عمر كوجري: نحن كنقابة ممنوعون من العمل والتحرك بحرية في بلدنا

حاوره ماجد ع محمد

 
من مواجع الوطن والآمال المتعلقة به ومن ثم معانات السوريين في الداخل والخارج، إلى مواقف بعض المتشربين بالثقافة العفلقية ممن كانوا في ضفة النظام يوماً قبل الانتقال للضفة الأخرى، إلى متاعب العمل الصحفي في ظل سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على مقاليد الحكم في المناطق الكردي، ومن ثم الانتقال إلى شؤون الكتابة وشجونها وظروف العمل الإبداعي للسوريين في المغتربات، وفي استنطاق الذات الشاعرة في زمن الحرب، كل هذه التساؤلات كانت حاضرة في اللقاء الذي اجريناه مع الكاتب والشاعر عمر كوجري نقيب الصحفييين الكرد ورئيس تحرير صحيفة كردستان.
ـ كنقابة صحفيي كردستان كيف تقوم النقابة بواجباتها في المناطق الكردية بسوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي يضيق الخناق على الصحفيين الكرد غير الموالين له، بينما إعلاميو النظام الأسدي فلهم كامل الحرية  بالحركة في كل مناطق نفوذ الادارة الذاتية؟

نحن لدينا أعضاء كثر من داخل الوطن ومتوزعون على كامل المناطق في كوردستان سوريا، كما أنه لدينا أعضاء مجلس النقابة في الداخل، ولكن نحن كنقابة ممنوعون من العمل والتحرك بحرية في بلدنا، حيث أن سلطة الوكالة تمنع زملاءنا وزميلاتنا من العمل، وتقوّض عليهم تحركاتهم، حتى ان اعلام هذا الحزب يقول” ما تسمى نقابة صحفيي كوردستان- سوريا” وبالتأكيد إعلاميو النظام يحظون برعاية ودعم وحماية تامة من سلطة الاسايش في كوردستان سوريا، وتتحرك دون رقيب أو حسيب.

ـ هل استطاعت النقابة أن تكون المظلة لكل الصحفيين الكرد، وما هي آلية التواصل لديها للتواصل مع مجمل الصحفيين في الداخل ودول الشتات، وحسب علمي لا يعرف بعضهم إن كانت هنالك نقابة كردية خاصة بهم أم لا؟

نحن نقف على مسافة واحدة من الجميع، ونقابتنا تحاول أن تكون هذه المظلة التي يمكن أن ترعى جميع طاقات الزملاء الصحفيين في كوردستان سوريا، نتواصل بطبيعة الحال، ولكن بما أننا كمقر ومكتب رئيسي غير موجودين داخل الوطن، فالتواصل يبقى صعبا، وبتصوري من الغرابة ألا يكون زميل أو زميلة صحفية لم تسمع بنقابتنا، فعملنا ونشاطاتنا مستمرة على الدوام، ولدينا العشرات من المنتسبين في النقابة إن بصفة عضو  فعال أو عضو متدرب، أو عضو فخري. بكل حال نحن لسنا راضين عن أدائنا، ولكن نتحرك ضمن المعطى المتاح.


ـ أشرت إلى حاجة كل امة لشخصية كارزمية، وقلت بأن الامم التي تفتقد تلك الشخصيات تعاني الانحطاط المعرفي والانساني، ولكن ماذا عن الذين بودهم تشويه الشخصيات الحقيقية التي تخرج من صلب الشعب، مقابل تنصيب او محاولة بناء الهياكل الوهمية لشخصيات مصطنعة؟

الشخصية الكاريزمية ضرورة بالفعل، حتى تستطيع القيام بفعل الاستقطاب لعموم الناس، ويقينا الشخصيات التي تظهر عنوة وهي في الاصل منحطة لن تستطيع أن ترسم ملامح كاريزما يحبها الناس وتقتدي بها، الهياكل الوهمية مصيرها الزوال، والرمي في قمامة التاريخ. الشخصيات المصطنعة بالعادة وليدة لحظتها أو توقيتها، وتموت بانتفاء القوة ” الهائلة ” التي تمارسها ضد كل من يتنكر، ويخاصم  هؤلاء.


