فوبيا انفصال الكرد 1/2

د. محمود عباس
 من علامات القيامة، والتي سهى عنها فقهاء ومشايخ الإسلام، ظهور الكرد على الساحة الدولية، والمطالبة بحقوقهم، وهي ما تحير القوى الإقليمية، وشريحة واسعة من المعارضة الافتراضية، وحتى أولئك الذين يتباكون على الوطنية السورية. فما بين العلامة الإلهية، ومطالب الكرد بحقه مساواة بالشعب العربي أو التركي أو الفارسي، مسافات فكرية لا تتقبلها مداركهم، ولا يتجرؤون البحث فيها بالأبعاد الإنسانية، وسهوا عنها بربطها بالأبعاد الإلهية، فأصبح الموجود المترسخ في ذهنهم صورة ترعبهم في نومهم ويقظتهم، ولا يملكون قدرة التخلص منها، فصورة (الكرد والانفصال) فوبيا مرضية لا يريدون العلاج منه، يضخمونها مثلما يضخم المرضى النفسيون آلامهم لجلب اهتمام الأخرين لذاتهم.
هاجس يلازمهم، وليس للكرد فيه ذنب، فهو وباء أبتلي به أعداءهم، ويحاولون  إلهاء شعوب الشرق به، إلى أن أصبح الكابوس الذي يراود شريحة واسعة من الحركتين الثقافية والسياسية للأنظمة المستعمرة لكردستان، وهي نتيجة من نتائج التكوين الشاذ للدول المسمى جدلاً بالوطن العربي، بجغرافيتها وتقسيماتها العشوائية، وانفصال سلطاتها وصراعاتهم بين بعضهم إلى حد العداوة، والذين كانوا وراء تشكيل الأحزاب الشمولية والمذهبية في الدول العربية وتركيا وإيران، وحتى ذات الانتماء القومي، المتضاربة إلى حد الكراهية، والعاملة بدون تهاون على نشر الهاجس المرضي بين شعوبها، والتي حاولت بشكل دائم إبعاد الشعب العربي عن الاستقرار والعيش الإنساني مع الشعب الكردي. قد يكون لمرضى فوبيا الانفصال الكردي الحق بعد الواقع المذري الذي يعيشونهم فيها سلطاتهم الاستبدادية، الشك في غياب علامة القيامة هذه، والحيرة من فقهاءهم بعدم إدراج ظهور أسم كردستان على المحافل الدولية كعلامة من علامات نهاية البشرية!
  وجه الغرابة في القوى المعادية للكرد، والشخصيات التي تبيع الوطنيات على أكتافهم، نفورهم من معرفة أو سماع صوت الحق والمنطق، حول حق الكرد في المطالبة بتقرير مصيره مثله مثل أي شعب يعيش على وجه الأرض، لأنهم في المحاكم الإنسانية والإلهية أيضاً، ستوجه إليهم أصابع الاتهام بالعنصرية إلى حدود الجريمة، والكرد آخر من يمكن اتهامهم في هذا الحيز المرضي، وعلى راسهم حركاتهم السياسية والثقافية، والتي لم ترفع يوما شعاراً انفصاليا، ولم تطالب ومن بداية نشوئها وحتى اللحظة مطلباً عنصرياً، ولكن ولأن السلطات الاستعمارية مبتلية بوباء ذاتي، فهذه المجموعات، المدعية بالمعارضة وخدم البلاط وعلى رأسهم شريحة الحكام لا تتمكن من الخلاص من فوبياها المرضية، وهذه لا تعني بانه لا يحق للكرد الابتعاد عن هؤلاء المرضى، والمهووسون، والمتلونون بألف شكل وشكل، من القومية العنصرية إلى الوطنية المزيفة إلى التكفيريين، والأنواع المتعددة من الإسلام السياسي العروبي الفارسي العثماني، وغيرهم.
