موقف الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا من وثيقة الهيئة العليا للمفاوضات

نشرت الهيئة العليا للمفاوضات رؤيتها للحل السياسي في سوريا التي تمثل وفق مفهومها تصورها للعملية التفاوضية، وللمرحلة الانتقالية وللأسس العامة التي ينبغي أن يقوم عليها النظام السياسي الجديد لسوريا المستقبل، والضمانات القانونية التي تحمي خيارات الشعب السوري. ففي الجانب الوطني السوري تعتمد الرؤية آليات الحل السياسي بدءاَ من المبادئ العامة التي تشكل الأساس النظري لسوريا المستقبل. حيث أن ما جاء في الوثيقة لا يطمئن السوريين بل على العكس تزيد من حالة الاحتقان وعدم الثقة بين المكونات القومية والدينية وخاصة الكرد والسريان والدروز والعلويين. إذ تقتصر الرؤية على جزء من المكون السني العروبي الإسلامي من خلال تهميش العلمانيين والديمقراطيين, دون الأخذ بالاعتبار مواقفهم وأفكارهم وتصوراتهم لسوريا المستقبل والنظام السياسي الذي يجب أن يتم التوافق عليه من قبل السوريين على طبيعته , وتطرقت الهيئة العليا للمفاوضات للمرحلة الانتقالية التي تمتد لفترة سنة ونصف وتبدأ فور توافق طرفي التفاوض على المبادئ الأساسية للعملية الانتقالية وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي التي تستوجب رحيل الأسد، وكأن طرفي التفاوض (النظام – الهيئة العليا للمفاوضات) هم الممثلون الشرعيون والوحيدون للشعب السوري دون أي اعتبار للمكونات القومية والدينية في البلاد هذا من جهة، كما أن المجتمع الدولي لا يضع شروطا لبدء المرحلة الانتقالية من جهة أخرى.
كما أن الوثيقة تشير إلى مجموعة المبادئ الأساسية للنظام السياسي المستقبلي في سوريا، وتؤكد على استقلال سوريا وسيادة أراضيها، وعلى الدولة متعددة الأحزاب، متناسية عن عمد أن سوريا دولة متعددة القوميات والأديان. 
الوثيقة التي تعتبرها الهيئة العليا لبناء منظومة حكم جديدة تتغافل بشكل متعمد التمثيل العادل لسائر أبناء الوطن والتعدد الديني والقومي، وتعالج الوثيقة في مكان آخر القضايا المجتمعية من خلال إطلاق حوار وطني شامل، وتطبيق العدالة الانتقالية، وصيانة حقوق المواطنين المشروعة ضمن إطار الهوية الوطنية الجامعة والوطن الواحد، فكيف يمكن تحقيق هذه الهوية الوطنية الجامعة بإقصاء أغلب مكونات المجتمع السوري من المشاركة في بناء هذه الهوية التي يصبو إليها معدوا الوثيقة . 
في معرض تناول الوثيقة للمبادئ الأساسية التي يلخصها ” بأن سوريا جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية، وتمثل الثقافة العربية الإسلامية معينا خصبا للإنتاج الفكري والعلاقات الاجتماعية بين السوريين على اختلاف انتماءاتهم الاثنية ومعتقداتهم الدينية حيث تنتمي أكثرية السوريين الى العروبة وتدين بالإسلام ” يظهر بجلاء تفتح ذهنية أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات على العقلية الشوفينية العروبية والإسلامية، متناسين أن في سوريا قوميات وأديان أخرى وأن هذا التوجه لا يساهم في بناء سوريا جديدة خالية من الاضطهاد والتمييز القومي والديني، بل أن هذا التوجه لدى الهيئة العليا للمفاوضات أسوأ بكثير من عقلية وذهنية حزب البعث الحاكم الذي كان ينادي بالعلمانية على أقل تقدير. 
