عنايت ديكو
– بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة . تُقام في سوريا حفلتان عالميتان ضخمتان ، ” إحداهما ” حفلة شواء ” في حلب … والثانية ” حفلة كومبارس ” في قاعدة الحميميم .!؛ يحضرها رؤساء أغلب الدول العربية والأجنبية والسفراء والقناصل المعتمدين هناك ، وتُنقل وقائع هاتين الحفلتين؛ وبشكلٍ مباشر وحيّ عبر الفضائيات التابعة للأمم المتحدة ومجلس الأمن .
* الحفلة الأولى ” حفلة شواء الحلبية “.!
نيرون العصر يطل برأسه من نافذة قصره الذي بناه من جماجم الأطفال ويضحك ، يضحك على تصادم وقرقعة الجماجم ببعضها بعضاً. وهي تتدحرج على طول الأرض السورية وعرضها . ”
– نيرون العصر … يشرب من الڤودكا إلى حد الثمالة لأربعينية الحسن والحسين: جلدٌ … ولطمٌ … وسادية … ومازوخية في التعامل مع ” روما ” الحلبية وأطفالها وهي تحترق .
– ” نيرونٌ ” … يتمعّن في التواءات وتموجات الدخان المتصاعد من اللحم المشوي الطازج من تحت الأنقاض والمُطعَّم بالنكهات والبهارات الفارسية اللذيذة .
– نيرونٌ … يغمس بأصابعه في مصل دماء الأطفال ويتفحصها قطرة قطرة. أهي صالحة للشرب ووضعها في” كابسولات”؟. أم إنها معارضة وفاسدة في لزوجتها وملوحتها.؟ ويستمر في قهقهةٍ طويلة أخرى قبل أن يرفع أصابعه في نخب الانتصار على الذات السورية.
– قهقهة … ترفع من منسوب تلذذهِ برائحة الدماء واللحم البروستد وطعمه ولعابه المسال الذي يلف الأنياب في كهفِ فمهِ الوحشي . قهقهة تعجز كل مراكز ومدارس الطب والتحليل النفسي والفكري عن إيجاد وصفة وخارطة جينية وبنيوية لها .
– ” نيرون ” يضحك في حلب .! … أجل … سقطت حلب … وسقط معها الرداء الأسود لطرفي الجريمة، وسقط القناع عن القناع. ودخلت المعارضة السورية وبكل تشعباتها وتفرعاتها وفراخها ومن معها ومن يمثلها في الجانب السياسي واللوجستي والعسكري نفقاً مظلماً وقاتماً في الرؤى والطرح والمبادرة والمناورة. خاصة بعد فقدت سيطرتها الكلية على المبادرات والحلول ، والقصف الروسي مستمر وبعنف على مناطق المعارضات في حلب وغيرها. لقد هددت روسيا بمحو مدينة ” حلب ” عن بكرة أبيها مثل سيربرينيتشا وغروزني وحماة وحلبجة وسراييڤو وغيرها، مهددة كل من لا يقبل بها وبمشروعها ومشروعيتها في سوريا، وفي الأخير ، نفذت وعدها ووعيدها. طبعاً بعد حصولها على الضوء الأخضر ومن كل اللاعبين. وبدأت تقصف حلب من المدنيين والأحياء والأموات والحدائق والشوارع والأبنية والأنفاق والقبور والسراديب بلا رحمة ولا هوادة ، ورائحة اللحم والشواء تتعالىٰ، إلى جانب الصمت الدولي والعربي والإقليمي .
– فطوال ” 6 ” سنوات من العنف والعنف المضاد. لم تستطع هذه المعارضات السورية طرح البديل المناسب المتقاطع والمنسجم مع المصالح الدولية؛ وإيجاد مخرجٍ للمعضلة السورية هذه. ولم تجد منفذاً تخاطب من خلاله المجتمع الدولي..!
– لقد أراد المجتمع الدولي من المعارضة السورية ، وخاصة جماعة ” أصدقاء سوريا ” ؛ وطلب منها بتقديم مشروع شامل وكامل لسوريا المستقبل، وطالبها أيضاً بأن تُقدم مشروعها ورؤيتها السياسية الواضحة لسوريا ومن ضمنها لامركزية الدولة والاعتراف الصريح بالحدود الدولية والإقرار بالاختلاف المذهبي والعرقي والديني في سوريا، واستبعاد الفصائل المتطرفة من جسمها المعارضوي، وسن القوانين الإنسانية والحرّيات والتعددية السياسية، والابتعاد عن الإسلام السياسي وغيره .
