د. محمود عباس
يقول المثل الكردي (الحية تغير جلدها وليس طبعها) هذا ما تفعله الحركات الإسلامية التكفيرية، المهيمنة على واجهة المعارضة السورية في الفترة الأخيرة. لم يعد خافيا على أحد أن معظمها مخترقة من قبل النظام؛ قاموا ويقومون بتغيير جلدهم، وهذا الأسلوب الخادع لا يغير من رؤية العالم الخارجي عنهم بشيء. هذا ما أدى إلى انحصار الثورة الحقيقية بين جهتين: النظام الأسدي؛ والقوى الإقليمية، فكان حجب الثورة عن الأطراف الدولية الراغبة في مساعدة الشعب السوري، فتلاشت الثورة النزيهة تاركة الساحة لراكبي الموجة، وتحول الصراع ضد النظام إلى الصراع المذهبي.
ومن تجليات هذه التيارات ظهور القاعدة في جلباب النصرة، خلعته؛ ولكن بعد فوات الأوان؟ وهي دلالة على ما مر معنا من اختراق السلطة لهذه التنظيماتً، الخارجة من أحضان داعش التكفيرية وعظمتها كدولة، الممتدة سلطتها إلى أراضي دولتين، وهذه بعكس الأولى لم تحارب سلطة بشار الأسد بشكل جدي يوما، بقدر ما حاربت الثورة السورية وقواها الوطنية، ومثلها المنظمات التكفيرية التي ظهرت وبأسماء متنوعة، معظمها ثعابين، لا تختلف عن سلطة بشار الأسد، تغير جلدها وليس طبعها، وإن غادرت سوريا إلى حيث أتت، لن تفيد الشعب السوري وثورته المخطوفة، فالحلول الأمريكية-الروسية المطروحة حاليا تشير إلى سوريا الوصاية أو الانتداب، فالسلطة باقية بعد كل هذه التضحيات والدمار، والقوى التي ساندت في البداية؛ الثورة، وإن كانت بدافع من مصالحها، تركن إلى مهادنة النظام، كوّن الأخير حول نفسه وسوريا إلى أن تكون دولة وصاية لا دولة الحرية والديمقراطية كما أرادت الثورة أن تكون.
لقد خاب ظن المعارضة السياسية والتكفيرية، حين تخلى معظم العالم عن الشعب السوري وقضيته بسببها، وعلى خلفية الاستمرار في احترابها والتي ستعيد بسوريا وشعوبها إلى العصور الجاهلية، مثلما كانت تفعله سلطتي الأسد والبعث بإبقائهم في صراعات طائفية وأثنية أبدية، وتخلف ثقافي مريع، ظل بشار الأسد، وأصبح الرابح وبجانبه القوى الداعمة له، وصمتت القوى التي كانت يوما ما تعد كأصدقاء للشعب السوري.
لم تعد شعارات الثورة ذات أهمية، كون مغيري الجلود توفقوا في إجهاضها، والضرورة التي اضطرتها تغيير جلدها وليس طبعها لم تستطع إخفاء النهج الذي لا يتبدل بتبدل الأسماء، وتحولت من أجل البقاء إلى أداة لتنفيذ أجندات القوى الإقليمية غير مبالية بمعاناة الشعوب السورية، وما يحل بها ومحنة حلب الحالية خير مثال على تحولها، وما المناشدات الإنسانية على الإعلام سوى تغطية للقبائح.
في الواقع الفعلي، معظم المعارضة الافتراضية، مذنبة مثلها مثل سلطة بشار الأسد، في إيصال المجتمع السوري إلى ما هو عليه من الكوارث، سيحاكمون لاحقا وفي مقدمتهم الشخصيات الانتهازية والمنافقة المثيرة للنعرات وتأجيج أوار الصراعات، بنفس القدر الذي يحاكم فيه بشار الأسد وبطانته.
