د. محمود عباس
إلى كلا الطرفين: سلطة الأمر الواقع، ومعارضتها، الإخوة في الحراك الكردستاني:
لننظر إلى الواقع بعين الواقع، ونتوقف عن خداع بعضنا، والتلفيق والتلاسن، وتكذيب الأخر وتخوينه، والتبجح بالانتصارات الجزئية والآنية، والتي هي في عمقها تندرج ضمن مصالح القوى الخارجية، ولنتباحث على الأقل بين بعضنا بشفافية وصراحة، إذا كنا فعلاً نود أن نتجاوز ضعفنا وسذاجتنا، ونبحث عن حلول كلية لقضية واحدة، خاصة وجميعنا نتكلم عن مصير شعب واحد عانى ويعاني من الويلات ومنذ أكثر من قرن.
أوجه كلمتي هذه إلى الإخوة في قيادة ال ب ي د، ومن يدور في حلفهم، والأحزاب المنطوية تحت غطاء المجلس الوطني الكردي، اليكيتي، والبارتي الديمقراطي الكردستاني، والتابعين، بالجلوس على طاولات الحوار، ومحاولة التوصل إلى نقاط مشتركة، على بعض الأسس، كتسيير مؤسسات مدنية أو عسكرية على الأقل، وأولها وأهمها نقل القوة العسكرية من التبعية للحزب إلى قوة عسكرية كردستانية، وبشعارات وطنية، حتى ولو ظلت منطقي السلطة والمعارضة مستمرة. والعملية غير مرتبطة بالظروف الجارية، ومدى تقديم الخدمات لبعض القوى الكبرى، بل لها علاقة مباشرة بالمستقبل، عند إدراج النظام الفيدرالي إلى الواقع العملي، والموافقات الدولية، والتي بدونها لن تدوم. فوجود قوة عسكرية كردستانية، ومؤسسات تعكس جميع الأطراف، تستطيع أن تقدم ذاتها كهيئة ديمقراطية تمثل الشعب الكردي، فالسلطة الانفرادية مرفوضة من العالم الحر، ومن القوى الدولية الديمقراطية، ولا يمكن التغطية عليها بالدعاية الإعلامية.
والتاريخ تبين بأن أية قوة عسكرية عقائدية مؤدلجة بمفاهيم سياسية، ومنتمية إلى إيديولوجية حزبية، دون الوطن، حتى ولو تمكنت وتحت ظروف معينة من إقامة كيان سياسي ما، نهايتها الفشل، ومآلها الدمار، وعادة تدمر الشعب معها، والأمثلة عديدة في التاريخ. والواقع المبان، تظهر أن النظام السوري الذي يعتمد عليه القوة الكردية في جنوب غربي كردستان، يستمد بحد ذاته قوته من الدب الروسي، وهي تمثل الهيئة الآمرة والناهية في سوريا، وستشرف على جميع مفاصل محميتها، السورية، فلن تتمكن القوة الكردية الحزبية مستقبلا من فرض نفسها، ومعها القوة الحاضرة، على السلطة السورية، والحصول على الدعم أو التأييد الروسي لإقامة كيانه المطلوب، النظام الفيدرالي، بدون تمثيل كل الشعب وجميع أطراف الحركة الكردية.
فلنعلم أن جميع الدول الإقليمية، وكذلك أمريكا، وزعت الأدوار بينهم وبين روسيا، بحيث أصبحت لا حول لهم ولا قوة، أو لربما على خلفية اتفاقيات سابقة، حول المنظمات التكفيرية الإرهابية الإسلامية، ونحن هنا لا نذكر الدول التي تسمى بالصديقة للشعب السوري، فلم يبقى لهم آثر بعد الإهمال الأمريكي، والتصريحات الأمريكية ومعها بريطانيا وفرنسا، لا تتجاوز التنديد، والاختفاء وراء التهديدات المبطنة، ونحن هنا لا نتحدث عن الإدارة الأمريكية القادمة والتي ستحتاج إلى قرابة شهور ثلاث بعد استلام البيت الأبيض، لتتوضح استراتيجيتها الجديدة، وعلى الأغلب ستكون رؤيتها وتعاملها مع الكرد في جنوب غربي كردستان، من خلال قوة أو كيان كردي يمثل الشعب لا حزب معين قد تتعارض نهجها والإيديولوجية المتبعة.
والاختلاف هنا، هي أن القطبين يتفقون على معظم القضايا، والحرب الباردة لن تعود ثانية، والخلافات هي فقط على المصالح، دون الأيديولوجيات، ونتائج هذه الاستراتيجية تتحملها شعوب كالتي في سوريا، ومعظم التوقعات تشير إلى أن التقارب وتبادل المصالح بشكل سلمي، ستوسعه على الأرجح الإدارة الأمريكية القادمة، مع تصعيد القوة الأمريكية وبالتالي إعادة هيمنتها على العالم، وستقل الخلافات بينهما أو لنقل ستتم حل مشاكل البقع الساخنة بأساليب دبلوماسية أكثر مرونة. ومن المتوقع وكما تبينه الإعلام والمحللين من خلال التصريحات الصادرة من الإدارة التي تتشكل، أنها أي إدارة ترمب سوف لن تكون لها رؤية مخالفة عن الرؤية الروسية للقوة الكردية بعد تنفيذ أجنداتها في المنطقة وستستمر أحادية الجانب في حال بقاء القوة الكردية تحت السيطرة الحزبية. وفي كل الاحتمالات أثبتت تجارب جنوب كردستان بأنه لا بديل للحركة الكردية في جنوب غربي كردستان عن الاتفاق على نقاط رئيسة، ليتمكنوا من دخول حوارات مع الدول الكبرى، روسيا وأمريكا، وبناء المستقبل الكردي.