لكن المعارضة السورية رضخت للراديكاليين وأدارت ظهرها لهذه المطالب، ولم ترتق في برنامجها السياسي إلى مستوى التسويق لمشروعها. وكان آخر مشروع لها وقد قدّمها للمجتمع الدولي هو ” ورقة لندن ” والتي شاهدناها وشاهدها كل العالم بأنها لا تلبي مطالب المجتمع الدولي ومطالب أصدقائها ومطالب جيران سوريا ، وبالدرجة الأولى مطالب السوريين أنفسهم ، فكانت ورقة إسلامية راديكالية بامتياز ، وأحادية الشكل والمضمون وذات لون واحد. واعتمدت المعارضة فيها الدين الإسلامي كمصدر للتشريعات وسن القوانين على ضوئه. وقالت أيضاً بأن اللغة العربية ستكون اللغة الرسمية والوحيدة للجمهورية العربية السورية، إلى جانب الكثير من المطبّات القاتلة لها ومطالباتها المتكررة والديماغوجية بتحرير الجولان وغيرها من فقاعات وطلاسم مبهمة في المشروع . ما أدى في الأخير إلى سحب العالم الغربي البساط من تحت أرجل هذه المعارضة والتي باتت ثقلاً وعبئاً كبيراً على الثورة السورية نفسها، وقطعوا هؤلاء الأصدقاء دعمهم السياسي والعسكري والمادي عن المعارضة السورية ؛ والتي كما أسلفنا بأنها لم تُقدّم ولم ترتق إلى مستوى المأمول والمطلوب والحدث. ولم تقرأ خطورة وضعها ومشروعها المستقبلي بشكلٍ دقيق وشامل و كلي ومسؤول .!.
بينما على الجانب الآخر ، حاول النظام السوري تسويق مشروعه. رافعاً شعار ، الأولوية لمحاربة الدواعشة والمنظمات المتطرفة الإرهابية والتكفيرية وعلى الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي في محاولة لدغدغة المشاعر للمجتمع والشارع الغربي والذي يفضل الديكتاتورية بكل تأكيد على الإرهاب. وعلى ضوء هذا المشروع اشترت روسيا الصمت العالمي وخاصة الصمت التركي تجاه ” حلب ” مقابل تسليم مفاتيح المناطق الكوردية لتركيا وإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية. وسددت روسيا سهامها وبكل عناية ودقة، زمانياً ومكانياً، إلى المرمىٰ الدولي وطلبت من كل الفرقاء التزام الصمت والهدوء، وفرض حالة جديدة على الأرض والجغرافيا . كما حصلت وشاهدنا في حلب وضواحيها؛ وكيف وصلت رائحة اللحم المشوي إلى كل أصقاع العالم بما فيه ذلك أنوف جماعة ” أصدقاء سوريا ” ودهاليز الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، والكل ساكت سكوت أهل الكهف .!
* الحفلة الثانية ” حفلة الكومبارس ” في معسكر الحميميم .
بعد حفلة العشاء الفاخرة والأخيرة في حلب ، توجهت روسيا وعلى وجه السرعة بتوجيه دعواتٍ الى الأحزاب الكوردية السورية في محاولة للقضاء على الديناميات الفاعلة في البيت الكوردي وبناء جدار عازل بين الشعبين الكوردي والعربي، لأن الشارع الكوردي وبحد ذاته يبقى بعداً استراتيجيا للثوار العرب في مقاومة إرهاب النظام وديكتاتوريته . وعلى ضوء هذا ، وجّه الجنرال الروسي ” الكسندر دفورنيكوف ” قائد مجموعة القوى للقوات المسلحة الروسية دعوات للأحزاب الكوردية السورية. دون المرور، أو دون مراعاة خصوصية الشعب الكوردي. ولا الوقوف على ما حققه ويشكله هذا الشعب على الأرض. من كانتوناتٍ وفيدرالية، ومن مؤسسات وحكومات ووزارات وتمثيلات دبلوماسية ، ووحدات عسكرية وغيرها . فالدعوة لم توجه إلى الكورد بالشكل السليم. فهناك مجلسان للشعب الكوردي في سوريا. أحدهما يحكم كوردستان سوريا وله مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ووحدات عسكرية مدربة ووزارات وبرلمانات واقتصاد وجامعات وبترول ، ويُعرف بالـ ” TEV DEM “، والثاني مجلس كوردي معارض لهذه الحكمدارية ويُعرف بالـ ENKS . والشعب الكوردي في سوريا موزعٌ بين هذين المجلسين المذكورين .
