جان كورد
مرّت عشرة أيام على محاولة الانقلاب العسكري الفاشل، الذي يسميه الترك ب”الضربة”، وذلك لأن الانقلابات السابقة كانت بالفعل بمثابة الضربة على الطموح الوطني لبناء تركيا مستقرة وديموقراطية، حيث كان الآلاف من أبناء وبنات الترك والكورد ومن سائر الأقليات القومية والدينية يتعرضون لدى نجاح “الضربات” العسكرية للاعتقال والتعذيب وللأحكام القاسية التي تحكم بها المحاكم العسكرية، وكان آخر تلك الضربات القوية انقلاب عام 1980 الذي نفذه الجنرال الدموي كنعان إيفرين، وسدد ضربته الأولى لحركة التحرر الوطني الكوردية بوحشية لا مثيل لها.
خلال هذه الأيام العشرة من انتصار النظام الأردوغاني على العسكر ومن وراءهم من الجماعات السرية، وفي مقدمتها جماعة فتح الله غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت له اليد الطولى في المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية، وفي مجال التعليم والتربية على وجه الخصوص، وله ثروة مالية تزيد عن الخمسة مليارات دولار في أمريكا، إضافة إلى امتلاكه الكثير من المؤسسات الدينية والتربوية فيها وفي بلدان العالم الثالث، ظهر واضحاً أن الشارع التركي بوجه عام يرفض أي سيطرةٍ للجيش على مؤسسات الدولة، هذا الشارع الذي لم يرَ في الأيام العشرة الأخيرة سوى اللون الأحمر للعلم التركي في شتى أنحاء البلاد، وكأن المواطنين جميعاً متفقون على أن الأهمية لتركيا مدنية قبل أن تكون لنظام أ{دوغان، وكاد الترك والكورد متفقين على حمل الراية التركية، حتى في كل مظاهراتهم المشتركة في الدول الأوربية، في حين اختفت رايات الأحزاب والكتل السياسية، وخف الحديث عن الخلافات الكبيرة التي كانت تخلق شرخاً كبيراً بين الكورد والترك حتى يوم “الضربة” الأخيرة. وإن بعض الأوربيين اغتاظوا لعدم رفع أي مواطن “تركي” يعيش بينهم علم أي دولةٍ من دول الاتحاد الأوربي، أو علم الاتحاد الذي يطمح الترك إلى الانتساب إليه على الأقل، وكأن هؤلاء الغرباء لا يعيشون في مدنٍ مثل فيينا وباريس وبرلين وستوكهولم ودوسلدوف وإنما في تركيا وحدها.
بعد أن استأصل الأردوغانيون ما سموه بسرطان الغولنجية الخطير، وأطلقوا على مدبر الانقلاب “فتح الله غولن” اسم “الإرهابي” وطالبوا باستعادته من الولايات المتحدة الأمريكية، وكان ثمناً باهظاً، حيث أغلقت مئات المدارس والمعاهد والهيئات والنقابات والجمعيات، وتم تطهير العديد من المراكز الحساسة في الدولة والجيش والإدارة المدنية، وحتى في سلكي التعليم والقضاء فقد شمل التطهير الكثير من الخبرات الهامة، فإن الأردوغانيين يجدون أنفسهم في وضعٍ لا يحسدون عليه، فمن جهة تعتبر الدول الأوربية حملات التطهير التي يقومون بها نوعاً من الانتقام السياسي الذي لا يراعي حقوق الإنسان، ويبعد تركيا عن أصول الدولة القانونية ويفتح المجال لأن يشدد أردوغان قبضته الفولاذية على السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، بحيث يتقدم خطوة أخرى صوب تحقيق حلمه في أن يصبح “السلطان” الجديد بدون منازع أو رقابة على سلوكه وتصرفاته ونهجه، كما أن اصطفاف تركيا منذ المحاولة الفاشلة ليس في صف النظم الديموقراطية، رغم تكرار الكلمة صباح مساء على ألسنة كبار مسؤولي الحكومة التركية وتأكيد الرئاسة عليها في كل خطاب، وإنما تتجه تركيا صوب الحكم التوتاليتاري الذي لن يختلف كثيراً عن نظام الجارة إيران، فيما إذا استمر أردوغان في توسيع إطار سلطته التي تعادي الإعلام الحر مثلما تعادي الجيش تماماً، ففي الأيام الأخيرة تم اعتقال أكثر من مائة صحافي / اعلامي مثلما تم اعتقال المئات من رجال الشرطة/ الجندرمة كذلك، فالنظام يقود حملة على المعارضة بقفازٍ أبيض، وفي الحقيقة لا اختلاف بين أساليبه وأساليب نظام السيسي في مصر أو نظام الملالي في ايران.
