مروان سليمان*
حملت لنا الإدارة الذاتية المشكلة من قبل ال ب ي د أغلب عوامل تصدعنا حيث إنتقلنا من شعب يؤمن بقضيته العادلة و النضال من أجلها و الإيمان الراسخ بتشكيل الدولة الكوردية و الذي كان يظهر شعبنا على قوة تماسكه بالأهداف السامية للشعب الكوردي و لكن تم تقسيمه إلى ملل و نحل متطاحنة في الفكر و السياسة و تجزأة المجزأ من الوطن بحيث أن شعبنا إنفصل عن بعضه عاطفياً و حتى إن عاش داخل بقعة جغرافية معينة.
كان الشعب الكردي كما الشعب السوري برمته متشوقاً للتغيير و الحرية و كان الجميع متحمساً للإنضمام إلى الثورة السورية و قلب نظام الحكم الأسدي إلا أن سنين الحرب المتلاحقة أظهرت خطأ أحلامنا و تمنياتنا و باتت أحلام الجميع من تحقيق الديمقراطية و الحرية و التغيير عبارة عن شعارات في الهواء لا يمكن أن تتحقق بسبب سيطرة التيارات التي تعادي الحلم الكردي.
وبقناعة راسخة يردد الجميع أن الإقتتال بين الفصائل الكوردية و القوى الظلامية كانت ذروة في إبراز ملامح الوجود الكوردي في سوريا للعالم أجمع بتصنيف المتقاتلين إلى إرهابية متمثلة بداعش و قوى محبة للسلام و الحرية متمثلين بالكورد بشكل عام و هذا ما خلق هوة كبيرة بين العرب و الكورد على خلفية الإعلام الكاذب الذي يتهم الكورد بتهجير العرب من مناطقهم و هذا ما يضمر بأن الحرب العربية الكوردية سوف تكون مقبلة و سوف تمتد آثارها إلى فترات طويلة من تاريخ المنطقة بسبب الخلافات الطائفية و العرقية بين المكونات الموجودة على الساحة في المنطقة وقد تم تشحين تلك الخلافات من قبل أصحاب الفتنة و خاصة الإعلام العربي حيث يتذكر الجميع مدى قسوة السنوات الماضية و التي بلغت المجازر بحق الطوائف الأخرى ذروتها مثل اليزيديين في شنكال و الكورد في كوباني و القامشلي و الآن في الحسكة و لكن تلك الذكريات المؤلمة عطلت إمكانية التفكير في السنوات التي تليها حيث بلغ التطرف السياسي ذروته مع بعض قادة المنطقة و ظلوا يزرعون الفتن و الأحقاد المظلمة في ضمائر و قلوب الشرائح الإجتماعية المختلفة ليعود على شكل صراع و تصدع خطير و إنعكس هذا على الجانب الكوردي أيضاً مثل نية ب ي د بإنشاء كانتون شنكال على غرار كانتوناته في الجزيرة السورية و كوباني و عفرين و الذي يعتبر بمثابة دق إسفين لخلق الفتنة مستقبلاً حتى بلغت همجيتهم بالتنكيل بالآخرين و زجهم في المعتقلات و رميهم و نفيهم خارج حدود الوطن و بدأوا بنهش الآخرين من إخوانهم الكورد بطريقة مريعة و زجهم في أتون حروبهم التي لا ناقة لنا فيها و لا جمل و عندما دخل الكورد عن طريق المجلس الوطني الكوردي إلى الإئتلاف السوري شعروا بأنهم بصدد إستعادة المبادرة و تحويل مسار العملية لصالحهم و لكن المعارضة السورية خيبت الآمال كما هي سياسة الدول الأقليمية و الكبرى و خاصة بعد تلقي ب ي د الدعم من روسيا و أمريكا و صعود نجمه على الصعيد العالمي و عمله لصالح القوى الكبرى و نيابة عنهم بدون أن يحسب للشعب الكردي أية مصالح أو أهداف أو حتى العمل من أجل الصالح الكوردي العام و جندوا أنفسهم لخدمة الآخرين