ـ هل مازلتَ ترى بأن الكردي السوري سياسياً لا يزال يتعامل إما بعقلية الريفي المتخلف عن ركب الفتوحات الرقمية، أو أنه يتعاطى معها كتعاطي الغر المراهق مع القضايا المصيرية؟

أنت قرأت مقالاتي بشكل جيد،  وحضّرت حالك لهذا الحوار بشكل ممتاز، وأتصور هذه بعض الافكار التي طرحتها في سياق بعض المقالات المنشورة، والكثير منها في موقع ” ولاتي مه” الكردي، نعم الكثير من الساسة الكرد استلموا مناصب القيادة، وهم ليسوا مؤهلين لتبوؤ هذا الموقع، لهذا أحزابنا الكردية بشكل عام ليس لديها القدرة ولا الطاقة للتغيير والإبداع باعتبار أن  قادة هذه الاحزاب تحارب عقول الشباب المتفتحة والمبدعة، لهذا التراجع والتشظي والانشقاقات مستمرة في هذه الاحزاب.


ـ ظهرت في الأونة الأخيرة أصوات تطالب المجلس الوطني الكردي بالإنسحاب من الإئتلاف الوطني بسبب التصريحات المسيئة للكرد التي صدرت عن بعض الشخصيات المعارضة، فهل برأيك تلك الصيحات انطلقت فعلاً من منطلق الحرص على الحق الكردي؟ أم كانت تسعى ضمنياً لشرعنة حكم الاتحاد الديمقراطي واستئثاره بالسلطة والموارد الاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية؟

تبقى كل الاجتهادات في قراءة المشهد السوري عموماً والمشهد الكردي في كوردستان سوريا على وجه التخصيص مفتوحة، بالفعل أساءت العديد من قيادات المعارضة السورية بتصريحاتهم غير المسؤولة عن الكرد، ولكن السياسة بالنهاية لاتؤخذ بردود الافعال، ورغم كل الانتقادات الموجهة للائتلاف لكن يبقى حاليا هو المظلة الكبيرة للمعارضة السورية، وليس بالضرروة ان تصب الانتقادات في شرعنة حكم الاتحاد الديمقراطي الذي لم ولن يكون مشروعاً للبتة لسبب بسيط هو أنه أي الحزب يحكم الآن بقوة الحديد والنار، ولم ينتخبه أحد.


ـ على هوى جسامة التضحيات في سوريا هل تعتقد بأن هنالك أي انتاج أدبي أو فني في البلد وخارجه استطاع أن يقترب من عتبة معاناة الشعب السوري؟

الكثير من القامات الابداعية الحقيقفية حاولت، ولما تزل، ولكن الوصول الى مقام تجسيد معاناة الشعب السوري، هذا ربما يحتاج لطاقات ابداعية هائلة ربما لن توفر في شخص بحد ذاته، الكثير من الشعراء كتبوا قصائد تصور الأزمة الكبرى في سوريا، وكذا فعل الروائيون، وغيرهم، ولكن ماعاناه الشعب السوري شيء يفوق الوصف للأسف، تعجز الكلمات ولوحات الفنانين.


ـ أصدر اتحاد كتاب كوردستان سوريا مؤخراً توضيحاً بخصوص ما ورد في مقالة الباحث ابراهيم محمود والتي نشرها في موقع ولاتى مه تحت عنوان ( لو كنت عاهرة) بعيداً عن كل ما جاء في المقالة وما تحمل من رسائل أو ما تتضمن من مغالطات، برأيك شخص مثل إبراهيم محمود ألا يوازي العديد من القيادات الكردية الهشة ممن يتصدرون المشاهد وقد يكون كثيرٌ على بعضهم أن يكونوا مجرد موظفين من الدرجة الخامسة؟