وفي البند الثاني من المبادئ العامة تؤكد الوثيقة على استقلال سوريا وممانعة الهيئة لأي محاولة لاقتطاع جزء من أراضيها أو التخلي عنه. وهنا لابد من توجيه السؤال لأعضاء الهيئة أي من مكونات المجتمع السوري طرحت فكرة اقتطاع جزء من سوريا؟!، وهنا نتذكر التهم التي كانت توجه للمعتقلين السياسيين الكرد أمام محكمة أمن الدولة السيئة الصيت في زمن البعث ( بمحاولة اقتطاع جزء من سوريا ) وكانوا يحاكمون دون وجه حق على هذه التهمة السخيفة. فهل السادة أعضاء الهيئة العليا تذكروا ماضيهم البعثي؟. يبدو أن الأمر كذلك، ويؤكد البيان على ” أن الشعب السوري هو مصدر السلطات، ويقوم نظامه الأساسي على أساس الممارسة الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة والمواطنة التي تساوي بين جميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم القومية والدينية، ويضمن التمثيل المتساوي للمواطنين…” دون أن يكلف السادة أنفسهم عناء الإشارة الى المكونات القومية والدينية في البلاد. وفي البند الخامس الخاص بالعقد الاجتماعي الذي يركز على المواطنة وصيانة الحريات العامة والفردية يخلوا من الإشارة إلى الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي والسرياني الذي من المفترض أن تكون بنودا فوق دستورية لأن حقوق الشعوب لا تخضع للاستفتاء أو أخذ رأي الأغلبية كما تؤكد الوثيقة في بنود لاحقة 
وفي البند السابع فإن الوثيقة تؤكد على رعاية الحقوق الثقافية والدينية المشروعة لكل المكونات في إطار وحدة الدولة والشعب، وهذا يذكرنا بمقولة البعث المشهورة والتي اعتبرت نفسها قائدا للدولة والمجتمع، وكأن القضايا القومية للشعوب غير العربية هي قضايا ثقافية ولغوية ليس إلا. كما تفتقت الذهنية الشوفينية لدى معدي الوثيقة ببناء نظام يعتمد اللامركزية الإدارية للتهرب من استحقاقات المرحلة المقبلة التي يعرف القاصي والداني بأن الدولة الفدرالية – الاتحادية هي الضمانة الوحيدة، والسبيل الأمثل لبناء نظام سياسي ديمقراطي يتمتع فيه جميع السوريين بحقوقهم كاملة حتى يتحقق الاستقرار والأمن في سوريا المستقبل، ونعتقد بأن التجربة العراقية خير مثال على ذلك.
كما أن الوثيقة تغفل عن قصد ” مشاركة المكونات غير العربية في المرحلة الانتقالية، واعتبار ذلك مشاركة شعبية، وكذلك أخذ القرارات بالتوافق، وفي حال تعذر ذلك يُتخذ القرار بأغلبية الثلثين “. ما يؤكد بأن التوافق لن يحصل على الإطلاق مع هذه المفاهيم والمبادئ التي وضعتها الهيئة، وبالتالي فإن اللجوء الى التصويت سيكون سيد الموقف في جميع الحالات، ويتم إقصاء المكونات القومية والدينية من المشاركة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
وفي البند 12 تدعو الوثيقة إلى إلغاء قرارات الاستملاك دون التطرق إلى القرارات المجحفة التي طبقت بحق الكرد في العقود المنصرمة وخاصة قرارات لجنة الاعتماد وقرارات الإصلاح الزراعي التي جردت مئات الآلاف من العوائل الكردية من حق التملك والانتفاع، عدا عن ذلك فإن اراضيهم الزراعية مُنحت للعرب المغمورين الذين استقدموا من محافظتي الرقة وحلب. وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة تعويض المتضررين من السياسات والمشاريع الشوفينية التي طبقت بحق الكرد وخاصة مشروعي الحزام العربي والإحصاء الاستثنائي، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه في السابق من جميع النواحي. 