فقط من أجل إرضائهم و بدأوا بالتنكيل بالحركة الكوردية و خاصة مع الذين لا تتوافق سياساتهم مع سياسة ب ي د مثل حزب يكيتي الكوردي في سوريا خاصة و المجلس الوطني الكردي عامة و هكذا أصبحت مراكز القوة أكثر وضوحاً و صار ب ي د سيداً في المنطقة بعد تسلمها من النظام و من يومها سارت المنطقة الكردية على سكة الهلاك بالنسبة للشعب الكوردي فقد تم تهجير الكورد و تجنيدهم و زجهم في جبهات بعيدة عن المنطقة الكوردية كما كان يطلب منهم النظام و حلفائه و خدمة لأجنداتهم و رفع حزبهم شعار إبادة الحركة الكوردية أولاً و تفريغ مناطقهم من سكانها ثانياً و جندت نفسها في سبيل السيطرة على جميع مناحي الحياة و بمباركة النظام السوري و مخابراته الذين لا يزالون قابعين في مهاجعهم و بحماية حزب الإتحاد الديمقراطي و لو استخدم ب ي د قوته و قليلاً من السياسة و الخبرة و النية في خدمة القضية الكوردية لكان نجح في تطوير المنطقة بدلاً من التهجير و لو كان يراعي حالة التمزق و يعمل على توحيد الصف الكوردي و عمل بالإتفاقيات التي وقعت في هولير و دهوك لكنا اليوم في أفضل حالاتنا بدلاً من ركوبهم موجة التهور و ترويع الخصوم و اللعب معهم بكسر العظم.
مع كل خلاف سياسي بين أطراف الحركة الكوردية كان هناك خلاف إجتماعي و ديني و بقيت نيران الخلافات مستمرة إلى يومنا هذا و سوف يستمر ما داموا يتلقون الآوامر من أعداء الكورد و كانت النتيجة ضياع عدة سنوات من عمر تطوير المنطقة الكوردية و العمل الجماعي معاً من أجل خدمة الشعب و الوطن و لكن حل محلها التطرف الديني و السياسي و الصراع الدامي من قبل أطراف الصراع و تتوضح الصورة كل يوم أكثر بأن كل ذلك هو مناورات عسكرية يجري الإعداد لها من خلف الكواليس من قبل الدول الكبرى و الدول الأقليمية بما فيها النظام السوري و على المسرح السوري الذي يسيل عليه الدماء السورية من الكومبارس السوريين أيضاً و النتيجة هو فساد الضمائر و فساد الأفكار السياسية و الدينية و الإجتماعية و ما زالت حالة الإضطراب تقف على فوهة البركان و إشعال الأحقاد بين المكونات بحجج التكفير و الإنفصال و الإنقسام و أصبح الصراع بين الجماعات الصديقة و العدوة لا بل داخل الجماعة الواحدة نفسها.
أي مصير ينتظر الشعب الكوردي الذي يعيش في فم تمساح و وسط كم هائل من الضغط و القمع الذي يمارسه سلطة الأمر الواقع على الشعب الكوردي في سوريا و كيف سيكون مصيره تحت زعامات لا يهمها سوى إرضاء الأعداء و معروفين بتبنيهم النهج الملتوي و التخاصم و خلق الخلافات التافهة و الفاسدة المريضة و لم تحركهم الإحتجاجات المتواصلة التي وجهها الشعب الكوردي لتلك الجماعة قيد إنملة سواء في سلوكهم السياسي المتكلس أو في سلوك تعاملهم مع تلك الإحتجاجات و سوف تكشف لنا الأيام القادمة مدى تكدس المشاكل على الطاولة و التي هم كانوا السبب في إفتعالها لخدمة الأعداء و سوف نتوقع في النهاية بأن تقوم نفس المنظومة السياسية التي حطمت آمال الشعب و الوطن بحل تلك الإشكاليات فهل نصدقهم بذلك؟.
*مدرس في المدارس المهنية بالمانيا
05.10.2016