برأيي من الأفضل أن نقيم شخصية الأستاذ ابراهيم محمود بذاته، هو بالمناسبة كان أستاذي في الصف العاشر في ديريك في ثمانينيات القرن الماضي، الأستاذ محمود قامة أدبية وفكرية عالية، ومثقف كردي على مستوى عال من المعرفة والتبحر في علوم الثقافة والادب والفلسفة، لكن ربما الظروف الحياتية دائماً عاندته لينجز مشاريعه الإبداعية الكثيرة، ومن اللغط والغلط مقارنة مع آخرين هم أكثر حظوة،  لنقل إننا نحن الكرد قليلو الالتفات لمبدعينا بعكس الأمم الحية المتحضرة، لنقل إننا لا نعرف قيمة هؤلاء الكبار إلا حين يوارون الثرى ووقتها نندب حظنا، وقلة حيلتنا، وارتباكنا تجاههم.


ـ دعنا نتوجه قليلاً نحو الحقل الذي يُجمع الناس بعكس السياسة التي تساهم في التفريق أي الحقل الثقافي، فمن خلال تجربتكم في رئاسة تحرير مجلة أجراس التي كانت تصدر في دمشق ومن ثم انتقالك إلى اقليم كردستان وتجربتك مع جريدة كردستان ورئاسة الاتحاد، وبعيداً عن مضايقات الأفرع الأمنية لأنشطتكم هل برأيك الصحافة الكردية السورية قادرة على أن تواكب الأحداث وتكون المشكاة لمتابعيها؟

المحطات التي ذكرتها كانت حافلة ومثمرة لي كثيراً في عالم الصحافة، ولكل محطة ذكرى، فقد كنا ننشر أجراس تحت رعب أجهزة النظام واستخباراته، أما الوضع مع ” كوردستان” فمختلف تماما، لكن نكهة العمل السري، والخوف والاندفاع لإنجاز شيء مثمر ومفيد للقراء كان له متعة ما بعدها متعة، وبالانعطافة نحو سؤالك يمكنني القول إن الصحافة الكردية ورغم عراقة الصدور الا أنها لا تلامس وجدان الكردي، لا يجد نفسه فيها، لهذا فهي قليلة التأثير في تغيير طريقة تفكيره نحو الافضل، والأسباب كثيرة بكل حال، للآن لم نتفهم نفسية الكردي، ولم نتعمق فيها لنعرف ما هي الابواب التي يريدها ، وهي المفضلة لديه. لدينا ترسيمة جاهزة نسير عليها، ونخاف من الابتكار والخلق والتجدد.


ـ برأيك هل استطاعت أجراس تخليص بعض الكتاب من شوفينية ثقافة النظام العفلقي من خلال تواصلكم معهم ونشركم لنتاجات بعضهم طوال عمر المجلة؟

أجراس كانت مجلة منفتحة على الوسط الثقافي والفكري آنذاك في سوريا والكلام ما بين العام 1994- 2002 تاريخ صدور أخر عدد، بالفعل استطعنا وبإمكانيات بسيطة، وعلاقات غير قوية استقطاب أقلام عربية بدأت تتفهم ضرورة أن يعرف الكردي أيضاً طرائق تفكير هؤلاء الكتاب، وكان جيداً حين فكرنا وقتئذ بفتح ملفات ساخنة منها ” الحوار  الكردي- العربي ، واستطعنا بذل كاستقطاب أكثر من خمسين كاتبا وباحثا عربيا مرموقاً، هؤلاء بالتعاضد مع المثقفين الكرد شكلوا أرضية جيدة للتفاهم والتناغم الممكن بين الشعبين.