لربما الظروف مهيأة للحركة الكردية وبشكل جمعي، بالتقرب من روسيا، والحوار معها بشكل رسمي على المطلب الكردي بإقامة الفيدرالية الكردية في منطقتهم، واشتراك الأطراف الكردية المختلفة في مثل هذه الحوارات ستقربهم من البعض، خاصة وأن الجميع متفقون على النظام الفيدرالي، مع الخلاف على بعض الإشكاليات، والتي نعتبرها ثانوية، ولهذا فلا بد من محاولة الحصول على موافقتها، وحمايتها، في حال حصول تدخل إقليمي، وعدم السماح للمربعات الأمنية لسلطة بشار الأسد بالهيمنة على المنطقة الكردية من خلالهم أو بمساعدتهم، مثلما حصلت مع المدن السورية.
ومن الأهمية ذكره هنا، لغة الحوار، أو اللغة الدبلوماسية، كهيئة كردستانية ستقوم بتنفيذ مشروعها، بدون لغة الاستجداء والطلب، كما كانت تستخدمها مع السلطات الإقليمية. وعلى الأغلب أن أمريكا سوف لن تعترض على مثل هذه الحوارات، لأنها اليوم بحاجة إلى الكرد في حربها مع داعش، والإدارة القادمة أكثر إصرارا على محاربة المنظمات التكفيرية، ولا بديل حتى اليوم على الساحة، ويؤمنون بأن الكرد خير من يقومون بالمهمة، وكما يبان حتى الأن ومن خلال تصريحات العديد من ممثليهم السياسيين والخبراء العسكريين، أنهم لا يعارضون إقامة نظام فيدرالي في سوريا أو في المنطقة الكردية، ولم يؤيدوها بشكل رسمي أيضاً، وخارج هذه ليس سوى كلام دبلوماسي للاستهلاك الدولي، والحوار مع الروس لا يخلق تضاد مع علاقاتهم مع الأمريكيين، وبالإمكان أن تتم مثل هذه الحوارات بأساليب دبلوماسية غير مباشرة، تتفق عليها كل الأطراف.
يكاد يكون المشهد واضحا على الساحة السورية، فالمعارضة الإسلامية السياسية والعسكرية التكفيرية، تبحث عن البديل لخساراتها، أو لنقل عن تخلي الدول الصديقة عنها، وآخرهم تركيا، والتي لا تزال تحتضن مكاتب الائتلاف ومؤتمراته، وفي الطرف الآخر، باعت حلب مقابل المنطقة التي سمحت لها روسيا بدخولها في المنطقة الكردية، وفي مشهد أكثر دراماتيكيا، استلام وتسليم مدينة تدمر، مرفقة باتهام الروس للبعض بأن الهجوم على الرقة خفت لتتمكن داعش من إرسال قواتها إلى تدمر، وهي دعاية رخيصة للتغطية: على علاقة سلطة بشار الأسد مع هذه المنظمة الإسلامية البعثية التكفيرية، وعلى جدلية بقاء طرف بالأخر. ولا شك هنا سوريا أمام نفاق دولي وبلعبة قذرة، كالبيع والشراء في أسواق النخاسة، وروسيا هنا ستقوم بإعادة بناء مؤسسات محميتها، ومنها التقسيمات الإدارية، فلا يستبعد أن تكون منطقة الجنوب (درعا) في نظام إدارة ذاتية، أو لربما فيدرالي سني منفصل عن الشمال ودمشق، ولهذا ففي خضم هذا التلاعب، لا بد من دخول الحوارات معا، مع روسيا وأمريكا، خاصة وأنهما الأن يفتحون الأبواب للكرد، ونقصد جميع أطراف الحركة الكردية، وأي خطأ قد يكون مصيريا، وعدم الحضور المشترك انتقاص للقضية الكردية الوطنية، وبالتأكيد اللقاء في موسكو أفضل بكثير من قاعدة الحميمية، من حيث البعدين السياسي، والإعلامي، ففي الأولى سيكون اللقاء على السوية السياسية، وفي الثانية ستطغى عليها الأجواء العسكرية. مع ذلك فما الضير من الحضور وعرض المطلب الكردي، على الجهة المدعوة، حسب وجهة نظر كردية؟ خاصة وأن الدعوة شبه علنية وليست سرية على سوية دعوات المربعات الأمنية.
علينا جميعا أن ندرك أن ما تدور في الأروقة السياسية الكردستانية والإقليمية، والتي تبينت وحتى الأن بأنه لا قدرة لكم على تغييرها دون حوارات متواصلة، وتقبل الأخر، وعزل الخلافات عن التخطيط حول القضايا الرئيسة. فمن مهماتنا جميعا أن نركز على كيفية التعامل على الأسس الديمقراطية، وتصحيح بعضنا دون تلاسن وتخوين، وهذه المسيرة تحتاج إلى عمق تفكير، وحنكة دبلوماسية أعمق وأوسع من خباثة الأعداء، ولا شك أنها مهمة صعبة وخطرة وطويلة، ولكن إن تركناها على هذه السوية من الصراعات، وتقبل الإملاءات الخارجية، والرفض مجرد الرفض، فعلى كردستاننا السلام ولربما إلى قرن آخر.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
12/11/2016م