المجلس الوطني الكردي .. والقرار الصائب

مصطفى أوسو
أثارت التشكيلة الوزارية للحكومة السورية المؤقتة، التي قدمها الدكتور جواد أبو حطب، لاجتماع الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، المنعقد في اسطنبول / تركيا، يومي 11 و 12 تموز 2016 ونالت الثقة بـ ( 68 ) صوتاً من أصل ( 100 ) صوت، ردود فعل سلبية وامتعاضاً لدى العديد من مكونات المجتمع السوري ( الكرد، السريان، المرأة )، بسبب تمثيلهم فيها.
المجلس الوطني الكردي، عقد اجتماعاً استثنائياً لدراسة هذا الوضع، قرر في نهايته، عدم المشاركة في هذه الحكومة التي تعمل ضمن منطقة جغرافية محددة وهي محافظة ادلب وريفها، ولا تشمل كل المناطق السورية، وحسب حيثياته، فإنه جاء رداً على التصرفات العنصرية حيال المكون الكردي لرئيسها الدكتور أبو حطب، المكلف بتشكيلها من قبل الائتلاف الوطني السوري في وقت سابق، لعدم مشاورته ممثلي المجلس الوطني الكردي حول تشكيلته الوزارية وخلوها من أي وزير يمثله، باستثناء تركه موقع نائب رئيس الحكومة للشؤون المالية والاقتصادية شاغراً، مدعياً أنه للمجلس الوطني الكردي، وهو منصب شكلي لا يقدم ولا يؤخر في الأمر شيء.
قرار المجلس الوطني الكردي بهذا الاتجاه، كان جيداً، لا بل أنه كان ملحاً وضرورياً، ولكنه باعتقادي لوحده لا يفي بالمطلوب ما لم يرافقه وقفة جدية من قبل المجلس على العلاقة الثنائية بينه وبين الائتلاف، التي تحكمها وثيقة مكتوبة منذ أب 2013 دون أن تغادر رفوف خزائن الائتلاف وترى بنودها السياسية النور، وإعادة تقييم هذه العلاقة ودراستها بموضوعية على ضوء معطيات مرحلة العمل المشترك السابقة.
وإذا كانت تصرفات د. أبو حطب عنصرية تجاه المكون الكردي في تشكيلته الوزارية هذه، حسب قرار المجلس الوطني الكردي، فماذا يمكن أن نسمي تصرف الائتلاف الوطني السوري، وهو يبارك ويعطي الثقة لهذه الحكومة، بنسبة كبيرة من الأصوات، حيث لم يصوت لها فقط ( 21 ) عضواً، عدا ( 11 ) صوتاً للمجلس الوطني الكردي الذي قاطع التصويت، ومع احترامنا الشديد لكل الذين لم يصوتوا على إعطاء الثقة للتشكيلة المقترحة، ألا أن الشيء الأكيد أنه ليس جميعهم محتج، ولم يصوت بسبب تهميش الكرد والتضامن معهم.
مواقف الائتلاف الوطني السوري، من الشعب الكردي في سوريا وحقوقه القومية، كانت سلبية منذ تأسيسه في الدوحة 2012 وحتى انضمام المجلس الوطني الكردي إليه في آب 2013 حيث أصدر بعد ذلك بساعات قليلة ما يسمى بـ ” قانون السيادة الوطنية ” للالتفاف على الوثيقة الموقعة بين الطرفين، والتي لا تمثل سوى الحدود الدنيا لطموحات وآمال الكرد في سوريا، لا بل أن هذه المواقف السلبية تقاطعت إلى حد كبير في سياساته وتصريحات الكثير من شخصياته ورموزه، مع مواقف الزمرة المجرمة الحاكمة في البلاد.
لقد كان هناك مبررات قوية لانضمام المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف الوطني السوري، فرضتها طبيعة المرحلة وضروراتها، وهي العمل في جبهة واحدة لإسقاط نظام القمع والإجرام وإنهاء الاستبداد، وبناء سوريا ديمقراطية تعددية، يتمتع فيها جميع أطيافها ومكوناتها القومية والدينية والطائفية والمذهبية بحقوقها القومية والوطنية الديمقراطية، ولكن وبكل أسف فشل الائتلاف حتى الآن في صياغة رؤية سياسية لمستقبل سوريا، تطمئن كافة أبناء الشعب السوري، وتجسد تطلعاتهم في الحرية والديمقراطية، وتصون حقوقهم حرياتهم الأساسية.
المبررات التي فرضتها طبيعة المرحلة السابقة، بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً، خاصة بعد أن أظهر الائتلاف أنه غير ملزم بالدفاع عن توقيعه على وثيقة المجلس الوطني الكردي، وتجسيد بنودها على أرض الواقع. وقد ظهر هذا الأمر بوضوح في الاجتماع الموسع للمعارضة السورية في الرياض أواخر العام الماضي، وكذلك في مفاوضات جنيف 3 حيث خلا بيان الرياض ووثائق المعارضة المُسلّمة للمبعوث الدولي الخاص إلى سوريا السيد ستيفان ديمستورا، من المطالب الكردية. 
لا بد للمجلس الوطني الكردي، إن كان يريد التصالح مع نفسه وإعادة الاعتبار لجماهيره ولخطه القومي والوطني الديمقراطي، من إجراء مراجعة نقدية لجميع سياساته وممارساته في جميع المجالات، وإعادة دراسة وتقييم علاقته مع الائتلاف الوطني السوري، بتأن وموضوعية، على ضوء الخط السياسي للائتلاف ومواقفه السلبية المتراكمة تجاه الكرد وقضيته القومية في سوريا، ودراسة هذه المسائل والقضايا من الآن وحتى انعقاد مؤتمره القادم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين اثار الأستاذ مهند الكاطع، بشعاره “بمناسبة وبدونها أنا سوري ضد الفدرالية”، قضية جدلية تستحق وقفة نقدية عقلانية. هذا الشعار، رغم بساطته الظاهرة، ينطوي على اختزال شديد لقضية مركبة تتعلق بمستقبل الدولة السورية وهويتها وشكل نظامها السياسي. أولاً: لا بد من التأكيّد أن الفدرالية ليست لعنة أو تهديداً، بل خياراً ديمقراطياً مُجرّباً في أعقد دول العالم تنوعاً. كالهند،…

