قُروضُ المًوتِ في الشّمالِ السوريّ المُهمّش أو الصيحةُ الواحدةُ لا غير

آزاد عنز
تَرجَّلَ الصباحُ بفيضهِ الثقيلِ المتِّزنِ بخياله ، و أسدل يقينَ نوره على يقين المدينة في استئذانٍ مهذبٍ للمساء المهزومِ المنصرم ،
فالصباحُ نعمةُ الوجودِ العاقلِ في استدراجِ النهارِ من جحره على رقعةٍ نائمةٍ على فراشٍ ليليِّ يتهيأ للرحيل بهدوء ،
و يبقى الصباحُ لذّةَ البصرِ في انتقاء اللونِ والصّوَرِ و تحصيلِ المشيئةِ من العماءِ الكليِّ المُطلق . 
رقعةٌ مهمشةٌ في أقصى الشمالِ السوريِّ ، أسيرةُ المنفى تتكئ في اتزانها على لغةٍ مَنفيةٍ من جسدها النحيل  تتلاعبُ بها الرياح في قذفِها من كينونتها الكرديةِ في توصيفٍ لتجريد الكرديِّ من بلاغةِ لغةٍ و تجريده من هويةٍ أثقلتْ لسانَ حالِه للنّطقِ بحروفٍ كُرديةٍ في حضن غيرِ الكرديّ 
فاللغةُ إرثُ الخَلَفِ الخالصِ من خَلَفِ الخَلَف إلى السلف الموعودِ في ضيافةِ أبجديةٍ غيرِ مُخفًقة ، و تدريبُ النطقِ على استدراج الحروفِ تائهةً من أقصى الشمال إلى أقصى الشمال في الركن المظلمِ من البُقعة السوريةِ
ساحةِ النزاعاتِ المُمكنةِ من مثاقيلِ الحسابات الكبرى في الفراغ الأكبر لتصريف الأجساد إلى اللاوجودِ الخفيّ في انتظارِ موتٍ محتومِ بتوكيلٍ لطيفٍ للسوريّ في محرقةِ السوريّ للسوريّ على الأرضِ السورية
استفاقت المدينةُ بصَخَبها المعتادِ بعدَ أن جرّدت عن كاهِلها ثِقْلَ الليلِ و هي لا تدركُ أنّ النورَ الهشيمَ لن يكونَ إلّا مَصيدةً تتقفى آثارَ أرواحٍ أبتْ أن تتخلى عن أجسامٍ تَكِنُّ للأرواح المستورة في ظلها نعيمَ الحياة .
هرولتْ بعجلاتها الثقيلةِ الدافئةِ على الطريق الممتدِ بين عَدَمِ الكرديّ و أزلهِ في غربِ قامشلوكي المدينةِ المبتسمةِ أبداً بابتسامة أبنائها المُستكينين ، هرولتْ في عجالةٍ إلى الهدفِ المنشودِ في ركنِ المدينةِ نيّةً منها لإيصال الموتِ إلى أرواحِها النائمةِ على أَسرّةٍ تنقُصُها الحكمةُ في تعيينِ علومِ اليقظةِ و النوم .
صيحةٌ واحدةٌ أطلَقَها من باطن حُنجرَته إلى الفضاء المُعلَن و تَشَهّدَ على روحهِ المغلوبةِ على أمرِها  في يقين ٍ منه أن الصيحةَ لن تكونَ إلا مفاتيحَ  يَفكُّ بها أقفالَ الفردوسِ الموعود لإيداع رُوحِه رهينةً في جِنانِها،
صيحةٌ واحدةُ لا غير كانت كافيةً لنحرِ المدينةِ من غربِها في دلالة واضحةٍ لإسكات حنجرتِها التي كانت تُعاني من إيصالِ صوتِها إلى الهيئةِ الموكولةِ توزيعَ حَصرِ الإرثِ على الأعراق .
تهافتَتِ الجُدرانُ على ساكنيها و انقلبت موازينُ الهندسةِ في المساحة المعلنةِ من المدينة ليسقطَ السَّقفُ المتواطئ مع الصيحةِ و يتحولَ إلى أنقاضٍ تعلو الركامَ شَعَرة ،
ركامٌ يَطحنُ الأجسادَ تحتَ حجارتِها الثقيلةِ و هي تَصرخُ ملءَ صوتِها ناجيةً جسداً آخرَ شريكاً لها في المِحنة لرُبما كان الحجرُ يُخفي في ضميرِه رحمةً لجسدٍ لم يُطحنْ بعدُ .
و في مشهدٍ آخرَ يَعلو المشهدَ الأولَ ثلاثةَ أمتار في علوم تقييدِ المقاييسِ للأبنية جسدٌ مُنهكٌ تحتَ نَقضِ الفجيعة المُبرَمَة مع الصحية الدخيلةِ ، 
جسدٌ غيرُ مَعلومِ المظاهرِ لطفلٍ لم ينجُ من الفجيعةِ سِوى باطنُ قدَمِه اليُمنى وهو مغروزٌ في الركامِ من الساقِ الموصولةِ بها ليبقى باطنُ القدمِ شامخاً يمازح السماء ، 
الطفلُ الذي تؤولُ إليه ملكيةُ القدمِ كان سيروي لِمِلًّةِ آدمَ الباقيةِ من حصةِ الكرد ميراثَ الفجيعةِ التي فَصَلتْ قدمهُ عن جسده .
أمّا في الجهة المقابلةِ من المشهدين نصفُ غُرفةٍ لا تزالُ معلّقةً في دلالةٍ على عدم رغبتِها في السقوط ، يتوسطُها أريكةٌ لامرأة كرديّة كانَت تستلقي بجذعِها الممتلئ على ظاهرها في مناضلات الجماع لاستيراد الكُردِ من رحمها كي تملأَ صيحاتُهم أصقاعَ العالمِ بمحنتِهم الأزلية ،
انتهَت الفجيعةُ في غَربِ المدينةِ و لا زَال نصفُ الغرفةِ معلقة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…