صراع الجمهوريين على البيت الأبيض – 2/2

د. محمود عباس
   الصراع مستمر ويتصاعد ضمن الحزب، فعلى من سيقع الاختيار، وكفة من سيرجحونها ممثلي الحزب في المؤتمر؟ علما أن هناك تأفف من الملياردير وتعامله وعدم خبرته، وأسلوبه وطبعه في التعامل، داخل قيادات الحزب السياسية، وخارجه، لذلك عقد قبل أيام وفي واشنطن عدة جلسات معهم لتداول هذه القضية، حتى مجموعة حملته الانتخابية نشروا دعاية، قبل شهر، بأنه في حال عدم ترشحه ستكون هناك احتمالية حدوث فوضى ضمن المؤتمر، وسأله أحد المعلقين السياسيين إذا كان هو يدفع إليها، نفى، ونفى معها قدرته على التحكم بها في حال ظهورها، وعلى الأغلب، كما ذكرها المرشح تيد كروز، إنها عملية تخويف وترهيب، ليس أكثر، لأعضاء المؤتمر.
 وللحصول على العدد الكافي، يستخدمون كل الطرق وحتى أبشعها وأرخصها، من المبتذلة إلى الاتهامات، إلى التشهير، وحتى التنقيب عن القضايا الشخصية العائلية، وأخرها الحديث عن زوجة الأخر، كالتي حدثت ما بين تيد كروز ودونالد ترمب. إلى حد أدراجها بأساليب تهكمية، كما قال السناتور تيد كروز، عندما سؤل: إذا لم يكن هو المرشح، هل سيدعم مرشح حزبه الجمهوري دونالد ترمب؟ فرد بأنه لو كان يسوق سيارته، ووضعها في الغيار التراجعي، ودونالد ترامب واقفاً خلف سيارته، فلا يعلم أي دعاسة سيضغط! رد عليه ترمب في نفس اليوم بنكتة أبخس منها. كل شيء أصبح مباحا في هذه الدورة، والتي لم أجد مثلها وعلى مدى متابعتي لها ولأكثر من عشرة دورات انتخابية للرئاسة.
 حلولهم لبعض قضايا الشرق الأوسط
  جرت قبل أيام، على قناة أل سي ن ن الأمريكية، آخر حوار منفرد مع المرشحين الجمهوريين الثلاث:
1- السناتور عن ولاية تكساس (تيد كروز 1970م) والذي جمع حتى الأن أكثر من 110 مليون دولار لحملته الانتخابية.
2- والملياردير صاحب شركات العقارات (دونالد ترمب 1946م) والذي جمع حتى الأن بحدود 36,6 مليون دولار، إلى جانب ما خصص لها من أمواله الخاصة.  
3- ورئيس ولاية أوهايو (جون كاسيتش 1952م) والذي جمع لحملته حتى الأن 22مليون دولار. 
وكانت قد خصصت الأسئلة في مواضيع أقل تشعباً من الحوارات الماضية، مع ذلك أخذت قضايا الشرق الأوسط جانباً مهما، وفيها عاد ترمب ليعرض حلوله بالمنطق التجاري الذي لا يستطيع التخلص منه، كالقضية السورية وداعش، فيرى بأن بقاء الأسد في هذه الفترة خير من إزاحته، والأهم هو القضاء على الإسلاميين التكفيريين، كداعش، ليس بإرسال قوة عسكرية برية أمريكية، بل مكتفيا بضرب مصادر تمويلها، مع التأكيد على أن بشار الأسد مجرم ولكن التخلص من داعش في أولوياته حين دخول البيت الأبيض، مثلما أعتبر المرشح الثالث جون كاسيتش إزالة القذافي من الأخطاء التي سمحت بظهور المنظمات الإسلامية التكفيرية في ليبيا.
   كان واضحا من خلال عرض الملياردير حلوله للقضايا السياسية الخارجية، هيمنة المصلحة الاقتصادية على الجانب السياسي في طريقة تعامله وتفكيره، ناسيا وليس متناسياً العلاقات الدبلوماسية والتدخلات الدولية، وما ورائها المصالح التي تتجاوز مصلحة الدولة الفيدرالية بمجردها. وكالعادة لا تغيب عن مخيلته بأنه الملياردير، وأصبح على رأس قائمة الإثارة، عندما عرض سياسته الخارجية في حال ترأسه، متحدثا بأسلوب رجال الأعمال، حيث الربح والخسارة، الأخذ مقابل العطاء، والدول الثلاث هي الأكثر تداولا في قائمته، السعودية واليابان وكوريا الجنوبية، وأحيانا ألمانيا، ذاكراً بأنه في حال فوزه، وهو يؤكد عادة على أنه الرئيس القادم، لن يقدم أي دفاع عسكري لهم بدون أن يأخذ منهم مقابلها الدولارات، وإلا سيتركهم في حال سبيلهم، دون أن يسأله أي محلل أو صحفي: ماذا لو تخليت عنهم، واستحضنتهم الحلف الروسي الصيني؟! وعلى الأغلب كرجل أعمال، لا يرى البعد السياسي إلا من منظور الربح والخسارة فلا يوجد في عرفه حتى اللحظة، التحالفات الدولية والعلاقات الدبلوماسية وأرباح الشركات الوطنية من خلفها، وغيرها من التبادلات التجارية. ينتبه إلى هذه القضية المرشحين الأخرين، وبشكل أعمق السناتور تيد كروز، لأنهما أكثر خبرة سياسية وعلاقات دبلوماسية منه، فالملياردير حديث الحضور في الأروقة السياسية، قضى معظم عمره رئيس شركات عقارية وتجارية وإدارة انتخابات ملكات الجمال في العالم، بخلاف تيد كروز السناتور الأمريكي، والثالث رئيس ولاية أوهايو، ولهما خلفية وخبرة عملية في العلاقات السياسية والدبلوماسية وكيفية إدارة التعاملات التجارية عن طريق تداخل مصالح الدول.   