في مجال بناء الجيش الجديد لم تشر الوثيقة الى مشاركة المكونات الأخرى في بنائه، وعن تخصيص المقاعد في هيئة الحكم الانتقالي، وضمان تمثيل سائر مكونات الهيئة العليا، وكأن الهيئة العليا هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري دون أن تشير الوثيقة إلى تمثيل سائر مكونات المجتمع السوري، كما أن الإشارة إلى الحقوق اللغوية والثقافية إشارة ممسوخة وتعتبر القضية الكردية قضية ثقافية وكأنها ليست قضية 4 ملايين مواطن سوري.
إن قراءة سريعة لوثيقة الهيئة العليا للمفاوضات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الذهنية الشوفينية هي التي لا تزال تسير أعضاء الهيئة، وأن اعتبار سوريا جزء من الوطن العربي، واعتناق الأغلبية للدين الإسلامي تأكيد على استنساخ تجربة البعث بشكل ممسوخ.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل يستطيع هؤلاء إيصال الشعب السوري إلى بر الأمان، وتحقيق السلام في البلاد بهذه العقلية ؟. والجواب بطبيعة الحال هو النفي، لأن إقصاء وتهميش أغلبية الشعب السوري من المشاركة في بناء النظام الديمقراطي ليس عامل اطمئنان لدى هذه الشرائح وقطاعات المجتمع السوري، وهذا ليس في مصلحة أحد من أبناء الشعب السوري. 
إننا في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا نعتقد جازمين بأن الحل السياسي هو الخيار الوحيد أمام السوريين – وكان هذا راينا منذ بداية الأزمة وحتى اليوم – للخروج من نفق الحرب الأهلية، والدمار والتهجير الذي يتعرض له السوريون، وأن الحل يجب أن يستند برأينا على بعض الركائز:
أولها: البدء بحوار بين النظام والمعارضة ( الممثلين الحقيقيين لمكونات الشعب السوري ) دون قيد أو شرط.
ثانيا: العمل مع المجتمع الدولي على محاربة الإرهاب، وتخليص الشعب السوري من براثنه وجرائمه.
ثالثا: التأكيد بأن مستقبل سوريا يكمن في بناء نظام ديمقراطي، وإنصاف المكونات التي لحق بها الغبن في المراحل السابقة، وأن الدولة الاتحادية هو الخيار الأفضل لسوريا المستقبل، ولمستقبل العلاقات بين المكونات المختلفة في سوريا.
رابعا: الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي وفقا للعهود والمواثيق الدولية، إضافة إلى الاعتراف بالحقوق القومية والديمقراطية للشعب السرياني الآشوري سيساهم في استقرار البلاد وتطوره على طريق الديمقراطية. 
خامسا: نزع سلاح الميليشيات بمساعدة الدول الراعية لاتفاق جنيف ( روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية ).
كما لا يفوتنا أن نشير إلى أن بصمات بعض الدول الاقليمية التي تكن العداء للشعب الكردي واضحة على هذه الوثيقة، مما يستدعي أيضا من الاطراف التي تعمل في إطار الائتلاف إلى مراجعة مواقفها ووضع المصلحة القومية العليا للشعب الكردي فوق الاعتبارات الأخرى.
هذه الملاحظات التي ارتأينا توجيهها الى الهيئة العليا للمفاوضات تستدعي من القوى السياسية الكردية وباقي المكونات الوقوف عندها بشكل جدي قبل البدء بأية مفاوضات مستقبلية حول سوريا، لأنها قضايا حيوية واستراتيجية لا ينبغي السكوت عنها كما أن الوثيقة بمثابة إنذار للكرد مما يستدعي الإسراع الى بناء مركز للقرار السياسي الكردي في سوريا، والعمل مع القوى الدولية الفاعلة لتمثيل الكرد، وسائر المكونات القومية والدينية الأخرى كالسريان الآشوريين في مفاوضات السلام، حتى يكون التمثيل حقيقيا، ويعبر عن إرادة جميع السوريين.
قامشلو: 11 – 9 – 2016
المكتب السياسي 
للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…