ـ استهجن المفكر الايراني علي شريعتي في كتابه النباهة والاستحمار الشاعر الذي يلتفت إلى غزل الأبيات الشعرية وبلاده تتعرض لاجتياحٍ قد يُفضي إلى القضاء على وجود ملته بأكملها، برأيك ما يقوله شريعتي عن ذلك الشاعر ألا ينطبق على بعض الكتاب  والفنانين الكرد حالياً في الوقت الذي تتعرض فيه كردستان لأكثر من عدوان يستهدف وجودها؟   

أنا أرى ان للشعر ضرورة في كل وقت، الشعر وباقي فنون الحياة ليست دبابات ولا طائرات مهمتها القصف، والقتل والتدمير، هناك آلات وأسلحة تتكفل بذلك، الشعر يعيد قناعة الانسان بأن الحياة يمكن ان تعاش، وأن الحياة جميلة، ليقاتل الجنود والبيشمركة في الحروب ويقارعوا الأعداء، وليكتب الشعراء قصائدهم البديعة في وصف بطولات هؤلاء العظماء، الجندي في معركته ينتصر، والشاعر بقلمه يرسخ هذا الانتصار كأهزوجة حلوة قابلة للدخول الى القلب بلا استئذان.


ـ سؤال يقف في الضفة الأخرى من السؤال السابق، فيا ترى ككاتب متعدد المواهب وتزاول عدة أنواع كتابية، والشعر على ما يبدو الأقربُ إلى روحك من بين كل الفنون الكتابية، ألا ترى بأن نجاحك في العمل الصحفي المضني كان على حساب قضم سُحب الشعرية ومراكبها؟

لقد قلت في حوار سابق إن الصحافة والاشتغال اليومي في عمل شبكة علاقات جديدة مع الوسط الاعلامي والكتاب والصحفيين، والتحرير، والتصحيح اللغوي، وتقييم المواد والتقارير المرسلة لهيئة التحرير، وإبداء الرأي في الصالح والضعيف منها، وتحضير خطة معينة في كل عدد.  كل هذه المسؤوليات الجسام يجعل من الشاعر بين حنيا القلم “يحرد ويزعل” فأجواء الشعر تتطلب صفاء خاصاً، وانشراحاً روحياً، هذه الخاصية بالنادر ما تحقق في جدية عمل الصحفي، وركضه وراء المعلومة التي تهم قارئه.
الشاعر، وخاصة في فترة إدارة صحيفة ” كوردستان” ابتعد، ونأى بنفسه، وانزوى في زاوية معتمة في شغاف القلب بانتظار لحظة التجلي الحلوة يوماً ما.
ـ كشاعر عاشر حياتياً بعض الشعراء وتعامل يومياً مع  الصحفيين والنقاد، ومع ملاحظة أن النقد في بلادنا لا يزال مختصراً على نماذج محددة، فأين ياترى ممكن الحصول على الناقد المنحاز للمٌنتَج وما جاء فيه من رؤى وأفكار وتصورات، محتفياً بالجمال وحده بغض النظر عن وجهة صاحب المُنتج، جنسه أو انتمائه؟ 
الفوز بوجود ناقد حصيف، بعيد عن شخصية المبدع، والعلاقة معه ممكن، طبعا هناك مدارس عديدة في النقد والتحليل النقدي، هناك نقاد منحازون للمنتج فقط دون أن يكون من الأهمية النظر لاسم أو لتجربة الكاتب أو الشاعر، بكل حال الناقد الشرقي أقرب للعاطفة والانطباع، بينما الناقد الغربي لا يهمه الكاتب أو المبدع النص الادبي، ومنذ عقود طالب الناقد والفيلسوف الفرنسي رولات بارت لموت المؤلف، والانحياز بالمطلق لاستنطاق النص، والنص فقط، وتقليص نموذ الناقد الذي يكتب من باب الوفاء لصديقه الكاتب، أو ناقد يكتب لغاية وصولية ما، أو ناقدٌ يكتب فقط للكبار بدافع الارتفاع معهم، وناقد آخر هو مجرد حاقد على الكاتب ولا وظيفة له غير التنقيب عن العثرات في المُنتج الذي يتناوله بالنقد. أما كرديا، الناقد المنهجي … العلمي.. مازال بعيداً. الناقد الكردي باللغة الكردية على وجه التخصيص مازال يكتب بحذر شديد، وينتقد بحذر شديد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…