لو كانت:
1. لو كانت المعارضة ممنهجة منذ البداية على تدمير السلطة بقدر ما ركزت على تحريق الثورة ومفاهيمها، لما استمرت سلطة بشار الأسد حتى اليوم، ولما طمرت الثورة بتحريفها من واقعها الفكري الحضاري إلى أحضان التكفيريين الإسلاميين، والقوى الإقليمية السنية المتطرفة، ولما رضخت لأجندات القوى الإقليمية، ولتمكنت من النجاح وإيصال صوت الثورة التي كانت تقتل من قبل المربعات الأمنية، إلى المحافل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وقاعات هيئة الأمم.
2. ولو كانت الدول الإقليمية فعلا تريد النجاح للثورة السورية، لقدمت طلبا رسميا إلى مجلس الأمن بالتحقيق في الجرائم التي كانت تقوم بها سلطة بشار الأسد بحق الأطفال. فاقموا في الكارثة السورية لكونهم كانوا مناهضين للثورة ومفاهيمها، مثلما كانت سلطة بشار الأسد. ويتقاعسون الأن حيال ما يحصل للشعوب السورية، ويساهم بعضهم في نقل سوريا من الاستبداد الطائفي الأسدي إلى عصر الظلمات.
3. لو كانت المعارضة نزيهة: لما حذت حذو النظام لإقحام الشعوب السورية في صراع مذهبي، المشتغلة عليها السلطة الطائفية ومنذ عقود.
4. لو أنها لم تقف في وجه التدخل الخارجي، في بدايات الثورة، ولم يبيعوا الوطنيات على أكتاف الشباب الثوري، وبنفاق، لما بقي بشار الأسد حتى اليوم، ولما ظلوا هم أيضا حتى الآن ممثلين شكليين عن المعارضة السورية، وبشكلها الافتراضي، ولما تخلت عنهم القوى العالمية، رغم تغيير البعض جلودها.
5. ولو كانت نقية لم أدخلت مثلها مثل السلطة، بعد الرفض والاعتراض، كل فاجر إقليمي ودولي إلى حضن سوريا، ولما وقفا وبتبجح على ظهر دبابات القوى الخارجية والدولية، يحرسون على رفع أعلامهم، وبفخر، ودون حياء، يتعاونون في تعميق المعاناة وتوسيع الدمار، وتحفيز الهجرات العرقية.
6. لو لم تكن المعارضة، افتراضية، وبينها وبين السلطة مصالح خفية مشتركة، لما تعاونا في عداوة الشعب الكردي، وتهجيره، وتهجير الشعوب السورية الأصلية كالسريان؛ والأشوريين؛ والأرمن؛ والآراميين؛ وغيرهم. أثبتت وعلى مر السنوات الست الماضية أنها مثل السلطة بعيدة عن متطلبات شعوب سوريا، وأولهم الشعب العربي.
7. ولو أنها كانت معارضة تعكس متطلبات الشعب السوري، لما تم نقل نضالها من مرحلة الصراع ضد النظام ولأجل الشعب، إلى صراع طائفي، مثل السلطة، وبالإطار الإسلام الراديكالي التكفيري السني، ولما رفعت أعلام مشابهة لإعلام الرسول، لئلا يتجرأ أحد على مخالفتهم، مثلما حصل للعلم العراقي، ولما أجبروا جميع فصائل المعارضة السورية بتفضيل المفاهيم الجاهلية على المفاهيم الثورية الحضارية التي قامت من أجلها الثورة، وسادت على أسسها اللحية والدمغة السوداء على الجبهة، وحجاب المرأة، ويصرّون على أن تصبح هذه الصور والأشكال رموزاً لسوريا القادمة، وأظهروا للبشرية أهوال التراجع الفكري والتخلف الحضاري الذي سيحل بسوريا فيما لو استولوا على السلطة.
تغيير سلطة بشار الأسد لوحده، دون تغيير النظام بكليته، لن تضع سوريا على دروب الديمقراطية، ولن تحل قضايا شعوبها، فالقوى المتكالبة عليها تحمل نفس المفاهيم، وتود الحفاظ على البنود الرئيسية في الدستور، ولا تتخلى عن نهج العنصرية العروبية، ويضيفون عليها أفضلية المذهب السني. فلا بد من العمل على إسقاط النظام وأي نظام آخر شبيه له يحكم سوريا المستقبل.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
4/9/2016م