينة التي نقلها الغرب الينا وبه يستطيع الآخر أن يعرف كل ما نحن فيه من مآسي عفوا أقصد رغد العيش والحياة الديمقراطية وحقوق الانسان وكرامته التي هي من كرامة الوطن والتي نعاني منها عفوا نحياها في بداية الألفية الثالثة التي توقعنا واهمين بأننا قد دخلناها !!!.
للمقارنة بين محاكمة مشعل ورفاقه اليوم ومحاكمات أيام زمان في بلدنا , أنقل هنا شذرات من مذكرات شاعرنا الكبير جكرخوين عن خمسينات القرن الماضي اذ يقول فيها : “أذكر مرة أننا اعتقلنا أنا وأوصمان صبري في القامشلي من قبل رئيس البوليس عادل سعيدي وحين أُحلنا الى القاضي ابراهيم ابراهيم أطلق سراحنا , لكن ما أن وصلنا الى المخفر حتى أمر عادل بك بايداعنا مرة أخرى في غرفة التحقيق ولما سمع القاضي بذلك حضر فورا وهو يصرخ : من الذي أعاد توقيف هذين الرجلين أجابه الشرطي ليس ذنبي انه أمر رئيس البوليس ولما ادعى رئيس البوليس أنه اعتقلنا بقرار من النائب العام , رد القاضي بأنه يريد رؤية القرار ولم يكن هناك قرار من النائب العام لذا فقد هدده القاضي قائلا : اما أن تتركهما أو أرسل برقية الى دمشق , فاما أن أترك عملي أو يطردوك أنت ,وهكذا فقد اضطر رئيس البوليس الى اطلاق سراحنا” !.
 هل يصدق أحد من أبناء جيلنا ما قاله وكتبه ذلك الرجل الكبير عن ذاك العصر وقضاته ؟, لا أعتقد .
 نعم هكذا كانت الديمقراطية آنذاك ويبدو أن مشعلاً وغيره من المناضلين السوريين لم يفهموا كم تطورنا  خلال نصف قرن من تحكم الأنظمة الاستبدادية وأننا نعيش اليوم ديمقراطية “أمرك سيدي” , والمرسوم |49| الذي يمنع المواطن في محافظتنا “الجزيرة” التي كانت “غنّاءة” , حتى من شراء أو بناء منزل يقيم فيه , ألا يستحق من غاب عن ذهنه كل ذلك مثل هذا العقاب !!! .
لقد قال بعض الأزلام منذ مدة ان الاعتقال صدفة , وبما أن الاعتقال صدفة فالقضاء أيضا قدرٌ مكتوب على المناضلين الذين لا يستطيعون الصمت .
أخيرا أحييكم أيها المناضلون المعتقلون في سجون السلطة , ولأني لست بجرأتكم فلن أزيد أكثر لأني أعيش فوق أرض الوطن الحبيب وبين براثن من قد لايعجبهم مثل هذا الكلام وطول اللسان , لذا فاني نادم على ما كتبت الآن وأقول أنها كانت فشة خلق لم أقصد منها شيئا وأعلنها على رؤوس الأشهاد وأمام القراء أني بريء مما قلت وما كتبت , خشية الانتقال الى جواركم ومشاركتكم الأمتار المكعبة القليلة التي تعيشون داخلها  .
Hussein.isso@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…

د. محمود عباس من أعظم الإيجابيات التي أفرزها المؤتمر الوطني الكوردي السوري، ومن أبلغ ثماره وأكثرها نضجًا، أنه تمكن، وخلال ساعات معدودة، من تعرية حقيقة الحكومة السورية الانتقالية، وكشف الغطاء السميك الذي طالما تلاعبت به تحت شعارات الوطنية والديمقراطية المزوّرة. لقد كان مجرد انعقاد المؤتمر، والاتفاق الكوردي، بمثابة اختبار وجودي، أخرج المكبوت من مكامنه، وأسقط الأقنعة عن وجوهٍ طالما تخفّت…