    تخلت الشريحة الثقافية والسياسية العروبية عن العربية وأغرقت ذاتها، أو دفعت بها إلى المستنقع العنصري، وبها خسرت ذاتها وشعبها، وخسرت الشعوب الإسلامية في العالم الإسلامي، وأصبحت تابعة وعلى مدى ستة قرون وأكثر للإمبراطورية العثمانية. وكان الأولى بها أخذ التجارب من الماضي، ولكن لأن التاريخ الإسلامي أغرق في التزوير، والتلفيق، فأصبح ماضيهم لا يعطيهم سوى تجارب فاشلة، وتخرج النتائج سلبية، وعوضا عن يصبحوا من ضمن أمة ووطن تبحث عن كيفية الاستفادة من الحضارات المجاورة بالطرق السلمية والتعايش الإنساني، تتعمق فيهم ثقافة الحقد والكراهية تجاه الآخر. وكلما ازدادت عنصريتهم، ومهاجمتهم على الشعوب الأخرى، كلما خسروا مجدهم المبني تحت خيمة الإسلام. 
  وفي الواقع الحركة الثقافية العروبية وسياسييهم، لكونهم يحملون في ذاتهم الثقافة الملائمة، يخدمون شريحة أكثر نفاقا وانتهازية منهم، فبثت وتبث إليهم الخطط العنصرية، والتي خسروا من ورائها القدس، أو تم بيعها، قبل أن تظهر إسرائيل، إلى الرأسماليين اليهود من قبل المنافقين العروبيين المستخدمين لهذه الشريحة المعادية للأخر، ونصبوهم على رأس أكبر كارثة تحل بالشعوب المتواجدة في الدول العربية كشعوب سوريا والعراق وغيرهما، ومن ضمنهم الشعب العربي، وهم اليوم وراء التصعيد الجاري ضد الكرد والشعوب الأخرى ضمن الوطن الافتراضي العربي. 
 وللخلاص من محاكمة شعوبهم لهم، يحاولون تقديم خدمات باسم العروبة، فلا تتفتق ذهنهم عن مجال إنساني أو حضاري، وتنقصهم القدرات الأخلاقية والنفسية الضرورية إلى جانب القدرات الأخرى لتكوين أوطان بدساتير حضارية تعترف بحقوق جميع الشعوب دون تمييز، فيعوضون عنها بمهاجمة الشعوب الأخرى، وخلق الصراع معهم، وهي ثقافة لا تزال مترسخة من عصر غزوات القبائل العربية الجاهلية الأولى، حيث الصراع مع العشيرة المجاورة، ولا يدركون بأن هذه الأساليب، وفي عصر الحضارة هذه، تزيد من كراهية الشعب العربي لهم قبل الشعوب الأخرى، وإن لم تكن قادرة على محاكمتهم اليوم، فإن غدا لناظره لقريب، سيلعنون وهم في قبورهم، لأن ما يفعلونه ستؤدي إلى ضمور الجغرافية المسماة جدلا بالعربية، وتراجعها إلى نفس البقعة التي خرجت منها القبائل العربية الجاهلية، والشعوب في الدول الأخرى ستعيد تكوين ذاتها و تنقية وإحياء تاريخها، وهم المذنبون في الأول والأخير فيما يحدث للشعب العربي من تدمير، وللشعوب الأخرى في الدول العربية من نهوض، والتي يجب أن تجد ذاتها محظوظة أمام مواجهة هؤلاء العنصريين، وأساليبهم الغارقة في الجهل قبل الحقد. 
  مطالب الكرد في حاضره لا تتجاوز الفيدرالية، يطرحونها على هذا المقاس السياسي، ليست رهبة؛ ولا خوفا؛ ولا خجلاً، بل نابعة من أنه المطلب الواقعي والمتلائم مع المرحلة الجارية وتعكس التفكير بمنطق، ووضع الحلول النموذجية لواقع الحال،  ويجدونه كأفضل الحلول لعلاقة الشعوب ببعضها ضمن الحدود الجغرافية المفروضة عليهم العيش ضمنها بدون إرادتهم، وفي الدول التي لم تكن لأي منهم رأيا أثناء تشكيلها، والتي يطبل لها المستفيدون والمحتكرون، تحت غطاء الوطن، لأنها تلبي طموحاتهم ونزعاتهم الاستبدادية، واصبحوا يتقبلون ولاداتها القيصرية الشاذة، ولا يريدون تصحيحها، مضخمين في الشعارات الوطنية، المقاسة على نهجهم ومفاهيمهم، والتي يطرحونها ولا يعملون على أسسها، فتخرج مشوهة أكثر من فوبيا الانفصال ذاته…
يتبع… 
  
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
9/2/2016م
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…