خالص مسور
قد لا يختلف عليه اثنان في أن الشعب السوري قد انتفض ضد القهر والظلم والاستبداد، وبدأ يهتف للحرية في مسيرات ومظاهرات احتجاجية سلمية لمدة أكثر من ستة اشهر حسبما أورده الرئس السوري بشار الاسد ذاته في احدى تصريحاته الصحفية، وكان الشعب يهدر في الساحات العامة ويعلن مطالبه على الملأ في العيش الكريم وفي سورية حرة موحدة وديموقراطية.
ولكن لم يدر المتظاهرون أن هناك من سيركب أمواج الثورة ويستولي على كدهم وتضحياتهم في وضح النهار، فكان بالفعل هناك من ركبوا تيار الانتفاضة ع المرتاح كما يقول السوريون، وحولوها إلى صراع على كرسي السلطة معلنين ملكيتهم للثورة السورية التي امتزجت بدموع الأمهات وآهات الثكالى، وتضحيات الشابات منهن والشباب.
وكان ممن ادعى لملكيتهم لميراث الثورة هم تلك الشخصيات الانتهازية ممن سموا أنفسهم بالمعارضة السورية الذين استغلوا الشدة التي قوبل بها المظاهرات من لدن عناصر الأمن وحولوا مسار الثورة من السلمية إلى المسلحة، فأدى عملهم هذا إلى تفريخ حرامية الدواعش الذين استباحوا الحرمات وحللوا ما حرم الله، بعدما لبسوا قناع الاسلام الحنيف ليشوهوا سمعته لدى المسلمين والعالم، وجاؤا بالموبقات والذبح، وسالموا من يعتبرونهم كفاراً، وحللوا الدعارة والزنى لأنفسهم تحت ستار جهاد النكاح، فاستوردوا نساء مغررات بهن واعتدوا على شرفهن في بيوت العربدة على الطريقة الدواعشية، واعلنوا تكفير المجتمع والجهاد ضد المسلمين بشكل خاص والمسلمون لا جهاد ضدهم، كما نفذوا وبطريقة وحشية الإبادات الجماعية ضد الأقليات العرقية والدينية المسالمة والتي كانت لبعضها مساهمات ملحوظة في الانتصارات التاريخية التي حققها الاسلام والمسلمون في العالم، فأبقتهم الفتوحات الاسلامية الراشدية في مواطنهم ضمن حمايتها، وقد قال الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب(ر) بشأن اليزيديين كما الزرادشتيين (عاملوهم معاملة أهل الكتاب)، وحديث الرسول(ص): (من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة) ومن كان الرسول(ص) خصمه فهو ليس بمؤمن ولا مجاهد بل مأواه في الآخرة النار وبئس المصير. ومن خلال السياقات السياسية للمعارضة السورية ندرك بأن الغالبية من شخصيات المعارضة هم ليسوا ديموقراطيين بل ليسوا بمسلمين وأصحاب دين كما يدعون أبداً، بل هم بعثيون وقومويون شوفينيون مدعومين من أمثالهم من مستغلي الاسلام الحنيف كرئيس الدولة التركية (اردوغان) وأمثاله على شاكلة حكام قطر والسعودية الاخوانجية المتبكين على الاسلام وأهله، بينما هم في الحقيقة يخادعون الله ورسوله وما يخادعون الا أنفسهم، يدعون الاسلام وما هم بمسلمين بل يعبدون ويحلمون بمناصبهم وكراسيهم وما تدره عليهم من مال ومنصب وجاه، وهنا قد نسأل ماذا سيعطون حينها لشعبهم أكثر مما اعطاه النظام نفسه؟.
