ما مدى جدية (الانفتاح) الايراني على المسألة الكُردية؟

عبدالباقي اليوسف

عملت حكومات جمهورية إيران
الإسلامية على توسيع نفوذها في الشرق الأوسط عبر مناخات خصبة وفرت لها الأرضية
والبيئة الملائمة والمستجيبة لأهم مبادىء المذهب الشيعي “المظلومية، والقتال
لنصرة المستضعفين”. وفي الواقع تتركز الدوافع وراء السياسة الخارجية
الإيرانية في رغبتها بأن يكون لها دور في عملية إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وأن تصبح قطباً سياسياً في إطار نظام دولي متعدد الأقطاب، وأن يكون لها دور
إقليمي محوري لما تملكه إيران من موارد بشرية ومادية واقتصادية وعلمية وتقنية،
خاصة بعد أن تمكنت إيران من تخصيب اليورانيوم، وإطلاق قمرها الصناعي (أوميد)،
وكذلك قدرتها العسكرية وصناعتها التسليحية.
بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، زار الرئيس الإيراني حسن روحاني كُردستان ايران، والتقى مع الكُرد هناك في أكثر من مدينة، وذكر روحاني ضمن خطاب ألقاه هناك: “لولا ايران لسقطت بغداد واربيل بيد الارهابيين”، وأضاف: “مثلما يهمنا الأمن في كُردستان ايران، أمن اربيل مهم بالنسبة لنا ايضا”، حينها وصفت تصريحات الرئيس الايراني من قبل العديد من الباحثين والمحللين السياسين بأنها نوع من “الإنفتاح” و”التودد” إلى الكُرد في المنطقة عامة. 
خاصة أنه وقد سبق ذلك، وبالتحديد عندما بدأت الانتفاضة السورية في آذار 2011، قيام إيران بدور واضح بتسوية الخلافات بين قنديل ونظام دمشق (تلك الخلافات التي كانت قد نجمت عن تخلي دمشق عن عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكُردستاني، والتسبب في إعتقاله، وتسليمه إلى تركيا عام 1999، وكذلك الإتفاق السوري مع تركيا والذي سمي بـ “إتفاقية أضنة”، والتي بموجبها اعتقل الأمن السوري المئات من أعضاء وكوادر وأصدقاء الحزب المذكور، وسلم العشرات منهم إلى الحكومة التركية، حيث فارق العديد منهم الحياة تحت التعذيب)، أثمر الدور الايراني هذا في قيام دمشق بتسليم المنطقة الكُردية في سوريا إلى مسلحي حزب الإتحاد الديمقرطي، جناح ب.ك.ك السوري بعد أن قدم له المساعدات المادية والعسكرية. وفي هذا الصدد، يؤكد أنور حسين في كتابه “تجربة الهلال الشيعي في الشرق الأوسط” أن نظامي إيران وسوريا قدما المساعدات إلى حزب الإتحاد الديمقراطي بهدف بسط سيطرته على كُردستان الغربية – كُردستان سوريا. 
بحسب العديد من المحللين والمختصين بشؤون المنطقة، ثمة تسابق بين إيران وتركيا على التقرب من الكُرد!، في حوار مع وكالة ترك برس، تقول الباحثة السياسية ناهدة شلبي إن تركيا أكثر قرباً إلى إقليم كُردستان العراق من إيران، حيث تتعامل مع الإقليم بصورة جيدة، بينما إيران تقوم بقصف الإقليم بالمدفعية. هنا يجدر الملاحظة أن محاولات كلا البلدين تقتصر على التقرب فقط لهؤلاء الكُرد خارج حدود دولها. يشهد التاريخ وعلى مدار عدة قرون عداء حكام إيران للكُرد؛ فقد كتب مارتن فان بروينسن في كتابه “الأغا الشيخ والدولة”، إنه عندما تسلم الشاه إسماعيل مقاليد الحكم في ايران عام 1510م، جاءه ستة عشر أميرا وزعيماً كُردياً لمبايعته، لكنه إعتقلهم، ومنح ممتلاكاتهم إلى حكام من القزلباش، موالين له، بهدف إخضاع تلك المناطق. لم يكن وضع الكُرد في القرن الماضي وفي ظل الإمبراطورية البهلوية أفضل من العهود السابقة، فقد حظرت الهوية الكُردية، وازداد الظلم والفقر في المجتمع الكُردي، أدت بنتيجته الى اندلاع العديد من الانتفاضات والثورات. وعندما أعلن سمكو أغا الشكاكي عن إعلان “جمهورية أزادستان” في بداية عشرينيات القرن الماضي قضي عليها بشراسة، أما في عام 1946 وعندما أعلن القاضي محمد عن إقامة “جمهورية كُردستان الديمقراطية” في مهاباد، تم القضاء عليها أيضاً بمساعدة القوات البريطانية والمساندة الأمريكية.  
