ابراهيم محمود
إلى أخي ” عبدالقهار رمكو “
====
فيما كتبتَه عن مقالي الانترنتي ” بتاريخ12-10-2016 “، والمتعلق بـ” المخبر الكُردي “، ومن أين ينطلق وماذا لديه ومن يخدم، ومن يتولى أمره، بإيجاز شديد، تجاوباً مع مفهوم المقال، في اليوم ذاته يا أخي عبدالقهار رمكو، وطالبتني بأن أكون صريحاً أكثر، لا أدري ماالذي أصارحك به؟ أن أشير إلى أسماء مخبرينا الكرد، حيث لا تكفيهم قوائم وقوائم هنا وهناك؟ وأشرتَ إلى أن المخبرين ” عناصر من فوق “، والنظام البعثي ” له دور فاعل، وحمَّلت القيادات الكردية مسئولية تاريخية لأنها لم تستطع القيام بدورها التاريخي المطلوب منها.
أحسب أنك فيما أردت تأكيده لم تخرج عن نص مقالي، بالعكس، لم تقل في المحتوى إلا ما نوَّهت أنا إلى خطورة المخبر الكردي ونشأته، وكنت في المسار ذاته.
من جهة أخرى، لا علاقة لمقالي لا بنظام البعث أو غيره من الأنظمة التي تقاسمت كردستان، إذ له مقام آخر من الإعراب المستتر والمنفصل بضميره، إنما بالذهنية الكردية القائمة: المسيسة ومن النمط الهلامي، وهي انشقاقية على أكثر من صعيد، منذ نشأتها وفي سيرورة تعامل القيادات الكردية المسماة من خلالها، فيكون المخبرون عناصر من ” الداخل “، وإلا لما كان لهم حضور أو خطورة أو قيمة، إذ إن عدوى التنابذ والعداوات بين القيادات الكردية لها صلة بالذهنية تلك، بحيث إن العضو الحزبي ومن منطلق التراتبية الحزبية الضيقة، يكون في نصفه مخبر حتى على رفيقه الحزبي وعلى الآخرين من الأحزاب الأخرى اللا” شقيقة ” جوهراً.
والمخبر الكردي يتحرك في أكثر من اتجاه، فهو من ” جسد ” الحزب وخارجه أيضاً.
لقد باتوا كثروا، أي هؤلاء المخبرون، ومن يتابع ما يجري في هذا السياق وفي ضوء المستفحَل في واقعنا: السوري، الكردي، والتشاتم الكردي- الكردي، وفي أجواء المخيمات والمناخ النفسي الضاغط، أعتقد أنه سيدرك بسهولة كيفية تفعيل الذهنية التسويقية تلك.
هذا النوع من المخبرين الذين يبرزون كـ” خضراء الدّمن- عفن الخبز “، قديم، ويمكن كتابة تاريخ كامل من خلالهم، بدءاً من مخبر العشيرة التليدة، إلى مخبر الحزب وازدواجيته أحياناً، سواء في إخباره عن رفيقه الحزبي أو من يكون من حزب آخر، أو يكون مخبراً لطرف خارج نطاق ثكنته الحزبية: كأن يكون نظاماً سياسياً، وغيره، ومن ليس حزبياً طبعاً.
حيث تتنوع طرق الوشاية، ضروبها، وما أسهل أن يتَّهم أحدُهم كذلك بأنه مخبر من خلال موقف عرَضي، أو نظراً لخصومة، أو مكايدة، أو سوء فهم، يغذّي هذا الانطباع السامّ، وتحديداً في وسط قطيعي أو شبهه، تحديداً حين يتنشط أحدهم خارج القطيعية، فتكون صفة الواشي ملاحقته، أو ملصوقة به، ترجمة سيئة لخاصية القطيعية التي تتنكر لذات مستقلة ومجتهدة غالباً.