د. محمود عباس بصوتٍ لا لبس فيه، نطالب الحراك الكوردي في غربي كوردستان بعدم التنازل، تحت أي ظرف، عن مطلب النظام الفيدرالي اللامركزي، وتثبيته بوضوح في صلب الدستور السوري القادم. فهذا المطلب لم يعد مجرد خيارٍ سياسي ضمن قائمة البدائل، بل تحوّل إلى صمّام أمان وجودي، يحفظ ما تبقى من تطلعات شعبٍ نُكّل به لأكثر من قرن، وسُلب…

كفاح محمود   لطالما كانت الحرية، بمختلف تجلياتها، مطلبًا أساسيًا للشعوب، لكنّها في الوقت ذاته تظل مفهومًا إشكاليًا يحمل في طياته تحديات كبرى. ففي العصر الحديث، مع تطور وسائل الاتصال وانتشار الفضاء الرقمي، اكتسبت حرية التعبير زخمًا غير مسبوق، مما أعاد طرح التساؤلات حول مدى حدود هذه الحرية وضرورة تنظيمها لضمان عدم تحولها إلى فوضى. وفي العالم العربي، حيث تتفاوت…

إبراهيم محمود   بداية، أشكر باحثنا الكردي الدكتور محمود عباس، في تعليقه الشفاف والمتبصر” في مقاله ( عن حلقة إبراهيم محمود، حوار مهم يستحق المتابعة ” 11 نيسان 2025 “. موقع ولاتي مه، وفي نهاية المقال، رابط للحوار المتلفز)، على حواري مع كاتبنا الكردي جان دوست، على قناة ” شمس ” الكردية، باللغة العربية، في هولير، ومع الشكر هذا، أعتذر…