أثناء الثورة الإيرانية ضدًّ الشاه عام 1979، كان للكُرد دور مميز فيها، وفي إسقاط مؤوسسات النظام في كُردستان، لكون الحركة السياسية الكُردية هناك كانت من أكثر الحركات تنظيماً، وكان الحزب الديمقراطي الكُردستاني بزعامة عبدالرحمن قاسملو يحظى بشعبية واسعة وسط شعب كُردستان، وكذلك عصبة كادحي كُردستان، ورغم ذلك لم يقبل آية الله خوميني أن يشارك ممثل الكُرد عبدالرحمن قاسملو في وضع دستور لإيران، هكذا تم إقصاء الكرد من حقوقهم القومية والسياسية، وعندما رفضت الحركة الوطنية الكُردية الدستور، دفعت الجمهورية الإيرانية الكُرد إلى حمل السلاح والدفاع عن النفس رغم أن قاسملو كان يتجنب الصدام مع النظام، وكان قد بعث لهذا الغرض مندوبين له إلى بعض البلدان والحركات التي كانت لقادتها علاقات حسنة مع قادة الثورة الإيرانيين، وذلك بهدف إيجاد حل سياسي للقضية، وتجنب الحرب، فهو كان دائماً مع الحوار، وفضل الحلول السياسية على الحلول العسكرية، ورغم ذلك وبينما كان يخوض حوارات مع الجانب الإيراني، طالته يد المخابرات الإيرانية في النمسا واغتالته، وكذلك سكرتير الحزب من بعده صادق شرف كندي فيما بعد.
ترتكز السياسة الإيرانية حيال المسألة الكُردية على مناهضة أي حقوق قومية للكُرد. فعلى مستوى إيران ترفض منح أي حقوق قومية لهم رغم أن الدستور الإيراني يقر بحقوق أقوام إيران. ويمارس النظام سياسة تفقير المنطقة الكُردية، والإهمال المتقصد لتنميتها، كما ويستخدم العنف المفرط ضدّ أحزاب الحركة الوطنية الكُردية. أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط، كانت وما تزال تشارك كل من تركيا وسوريا والعراق، حتى في عهد صدام حسين، في تحالفات ولجان مشتركة وصلت إلى مستوى التنسيق بين وزراء الداخلية، استهدفت محاصرة وتخريب وطمس  المسألة الكردية في المنطقة.  
يبدو أن السياسة الإيرانية الحالية إزاء المسألة الكُردية في سوريا وتركيا، والإنفتاح المحدود على مواطنيها الكُرد، لاتتجاوز سوى تكتيك سياسي لمواكبة المرحلة الدقيقة التي تمر بها الشرق الأوسط من تغيرات، محاولة بذلك الخروج منها بأقل تكاليف، والاحتفاظ بأوراق المسألة الكُردية حتى لاتفلت من بين يدها. وقد سبق أن غدر النظام الإيراني بالثورة الكُردية بقيادة مصطفى البارزاني عام 1975 بعد توقيع إتفاقية الجزائر مع نظام صدام حسين. كما يبدو أن تخلي إيران من تخصيب اليورانيوم والتوصل مع مجموعة 5+1 إلى إتفاق ما كانت ليأتي لو لم تحصل إيران على نوع من الضوء الأخضر لنشاطها في سوريا واليمن، ولولا الدعم الإيراني الاقتصادي والعسكري والسياسي لما تمكن نظام دمشق من الصمود على كل هذه المساحة من الأرض السورية. 
هناك ملاحظة جديرة بالذكر هنا، عندما كانت علاقات الاتحاد الديمقراطي مختصرة على سوريا وإيران، لم تكن مواقف الحكومة التركية بتلك الدرجة من الحدية مع ب.ي.د، وكانت تستقبل صالح مسلم، الرئيس المشترك للحزب، مقارنةً مع مواقفها النارية أثناء تحرير كوباني من داعش، وبعد أن تأكد لها بدء تشكل علاقات أمريكية مع قوات حماية الشعب (الجناح العسكري للاتحاد الديمقراطي). يبدو أن تركيا، حينها، قبلت أن تشارك قوات البيشمركة في تحرير كوباني مروراً من أراضيها كي تستبعد التعامل الأمريكي المباشر مع وحدات حماية الشعب. والسؤال المطروح هنا هو: هل ستبقى إيران متفرجة وهذه القوات تخرج من بين يديها، أم أن لها خططها الاحتياطية الخاصة بها؟. 
يبقى من مصلحة إيران الإنفتاح على الكُرد في المنطقة انظلاقاً من نية حسنة، ومن منظار إستراتيجي، لكن، ومع ذلك يبقى المعيار الحقيقي لإنفتاحها على المسألة الكردية في المنطقة، هو مدى إنفتاحها على القضية الكُردية لديها في كردستان إيران، ودون ذلك لايمكن الوثوق بالسياسات الإيرانية.  
  8/12/2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…