بالتأكيد، لا يريد الكورد أن تعود تركيا إلى الوراء وتصبح دولةً ذات نظامٍ توتاليتاري، بعد أن خطت في العقدين الأخيرين خطواتٍ جيدة صوب الديموقراطية. لأنهم سيعانون من جرائمه وعدوانه كما كان عهدهم في السابق، والكورد لن يعملوا من أجل هكذا نظام تحت أي رايةٍ أو آيديولوجية كانت. ولكن تركيا بعد حملة التطهير الواسعة هذه لم تعد تسير على درب الديموقراطية، رغم أن أردوغان يصوّر نجاح نظامه في إفشال الانقلاب كخدمة للديموقراطية، وإن أي دعم لنظام أردوغان في هذه المرحلة لن يكون في صالح النضال من أجل الديموقراطية حسب المعايير الأوربية، كما يلاحظ مختلف المراقبين السياسيين والإعلاميين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بل إن ما يجري الآن لا يختلف في كثير عما جرى في روسيا تحت سلطة القيصر بوتين أو في مصر تحت حكم السيسي، فما العمل؟
أولاً، قبل كل شيء، يجب على الكورد في شمال كوردستان أن يرفعوا علماً واحداً مثلما يفعل الترك، بحيث يظهر للعالم أنهم قوم واحد ولهم راية واحدة، فإن من ينكر أهمية العلم الواحد لا يقل عداوة لوحدة الشعب الكوردي والوطن الكوردي من أعداء الأمة الكوردية. والعلم الموحد هو الذي وصفه الأمير الكوردستاني جلادت بك بدرخان وليس الذي أتى لنا به أنصار الشيوعية، في الوقت الذي تخلى عنه السوفييت وحلفاؤهم بأنفسهم.
ثانياً، يجب على الكورد أن يحسموا مسألة النضال السلمي أو الاستمرار في الكفاح المسلّح، وبرأيي فإن النضال السلمي سيعود عليهم بالفوائد المختلفة، في حين أن الكفاح المسلح لم يأتِ لكوردستان سوى بالخراب والدمار والتشريد والانقسام الذاتي، والدليل على ذلك أن هذا الكفاح المسلح لم يحرر حتى اليوم ضيعة كوردية واحدة، بعد ثلاثين عاماً من الكر والفر.
ثالثاً، يجب على الكورد اثبات أن كوردستان ستكون واحة للسلام والديموقراطية وحقوق الإنسان، وأن الكورد قادرون على بناء وطنٍ يتسع لهم جميعاً ولسائر الأقليات القومية والدينية التي تعيش على الأرض الكوردية، وهذا لا يتحقق من دون الإيمان التام بحرية الرأي، بالإعلام الحر، بحرية التنظيم السياسي – الاجتماعي، بحرية العقائد، وبالحرية الاقتصادية التي يكفلها قانون خاص يلقى الاحترام من قبل سائر المكونات التي تتعايش في ظل توافق وطني شامل، إلى أن يتمكن الكورد من وضع دستورٍ ينظم حياتهم السياسية والتشريعية.
رابعاً، على الكورد أن يكافحوا معاً كل بادرةٍ إرهابية في وطنهم، إذ لا يمكن النضال من أجل الحرية والديموقراطية، وتجاهل ما تقوم به بعض التنظيمات التي تتلقى الأموال والسلاح والأوامر من جهات خارج كوردستان تسعى لتقويض ما ينجزه الكورد من أجل مستقبلٍ مزدهر على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
خامساً، يجب على الكورد إيجاد خطاب سياسي موحد بصدد التعامل مع الحكومة المركزية في أنقره، بهدف التوصل معها إلى حلول جادة لمشاكل تركيا وكوردستان، ووضع خطة طريق لحل المشاكل الصعبة، دون الاستهانة بقوة الدولة التركية أو بالحق القومي الكوردي، وهذا لا يتم عن طريق حزبٍ أو اتجاه سياسي واحد، وإنما عن طريق طرح وطني أو قومي مشترك، تساهم فيه مختلف القوى الكوردية العاملة على ساحة شمال كوردستان.
سادساً، وأخيراً لا بد من تسخير كافة الطاقات الكوردستانية والقوى المحبة للحرية والسلام والمنظمات العاملة من أجل حقوق الإنسان وسواها من القوى الداعمة والفاعلة في عالم الحرية والديموقراطية للضغط على الحكومة التركية في سبيل انتزاع الحق القومي العادل لشعبنا، وفي الوقت ذات لإرغام القوى الساعية لتقويض السلام والتقارب الكوردي – التركي، وهي على الأغلب ذات ارتباطات مع الدول المقتسمة لكوردستان والمعادية للديموقراطية في تركيا وكوردستان.
سابعاً/ من أجل ترتيب البيت الكوردي في شمال كوردستان، لا بد من مؤتمر جامع وشامل لهم على غرار مؤتمر “خويبون” لعام 1927 يضع الأسس الثابتة لعمل كوردستاني مشترك ويلفت انتباه العالم إلى الموضوع الكوردي في شمال كوردستان.
25 تموز، 2016
kurdaxi@live.com
http:/cankurd.wordpress.com
facebook: Cankurd1