مشاهدات : الطريق إلى تخوم بعشيقة المحاصرة – الجزء الثاني

 خاص ولاتى مه:
طائرتا هليكوبتر كانتا تحومان فوق جبل باشيك ، إحداهما في الجهة الشمالية الغربية ، والأخرى في الجهة الجنوبية الغربية ، وكانتا تتبادلان المواقع من حينٍ لآخر ، بحيث تستطيعان رصد ومراقبة وادي الفاضلية المنبسط تحتهما ، وبقيتا على هذه الحال حتى مغادرتنا مقرقيادة اللواء 7 قوات بيشمركة ، واندفاعنا نحو ساحة العمليات انحداراً من قمة الجبل ، عبر المرتفعات والهضاب ، والتي ستقودنا إلى مدخل الوادي من جهة (تلكيف) .
عند مدخل أحد المخانق الجبلية ، كان فريق تشغيل طائرات الاستطلاع الصغيرة ، يتابع عمله دون أن يلحظ مرورنا ، يبدو أن الطائرة الصغيرة كانت تستعد للإقلاع ، وكانت تستحوذ على اهتمام فريق التشغيل ، وعلى مقربة منها كانت سيارة المتابعة بهوائياتها الشاهقة ، وكأنها هي الأخرى كانت منهمكة في أداء وظيفتها ، رمينا السلام فلم يلتفت إلينا أحد ، فابتسمنا وتابعنا طريقنا .
كانت قوات بيشمركة كوردستان قد شقت طريقها وسط مسلحي داعش للتو ، في عملية اختراق نوعية ، وقد أدركنا ذلك عندما شاهدنا الجرّافات تعمل على كلا طرفي الاختراق ، وتحت حماية المدرعات ، ومجموعة رماة صواريخ ميلان ، وعن مسافة قريبة كانت تظهر الأعلام السوداء ، في حين كانت تصلنا أصوات رشقات الدوشكا من وقت لآخر . وكان أكثر ما لفت انتباهي ، سقوط قذيفة هاون على مقربة منّا ، وكان يفصل بيننا وبين موقع سقوطها أحد مقاتلي البيشمركة ، ولكن أحداً لم يعبأ بسقوطها ، بمن فيهم ذلك البشمركة الذي كان على مسافة قريبة من موقع سقوطها ، ولكنه أدار ظهره لها ، وتابع طريقه باتجاه الساتر .
 
 
 
في مكان ما بين تلك السواتر ، كان آمر اللواء ومجموعة من ضباطه بانتظارنا ، وبعد أن انتهت مراسم الاستقبال ، افترشنا الأرض على مقربة من مدرعة ، وبدأنا بتبادل أطراف الحديث . والحقُ يُقال : ففي مثل تلك اللحظات ، تتدافع المشاعر ، حتى يُخيّل للمرء أنه في حلم ، فيفقد المرء السيطرة على نفسه ، وينقاد بسلاسة تحت تأثير فسيفساء المشهد من جهة ، والعناوين الكبيرة للانتصارات من جهة أخرى . وكل ذلك لم يمنعنا قط من تبادل كلمات الترحيب والشكر ، وتقديم التهاني ، وما إلى ذلك …
 

 

كان لابدّ لنا من لقاء العديد من ضباط وأفراد قوات بيشمركة كوردستان ، وتجاذب أطراف الأحاديث معهم ، خصوصاً وأنهم قد خرجوا من معركة مهمة للتو ، وقد أنجزوا المهام الموكلة إليهم بنجاح . ومع أن وجبة غدائهم قد تأخرت إلى حين إنجاز المهمة ، لكننا رغِبنا في استغلالها ، خاصةً وأن الشمس كانت قد بدأت بالانسحاب باتجاه المغيب . ولكنهم دعونا لمشاركتهم وجبة الغداء ، ولكننا قدمنا اعتذارنا ، لأننا كنا قد تناولنا غداءنا قُبيل مجيئنا ، ولكننا لم نمانع في مشاركتهم كوباً من الشاي ، وتدخين بعض السجائر أثناء الدردشات . وكانت أكثر اللقاءات حميميةً تلك التي أجريناها مع الرعيل الأول من البيشمركة ، بيشمركة ثورة أيلول ، الذين ما فتئوا يرابضون على الجبهات ويرفضون الذهاب إلى بيوتهم وعائلاتهم ، وقد أكّد أحدهم قائلاً بلهجة لا تخلو من العصبية : لن أبارح هذا المكان طالما بقيت في عروقي نقطة من دماء .
 
 
يبدو أنهم أنقسموا إلى مجموعتين ، الأولى تناولت غداءها ، وعادت لتتمترس على السواتر ، في حين جاء دور المجموعة الثانية لتتناول غدائها ، ففعلنا نحن أيضاً مثلهم ، فانقسمنا إلى قسمين ، قسم منّا استهدف المجموعة التي كانت على السواتر ، وقسمنا الآخر استهدف المجموعة التي كانت لاتزال تتناول وجبتها . ومن حسن حظنا أن مجموعة رماة صواريخ ميلان كانت تقوم بمناوبتها على السواتر ، فتوجهنا إليهم وأمضينا معهم لحظات متخمة بأحاديث الفخار ، نظرأً لدور هؤلاء الرماة في حسم المعارك على مدى عامين ، وأمضينا مع قصص الميلان وقتاً ممتعاً للغاية . بينما كان قسمنا الآخر يستمتع بأحاديث المجموعة الثانية وهي تتناول وجبتها على ظهور المدرعات .
 
 
مضى الوقت سريعاً ، وبدأ غياب الشمس يلوح في الأفق ، وكانت هناك قوة تشدّنا للبقاء هناك ، وتمضية الليل على كتف أحد السواتر ، ولكن عملية الاقتحام لقرية الفاضلية صبيحة اليوم الثاني ، ألقت بظلالها على فكرة بقائنا هناك ، وسلكنا طريق العودة ، ولكننا كنّا نقف بين الحين والآخر لتوديع مجموعات البيشمركة التي كانت تلوّح لنا أيديها بالوداع .
فريق ( ولاتى مه ) :
فرمان بونجق 
نوروز ميقري 
أندرياس غورليك
منيار بونجق
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…