أحمد حسن
للثقافة والمثقفين دور هام في حياة الشعوب والمجتمعات لما للمثقفين من دور تنويري في وظيفتهم الاجتماعية والمبادر الى طرح المقترحات وإيجاد الحلول لها والعمل كالبوصلة التي تشير وتدل على الاتجاهات الآمنة والسليمة لإيصال السفينة الى شاطئ الأمان لاسيما في الفترات الحرجة والمنعطفات التاريخية التي تصادف حياة ومسيرة الشعوب كذلك هم حوامل وروافع المشاريع الوطنية والانسانية لما فيه خدمة الشعب والوطن فيتميز بنزعته العقلانية الانتقادية المتمردة المنحازة الى الجماهير والمتسمة بالاستقلالية في اتخاذ المواقف فليس هناك مالا يعنيه في المجتمع بل حسب منظور الفيلسوف ( جان بول سارتر ) عليه أن يدس أنفه في كل شاردة وواردة .فالمثقف معني بالمشاركة الفاعلة في طرح ومناقشة كبريات قضايا المجتمع الأساسية ومحاولة إيجاد الحلول لها بما يخدم المجتمع ويطوره نحو الأفضل وحسب رأي أنطونيو غرامشي ( الفيلسوف الماركسي الإيطالي الذي قضى تحت التعذيب في سجون موسوليني عام 1937 ) أن ما يحكم تعريف المثقف ليس الخصائص الجوهرية لنشاطه الذهني فحسب، بل الوظيفة الاجتماعية التي يؤديها المثقف لمجتمعه.
وعلى هذا فإن مهمة التغيير والتطوير تقع على المجموعة المثقفة والمتعلمة الواعية المدركة لمصلحة الشعب والمجتمع ومن ثم الانتقال من النظريات الى التطبيق والتجسيد العملي من خلال إيجاد واقتراح الحلول لقضايا الشعب الواقعية سواء أكانت اليومية أو المصيرية لا أن يكون المثقف بوقا للسلطة ومجرد مثقف للصالونات المغلقة مستسلما للانهزام الثقافي وعليه فإن المفكر (أنطونيو غرامشي) قسم المثقفين الى نوعين:
أولا: المثقّف التقليدي: هو الذي ينظر بمنظور السلطة الحاكمة أيا كانت الى قضايا الشعب والمجتمع ويعالجها بنفس المنظور وبذلك يمثل فكرا محافظا منبطحا أبدا للسلطة الحاكمة فهم ليسوا أكثر من موظّفين لدى الجماعة المسيطرة ومرتزقة وخبراء في إضفاء الشرعيّة على السلطة الحاكمة.
ثانيا: المثقّف العضوي: هو الذي يتبنى قضايا الشعب اليومية والمصيرية بكل جرأة واستقلالية والقريب من الجماهير والساعي دوما الى احداث التطوير والتغيير المستمر بهدف الإصلاح على كافة الأصعدة (الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ………….) مجسدا وممارسا لفعله الاجتماعي النشط والمؤثر في وجه الظلم والطغيان سواء أكانوا حكاما أو أنظمة أو أحزاب تمارس أو تسعى الى ممارسة التفرد والديكتاتورية ولعلّ أفضل من يمثّل مفهوم المثقّف العضوي، “جان بول سارتر” الفيلسوف الوجودي الذي قال في خضمّ الاحتجاجات الطلاّبيّة الباريسيّة القويّة عام 1968 «لقد شاهدت فرنسا بأكملها شارل ديغول عاريا، ولن نعيد له ملابسه إّلا إذا قبل بالاحتجاجات « كذلك الشهيد المناضل مشعل التمو الذي قال جملته الشهيرة ( ابصقوا في وجه جلاديكم ) في المظاهرات التي قادها مع انطلاقة الثورة السورية ضد الطغمة الحاكمة في دمشق فدفع حياته ثمنا لرأيه وقناعاته اثر اغتياله برصاصات الغدر والخيانة في ( 7 أكتوبر 2011 ) .
وبناء على ما سبق فإن المثقفين الكورد مدعوون للتخلص من دورهم المبتور الذي لا حول ولا قوة له في المجتمع والخروج من قوقعتهم وتجميع قواهم وطرح أنفسهم بكل قوة وجرأة والالتزام بالمعايير القومية والوطنية وقيم الديمقراطية ووضع المصالح العليا للشعب والوطن فوق المصالح الدنيا والشخصية وأن يكونوا القوة الفاعلة والضاغطة والناظمة في المجتمع ففئة المثقفين قوة لا يستهان بها اذا ما قاموا بدورهم المرسوم لهم ولعبوا دورهم المنوط بهم أسوة بالمثقفين العالميين الذين أحدثوا تغييرات جذرية في مجتمعاتهم وأثروا على قرارات ملوكهم وأحزابهم ودولهم أمثال فريديريك نيتشة عند استنكاره للهجوم الألماني الوحشي على فرنسا وجان بول سارتر الذي عارض بلاده واتّخذ موقفا معاديا لحرب فرنسا على الفيتنام و لفكرة جزائر فرنسية متبنّيا رغبة الشعب الجزائرى في الاستقلال ومطالبا بحريّة الشعوب في تقرير مصائرها مدركا أنه سيدفع ثمن مواقفه غاليا. فعلى المثقف الكوردي أن يكون مثقفا عضويا وفق (غرامشي ) وطنيا وكوردواريا ملتزما بقضايا الشعب المصيرية وأن يكون له رأيا مؤثرا ومستقلا نزيها في مواقفه حتى لو كان منضويا في أحد التنظيمات أو منظما في أية مؤسسة كانت ويكون له رأي حر منتقدا الأخطاء والعثرات أينما وجدت لا أن ينكسر قلمه تحت مطرقة هذا الحزب أو ذاك وأن يطغى على قناعاته وأفكاره الحزبية الضيقة والشخصنة المقيتة .
فعلاوة على دوره التنويري عليه أن يكون حاملا لمشروع ورؤية إصلاحية للمجتمع وداعيا الى التغيير والتطوير المستمر ويكون وسيلة ثورية للإسراع في انفجار الحق والعدالة وبالتالي وضع القوى المجتمعية في سكتها الصحيحة ويكون لهم دورهم الجامع واللاحم في المجتمع والمضي قدما بقضية الشعب والوطن الى مراحل متطورة ومتقدمة من الاهتمام الوطني والإقليمي والدولي وبذلك يكون المثقفين الكورد قد عاشوا لشعبهم ووطنهم وبالتالي فهم يعيشون ويموتون وهم عظماء وتخلصوا من دورهم المبتور في المجتمع أما اذا عاشوا لأنفسهم فسيبقون صغارا مهما كبروا.