  بدى واضحا قلة خبرة المرشح دونالد ترمب، وضعف رؤيته وضحالة حلوله كطامح لرئاسة البيت الأبيض، من خلال المواضيع التي أشرنا إليها وغيرها، وطريقة تكراره لنفس الموضوع، المساعدات العسكرية للدول المتحالفة مع أمريكا أو للسلطات في الشرق الأوسط كالسعودية ودول الخليج وبأنه كرئيس سيستغني عن تقديم أية مساعدة أو حماية عسكرية بدون مقابل مادي، وكما ذكرنا سالفاً، عندما ركز على اليابان وجنوب كوريا بأنه سيسمح لهم بتطوير أسلحتهم النووية لمواجهة كوريا الشمالية فيما إذا لم يدفعوا مقابل الحماية الأمريكية. ولقصر رؤيته وضحالة طريقته في التعامل الدولي، وصفه رئيس أمريكا (براك أوباما) ولأول مرة، بأنه لا يفهم بالسياسية الخارجية.
   إحدى أهم نقاط الاختلاف بينهم في السياسة الخارجية، ظهرت في نقد المرشح جون كاسيتش وبشدة، على رأي دونالد ترمب حول منظمة حلف الناتو العسكرية، عندما ذكر بأنه لم تعد بذات الأهمية وأصبحت مهملة، فكان رد المرشح جون كاسيتش له قويا، وبأنه كرئيس سيدعمها ويزيد من قوتها، ووجده تحالف استراتيجي ومهم بالنسبة لأمريكا، وسيدعم تركيا في حال نجاحه، وأضاف ناقداً حلوله في طريقة مجابهة داعش، وبأنه سوف لن يكتفي بالقصف الجوي وحده والتي لن تحل مشكلة داعش، بل سيعمل على التدخل المباشر، والمشابه للتدخل الأمريكي في العراق.
  في الوقت الذي نبه تيد كروز على أهمية دعم الكرد عسكريا لمجابهة داعش، دون الإتيان على الواقع السياسي، والقوى الأخرى التي تحارب المنظمات الإرهابية الإسلامية الراديكالية، فاصل بين الإسلام الراديكالي والليبرالي، ويتوافق في هذا مع جون بعكس ترمب، الذي يضع أغلبية العالم الإسلامي في خانة واحدة وأنهم يعادون أمريكا. أراءهم متشابهة حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية، وأهمها سلامة وحماية إسرائيل. 
 في الواقع العام، حلولهم للقضايا، تختلف ضمن استراتيجية الحزب الجمهوري، لكنها مع ذلك تعكس الخلفية التي يمتهنونها، من سوية سناتور ضمن قاعات الكونغرس حيث الصراعات السياسية والقضايا الدولية والداخلية المتداولة. إلى رؤية رئيس ولاية يواجه القضايا ويضع الحلول ليس بالتشريع والتحليل بل بالتنفيذ، فهو رئيس الهيئة التنفيذية. إلى رئيس شركات تجارية، ورجل أعمال، يتابع يوميا البورصة العالمية، ويقارن الأرباح بالخسارات المادية، وحسابات البنوك. 
  هذه الاتجاهات واضحة في حواراتهم وخلافاتهم بين بعضهم، وطروحاتهم للقضايا السياسية، والاقتصادية الداخلية والعالمية، والتي وبلا شك ستتأثر بمجملها عند أول يوم  لهم في البيت الأبيض (إذا تمكنوا من غلبة المرشح الديمقراطي، ولنا شك في هذا، خاصة إذا كان الملياردير هو المرشح الجمهوري) حيث المستشارون المختصون بكل قضية، والتصادمات التي ستظهر مع المفاهيم والتداولات المتجاوزة معارفهم وخبراتهم الماضية، لذلك فلن نجد ترمب اليوم ورؤيته لليابان، مشابه لترمب ساكن البيت الأبيض، ولا جون الداعم لتركيا وصراعاتها الإسلامية مع أوروبا والجوار ومشاكلها الداخلية، جون الذي سيتحدث منطلقا من مصالحه ومصالح حلفائه الأقوى في العالم، أو تيد كروز نفسه السناتور ضمن قاعات الكونغرس، والرئيس المتسلط عليه أنظار العالم وهو ضمن البيت الأبيض. 
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
1/4/2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…