الإعلام الكردي.. والاستبداد «الكردي»

عمر كوجري
لم يبق جانب في الحياة الكردية في كوردستان سوريا إلا وتعرض لظلم كبير على أيدي الحكومات المتعاقبة في سوريا، وأبشع المهانات كانت في ظل نظام البعث والأسدين الأب والابن، فقد تعرّضت اللغة الكردية والإعلام الكردي في ذلك العهد الأسود الذي مازال مستمراً لتشويه، وقسوة فوق التحمُّل، فكان مصير من يحمل منشوراً حزبياً سيّئ الطباعة والإخراج مصادفةً في حقيبة أو جيب كردي فاتورة باهظة من زهرة العمر. 
ومع دوران دولاب الحياة، وحينما صار” الشقيق” حاكماً مطلقاً دونما حق استلهمه من إرادة الشعب الكردي، وصار يحكمُ بقوّة السّلاح، فاق التاريخ الأسود الماضي في الإيلام والتعنيف، وعلى وجه التخصيص من جهة الإعلام، وبدأ “الشقيق” يكشّر عن أنيابه، ويهاجم الإعلام الكردي الذي لا يغرّد في “دوحته” ولا يؤلّه قراراته، وأسياده خلف الحدود، ولا يحلف برأس مشيخته الحزبية، ولا يمحو غزاره خطاياه. 
صار الإعلامي الكردي محارباً في لقمته مرة، وفي مهنيته ومهنته مرات، وبدأ “النظام الجديد” بتضييق حجم الأوكسجين عنه، وقصقصة جناحه حتى لا يطير إلا في المساحة ” الهائلة الضيق” التي رسمها “الشقيق” له، ولا يريد له سوى الطاعة العمياء للسياسات والقوانين القراقوشية التي يبتكرها كل يوم، والتي لم تدخل في خانة صالح الكردي في كوردستان سوريا في يوم. فصار الوطن أرضاً صفصفاً
بدأ حزب ب ي د مستنداً على قوة سياسية أقرب للوهم والضحك على الذقون شكّلها كأسماء مستنسخة.. يعلنُ حربَه المفتوحة على كلِّ إعلامي ليس موظفاً في مكاتبه، وأعطى الأوامر لأسايشه لتبطش بالصّحافة الكردية وبالصّحفيين الكرد دونما شفقة ولا رحمة، فلاقى العديد من الزملاء والزميلات قهراً أقرب لنظم جمهوريات الموز، واستلاباً للكرامة أقرب لستالينية بغيضة.. شنيعة، تعدُّ أن كل من لا يصفّق له، فهو عدوٌّ يستوجبُ التخلُّص منه بأيّة طريقة، بهرس أصابعه، بتغييبه في المعتقلات مع المجرمين واللصوص، برميه خارج حدود الوطن، وكأن الوطن طوّب باسم هذا الحزب وباقي المصفقين له.. باستدامة اعتقاله دون توجيه تهمة بيّنة واضحة له، والتعكير على أداء الصحفي الكردي، والطلب منه أن يكون شهيقه وزفيره اليومي من زقوم الموافقات الأمنية التي طالما ذكرتنا بالليالي السُّود للنظام، لكن تصرُّفات” الشقيق” كانت دوماً أدهى وأمرّ، كما أصدر أوامره بمنع عمل طواقم إعلامية لمحطات فضائية تركّز على شؤون ناس وطننا، وتتهمها بالعمالة للعصمنلي أو لتيارات معارضة يراها الحزب عدواً لدوداً.
حزب ب ي د أفرخ وبتعمّد وقصد صحفيين وصحفيات ومؤسسات لها علاقة بأي شأن آخر إلا الصحافة، فصار من لامس الغباء حتى ذقنه وجهاً إعلامياً، ومحللاً سياسياً بارعاً في تخوين كل الكرد ما عدا “منظومته” وصار الصبيُّ الغرّ الجهولُ مسؤولاً عن إدارة “إعلامية” تصدر أوامر الزَّجر والقهر بحقِّ الزُّملاء الصّحفيين، وهي مأمورة لنطاق المسدّس المتدلّي على الخواصر “الشبعانة”
والغريب.. المبكي في الأمر أن إعلاميي النظام كانوا، ومازالوا، لهم الحظوة، وصدر البيت في كلّ مكان يقصدونه في كوردستان سوريا يسوحون ويمرحون دونما رقيب أو حسيب، ولا يوجد “ابن أبيه” من له القوة على زجرهم، أو تعطيل عملهم، وهم يعدّون أسوأ التقارير الكاذبة عن أهلنا.
إنها محنة الإعلامي الكردي في زمن الاستبداد الذي نلصق صفة الكردية في طابعه وشكله وربما اسمه، وهو في طبعه من الكردية هاربٌ مواربٌ.
صحيفة “كوردستان” العدد 546- تاريخ : 15-10- 2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…

فرحان كلش   قد تبدو احتمالية إعادة الحياة إلى هذا الممر السياسي – العسكري ضرباً من الخيال، ولكن ماذا نقول عن الابقاء على النبض في هذا الممر من خلال ترك العُقَد حية فيه، كجزء من فلسفة التدمير الجزئي الذي تتبعه اسرائيل وكذلك أميركا في مجمل صراعاتهما، فهي تُسقط أنظمة مثلاً وتُبقى على فكرة اللاحل منتعشة، لتأمين عناصر النهب والتأسيس لعوامل…

شفيق جانكير في زمن تتزاحم فيه الأصوات وتتلاشى المعايير، يبقى صوت الأستاذ إبراهيم اليوسف علامة فارقة في المشهد الثقافي والإعلامي الكردي، لا لبلاغة لغته فحسب، بل لما تحمله كلماته من وفاء نادر وموقف مبدئي لا يهادن. في يوم الصحافة الكردية، حين تمضي الكلمات عادة إلى الاحتفاء العابر، وقفت، عزيزي الاستاذ إبراهيم اليوسف، عند موقع متواضع في شكله، كبير بما يحمله…