من يكون المخبر هنا؟ إنه من حيث البنية، ليس مقدّم خدمة للآخر، إنما فاعل انتقامي من الطرف الذي ينتمي إليه، وربما من كرديته بالذات، جرّاء العلاقات المنخورة التي تسمّي الأشخاص ومراتبهم، بدءاً من الأب العائلي: الأسري، وانتهاء بالأب السياسي: الحزبي، المؤسساتي، الدولتي…الخ. إنه شخص يحارب ذاته من حيث لا يدري، منقسم على نفسه، ولديه أحياناً فكرة واضحة فيما يقوم به: السعي إلى تخريب وسطه بكل من فيه، لأن تنامي المخبرين يعني تعرَّض القيم الجامعة بين الناس ووحدة المصير إلى التداعي والتذرير.
هنا يمكننا أن نتحدث عن المخبر الذي يُسمّي أشخاصا أو ينقل معلومات، وهو خارج دائرة الوشاية، إنما تصرفه يتلبسه سلبياً. ومخبرنا الموسوم، هو العارف، المدرك بما يقوم به كثيراً.
وعلينا الاعتراف بأن هذا المخبر، ومن خلال محيطه الاجتماعي، في مقام له، لا يستهان به من حيث الدور الاجتماعي والثقافي الذي يعرَف به، سوى أن ثمة تربية ناقصة تصله بالبيئة ذاتها: أسرياً وفئوياً وتحزبياً، فالحديث عن مظاهر الحقد والحسد والأنانية مدخل إلى نفسه الأمارة بالسوء، وهي تزيّن له فعل الوشاية بأقرب المقربين إليه أحياناً، لأن ” الآخر” محط اهتمامه، أي في كيفية النيل منه، وليس أن يجتهد ويسهم في بناء عالمه بقدر ما يستطيع، فيكون الاختلاف المجدي، وهذا ما يمهّد لأكثر من سبيل لتفشّي ظاهرة النميمة، الوشاية، أعني: تنوع المخبرين.
ولو سألتني يا أخي عبدالقهار رمكو مجدداً، عن معزّزات هذه الظاهرة، وأحسبك سمّيت الكثير من ذلك، وبإيجاز، أجبْك بالتالي: فتّش عن بنية التشرذمات الحزبية الكردية وخارجها، وحتى على مستوى الكتّاب وتنابذاتهم” تصوَّر أننا الآن، في روجآفا ، أصبحنا بثلاثة تركيبات كتّابية: جهة التنظيم، واللافعل هو الذي يعرّف بحقيقة مجمل الأعضاء الذين يمثّلونها ” تجدْ ضالتك.
عموماً، أنا لا أتحدث هنا عن المخبر السهل اصطياده، أو الإيقاع به ليكون مخبراً، إنما بدءاً ممَّن حصّل ثقافة مقبولة : قراءة وكتابة، إذ ينطلق من بنية سيكولوجية تأخذ بالفاسد وتروّج به أكثر من الصالح، لأن مقومات اجتماعية، سياسية، ثقافية…الخ، تسهِم في انتشار هذه الظاهرة، وهي ستضطرد مع الزمن من خلال مجريات الأحداث..أما عن عبارتك الأخيرة، وأنت ” مثلي ” حانق على المخبرين باعتبارهم سيلعَنون من التاريخ، وسيُبصَق عليهم، فلا أخالك ببعيد عما انطلقت منه ومن العنوان.
أرأيتَ كيف انتقلت من المقاربة النقدية إلى لعبة الإنشاء، تأكيداً على أن ما يجري في أوساطنا الكردية، يُتنحى النقد جرّاءه جانباً أحياناً، ويُكتفى بالشتيمة، ربما اعترافاً من نوع آخر، بأن ” لغة ” كهذه، قد تحقّق بغيتها، أو تبلّغ ” رسالتها ” لمن يهمه الأمر أكثر: المخبر .
دهوك- في 13 تشرين الأول 2016