لاشك أننا أمام ثورة سورية انتكست وأوقفت على رأسها بدلاً من رجليها، لتتيه محتارة في فضاءات الصراع على السلطة وآثاره غير الحميدة على استقرار سورية وشعبها، ولتجرى في الوقت نفسه التلاعب بمنظوم القيم المجتمعية من حيث المفاهيم والاهداف والاخلاق الثورية المواكبة للمرحلة الثورية على أيدي من يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية، وبدلاً من التأكيد على الديموقراطية والتسامح والاعتراف بالآخر المختلف، انزلقت ما يسمى بالمعارضة السورية التي جعلت من نفسها وصية على الاحداث، نحو القارية والتحجر وبوادر شوفينية وديكتاتورية أقسى من النظام نفسه بمرات كثيرة، لتعود حليمة إلى عادتها القديمة وفي أسوأ وأكثر الظروف والمراحل مأساوية وتفككاً، فأقطاب المعارضة السورية يرفضون كل المكتسبات التي حققها ويمكن أن يحققها الشعب السوري، ليرقصوا على دماء مئات آلاف الشهداء السوريين ممن ضحوا بأنفسهم في سبيل حرية هذا الشعب وعزته وكرامته. والآن وبعد كل ما حدث ويحدث في الوطن السوري وحتى لا ينقسم هذا الوطن ويحافظ على وحدته وتماسكه، فليس أمام الشعب المهجر نصفه من خيارات وحلول سوى الحل الفيدرالي أو اللامركزية السياسية كما يقال، لأن الدولة المركزية بصيغتها الشرق أوسطية لن تجلب سوى المآسي والخراب والدمار كما حصل في بلدان الربيع العربي وكما هو حاصل في سورية اليوم. وستكون الفيدرالية في ظل التوافقية الديموقراطية وحدها البلسم الشافي لجراحات السوريين وآلامهم، وهي التي ستجلب الوحدة والتماسك لسوريا وستشكل بنياناً متيناً للدولة السورية الحديثة الموحدة والمقبلة، وأن من يدعي من المعارضة السورية وغيرها بأن الفيدرالية تـأتي بالتقسيم فهو واهم وجاهل بالسياسة ولا يرى أبعد من أرنبة أنفه. وأن من يظن بالفيدرالية سوءاً عليه أن يرى بعينين منفتحين الفيدرالية الطوعية التي تنعم بها الإمارات العربية المتحدة فهي وحدها الكافية لفقيء عيني من يدعي تقسيمية الفيدرالية، بل الفيدرالية بدون شك هي النموذج الذي يوحد ولا يقسم، يؤالف ولا يخالف. وفي الحقيقة فإن من يعارض الفيدرالية ما هو إلا واحد من اثنين، إما جاهل ومتخلف عن ركب الحضارة والتطور، و في هذه الحال فهولا يرى سوى موبقات نفسه الأمارة بالسوء على الدوام، وإما إنه شوفيني يمر بمرحلة الطفولة السياسية والانسانية ومتعصب يرى لنفسه ما لا يراه لغيره، ويريد أن يعيد بسورية إلى مربع التعذيب والاعدامات والأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى، وإلى شعوب تئن تحت سياط الشوفينية والقهر والتعذيب. ومرة أخرى ننبه الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته، بالعمل الجاد على تطوير الذهنية السياسية وعدم القبول بالعودة إلى الهيكلية الادارية لحكم الدولة المركزية، والديكتاتورية والجينوسايد والقبور الجماعية التي هي من سمات الأنظمة الديكتاتورية في الدول المركزية، والسعي نحو بناء دولة سورية الفيدرالية الديموقراطية للحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، متعاونين ومتحابين في سبيل إرساء قيم الانسانية واعطاء نموذج للعيش المشترك يحتذى للشرق الاوسط وللعالم ككل. وسوف لن تعيق الشعب السوري من إقامة فيدراليته والسير نحو الأخوة والعيش المشترك، متجاوزين الحالة الميكيافيلية التي ينتهجها أعراب معارضة استنبول من شاكلة الزعبي وأمثاله، ممن ختم الله على قلوبهم غشاوة الحقد والكراهية والشوفينية، وممن تشبعوا من هذه الاوصاف المنكرة والدخيلة على ثقافات شعوب المنطقة الكومونيالية بالأصل والفصل.
…………..