ونتيجة لهذا الدعوة الساخرة رفض ” المجلس الوطني الكوردي ” دعوة الجنرال الروسي . ووُصف دعوته بأنها شبيهة بدعوة الجنرال الأمريكي ” شوارتزكوف ” بُعيد حرب تحرير الكويت لعلي حسن المجيد والصحّاف بالمجيء الى ” خيمة صفوان ” المذلة والشهيرة. حيث دُعي العراقيون إلى هناك وقال لهم الجنرال الأمريكي: خذوا هذه الورقة…! ، ونفذوا ما هو مكتوب فيها وبدون اعتراض … نقطة إنتهىٰ .
فهذا لا يعني بأن المجلس الوطني الكوردي يرفض الحوار والجلوس مع الروس ، ويرفض الدور السياسي لروسيا . بالعكس ، ولكنه يفضل اللقاء خارج سوريا وخارج خيمة ” حميميم ” والمخابرات البعثية، ويريد هذا المجلس الكوردي ، الحوار عبر البوابة الدبلوماسية وليست العسكرية والأمنية ، لأن قضية الشعب الكوردي في سوريا هي قضية سياسية بحتة وليست قضية أمنية كما يتصورها هذا الجنرال وغيره . وسبق أن اجتمعت أحزاب المجلس الوطني الكوردي مع المسؤولين من الخارجية الروسية .
– وبين هذه الدعوة وتلك، وهرولة البعض الكوردي زحفاً إلى مطار القامشلو ومنه إلى الحميميم ، ورفض البعض الكوردي الآخر وخاصة من المجلس الوطني الكوردي لهذه الدعوة الرمادية ،.! يبقى الشارع الكوردي في حالة حيرة وترقب ، وعلى هذا يسأل :
– أولاً : لماذا أتت الدعوة من جنرالٍ عسكري وما لا زالت بدلته متسخة بغبار الدمار والقصف والغبار واللحم المشوي ؟. ولماذا لم تأت الدعوة الرسمية من الحكومة الروسية ووزارة خارجيتها؟. .
– ثانياً : لم نسمع أبداً وعبر التاريخ القديم والحديث بأي اجتماع عُقدَ بين العسكري السياسي وجَلَسا سوية وأتت النتائج مرضية في الأخير . فالعسكري لا يُفاوض ولا يقترح ، فالعسكري يُلزمْ ويَأمر .
– ثالثاً : لماذا لم يستلم الجانب الكوردي هذه الدعوة عبر الممثليات الرسمية لحكمدارية فيدرالية الشمال ” الشرعية في موسكو مثلاً أو اوسلو أو باريس ؟ ، علماً لهذه الحكمدارية مكتبٌ للتمثيل السياسي في موسكو وغيرها من الدول وعلمُ هذه الحكمدارية يرفرف عالياً .؟!!!.
رابعاً : لماذا لم يَستلم الجانب الكوردي دعوتين فقط بدلاً من ” 27 ” دعوة ، إحداها لـمجلس TEV DEM والأخرى لمجلس ENKS ؟
– خامساً : كيف يُوجّه هذا الجنرال دعواته لأحزاب المجلس الوطني الكوردي ، ونصف قيادات هذا المجلس معتقلون في سجون الرفاق الآيكولوجيين وهذا الجنرال يعلم بهذا .
– سادساً : برزت أصوات محسوبة على حكمدارية الـ ” PYD ” وجوقتها ، تنادي بعدم ضياع هذه الفرصة الذهبية من الجنرال العسكري الروسي وكأنها نهاية العالم عندما يغيب المجلس الوطني الكوردي عن الحضور، وفي الوقت نفسه يتهمون هؤلاء الأشخاص من الـ ENKS بالخيانة والعمالة والأردوغانية، فما دامت هذه الجماعة خائنة وعميلة ؟ فلماذا تريدون وتطلبون منها الحضور إلى خيمة ” صفوان الحميمية ” يا باش مثقف ؟. أم أن متطلبات لوحة الكومبارس تحتاج الى كل الألوان والأشكال والأحجام .؟
– في الأخير نستطيع القول: إن الأم التي أنجبت حمزة الخطيب ومشعل التمو هي ليست عاقرة وتستطيع إنجاب أخوة وأخواتٍ لهما وإن كان بعد مئة عام .
– فالثورة مستمرة …. ما دام الظلم مستمر .!