التقرير الأخير عن قامشلو

 ابراهيم محمود
باراك اوباما حذّر الأسد من القصف الجوي لقوات الحماية الشعبية الكردية في قامشلو.
طريق عاموده هو المنفذ الوحيد لخروج الناس من المدينة وتوجههم إلى أماكن مختلفة.
تزايد وتيرة الاشتباكات في أحياء متفرقة وسط أنباء عن انتشار مقنعين وقناصين في أرجاء المدينة.
سيطرة الأسايش على سجن ” علايا ” المركزي، وتسليم أكثر من خمسين من عساكر السجن أنفسهم لقوات الأسايش.
انفجار موتوسيكل على مدخل حي ” طي ” ومقتل العديد من قوات الحماية الشعبية الكردية، وتبنّي ” داعش ” للعملية.
حي ” طي ” محاصر ” من عدة اتجاهات، لأنه يشكّل معقل عناصر” الدفاع الوطني “.
انحصار الكثير من الأهالي في بيوتهم وسط مخاوف من إطالة أمد الاشتباكات وحصول كارثة إنسانية في المدينة.
بيشمركة روجآفا يجهّزون أنفسهم للدخول إلى روجآفا
خيَم منصوبة في المناطق العربية لتسليح المتطوعين العرب للمشاركة في  الاشتباكات المشتعلة…الخ.
عناوين سريعة، واتصالات، وأسئلة وأجوبة مقتضبة، وتسجيل أصوات، وكتابة موجزة بصدد الجاري في قامشلو، لمعرفة آخر الأخبار، وليس من كردي إلا وله قريب في قامشلو، ليس من كردي ويستشعر مخاوف شتى عن مآلات الأحداث.
سوى أن المبالغة في تصوير الجاري هي السائدة، ولها ما يبرّرها في ضوء ما يعيشه الناس منذ أكثر من خمس سنوات، هي زمن طويل إن حسِب برعبه وأهواله وأوجاعه، سوى أن المبالغة لا تعود مبالغة، لأن الذي يعيش في ” الأتون ” غير الذي يتابع الجاري عن بعد، سوى أن المبالغة تنعدم في ضوء حرص الناس على البقاء وطفرها بكل هذا الذي يساوَم عليه باسم البلد وسلامة الناس والديمقراطية المرتقبة .
أسأل قريباً لي عما يجري، يأتي الجواب  سريعاً: احسبها أنت، حين تعيش الموت في أي لحظة !
أسأل أحد المعارف عما يجري، يأتي الجواب سريعاً: سوف يرون ما سنفعل بهم.
أسأل صديقي العربي عما يجري، يأتيني صوته المضطرب: إنها مصيييبة يا أستاد ابراهيم.
أسأل صديقي الأرمني عما يجري وهو في قلب المدينة، يأتيني صوته خلاف المعهود في وضع مستجد: الوضع سيء جداً، أتسمع أصوات طلقات الرصاص استاذ.
نتابع ما يجري عبر وسائط مختلفة، ويبقى الأهم في التالي: ما هو الأفضل قوله، الأفضل سماعه، الأفضل فعْله ؟
لا قاتل إلا وهو مقتول، لا ممارس عنف إلا وهو ضحية عنفه، لا متنمر على جاره إلا وهو المودى به بمتنمر آخر.
أستغرب من هذا العنف الذي ينفجر ويريد حمِلَته الإجهاز على المدينة وأهلها، وهو سواء، في أيام معدودات وقد عاشت عمراناً على مدى عقود من الزمن.
أستغرب عمّن يريد الدفع بالناس والمكان إلى هاوية ميتات، وما في ذلك من تعريف بهمجيته التي يجتاح بها المدينة.
أستغرب، وعلي أن أستغرب مما يجري، وكيف يجري، كما لو أن الذين ينتقلون بين الأحياء وهم يحملون أسلحتهم على مناكبهم ويروّن بها الأهالي، لا يمتون بصلة إلى الأهالي.
أستغرب من هؤلاء الذين لا يكفّون عن التهديد بالموت ممن يتحرك في ظل النظام ومن يلي النظام عنفاً، ومن يلي هذا عنفاً آخر، كما لو أن مهمة كل منهم كيفية إزهاق الحياة في النفوس.
أستغرب إزاء هذا الهواء الذي يُبطَش به وقد ازداد وزنه النوعي وزاد تسمماً وانجراحاً من أزيز الرصاص، إزاء هذا الصمت الذي استحال صياحاً وصخباً وعويل نساء وبكاء أطفال وأصوات القلة القليلة من العقلاء، للكف عن ضخ العنف.
أي مراب لهذا العنف في هذه الجهة أو تلك؟ أي تاجر تعهَّد بتقليب المكان على أهليه؟ أي سمسار سوقي مسكون بوحام الدم المسفوك يريد تحويل كل شيء إلى أحمر ساخن ؟
ليكن في علم أي كان في قامشلو وغيرها: 
لا يكون الكردي كردياً إلا إذا تحسس نفَس العربي والسرياني فيه.
لا يكون العربي عربياً، إن لم يصافح في روحه يد الكردي والسرياني .
لا يكون السرياني سريانياً إن لم يعانق في داخله كلاً من الكردي والعربي .
لا تكون قامشلو قامشلو إن لم تحتضن بكل جوارحها كل هؤلاء الذين ذكرتهم ومن لاذوا بها لتستحق الدخول المشرّف في التاريخ.
دهوك في 22نيسان 2016 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…