ابراهيم محمود
” ملاحظة: هذا المقال لا يُقرَأ من قِبَل صغار العقول بالتأكيد ”
إزاء موضوعة رؤية جثة الميْت مسجَّاة، لم يسبق لي إطلاقاً، أن تملَّكتني جرأة النظر إلى وجه من ودَّع الحياة، أو وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأنا أثبّت نظري عليه لبعض الوقت، سوى جثّة الداعشي التي تشكّل استثناء، إذ لكَم شدَّدتني ولما تزل تشدني إلى إدامة النظر هذا فيه، وتفحُّص أساريره، وكل ما يصله بأعضاء جسده، وفي أي هيأة تظهر الجثة على الأرض، وما يمكن لصاحبها المغيّب وجهه داخل أجمة لحية منفّرة متنافرة، وما يكون قد تفكَّرَه أو تخيلَه وهو مقضيٌّ أجله، طبعاً في الحالات القليلة جداً تلك التي يسهل فيها بقاؤه محافظاً على أعضائه، ما عدا جهة الإصابة، إذ غالباً ما يفجّر الداعشي نفسه، أو يفقد ملامحه الوجهية، لكأنه على علم بالقرف الذي يتراءى عليه، وهذا يزيد في فضول مشاهدة حقيقة أمره ميْتاً.
في الحالة هذه حصراً، يمكنني التصريح بساديتي، ولعلَّها ليست سادية، بما أن العبارة هذه تعني كمفهوم: التلذذ بتعذيب الآخر، أو وهو يتعذب، أو ما يرادف هذا المسار: الوجه الداعشي المقضيّ عليه.
تصريح لعله يترجم حقيقة ما ينبني عليه، وهو الاستغراب الذي يستنطق هذه الوضعية، فالداعشي من حيث التوجه المسلكي ” الجهادي ” كما يُزعَم، هو أول من يدفَع به إلى احتقار جسده، بقدر ما يحاول اتخاذه وسيلة للتخلص منه، إنما بإلحاق المزيد من الأذى بالآخرين: بشراً وخلافهم: الموت بأشنع صوره أو مشاهده، وتخريب المكان بأفظع الأشكال: ثمة قطع الرأس، الحرق، الرمي بالشخص من شاهق عال، دون تفريق بين رجل وامرأة، بين صغير وكبير، فالكل سواسية مقرَّرٌ الإجهاز عليهم لأنهم مسكونون بالكفر الداعي إلى النيل منهم إلى درجة المثلة” عبرة لمن يعتبَر “، الداعشي هو أول من يقرّر أن كل ما يصله بلحمه وعظمه ودمه ملوَّث، وتطهيره هو في تدميره، وأن روحه المتصوَّرة وحدها، وحدها فقط، تستحق ” فك أسرها ” بالمزيد من إعمال القتل في النفوس وبطرق شتى، وهو بطريقته يمثّل الحد الأقصى من حالة ما بعد اللامعقول كما أجري له غسيل دماغ .
ولمن يريد أن يستفسر أكثر عما يشاهَد داعشياً، سواء من خلال ضحاياه وآثار جرائمه المروعة، أو نهايته الوخيمة، يمكن الذهاب بالتفكير إلى ما هو أبعد من الممكن التفكير فيه بالمقابل، والتساؤل عن ذهنية الإرهاب ” المقدس ” لدى هؤلاء الذين يُشرِكون السماء في ضروب جرائمهم، وكيف أنهم لا يتوانون في الوقت نفسه عن ممارسة كل ما هو وضيع ومقرف وشائن أو منحط أخلاقياً، وما في ذلك من مغايرة مطلقة لما يعتقدونه أو يكون اعتقادهم، كما هي الآثار الدالة عليهم.
إدامة النظر في جثة الداعشي تضعنا في مواجهة آفة، تشكّل حلقة مريعة ضمن حلقات لا أحد يعلم ما التالية عليها في سلسلة حلقات الإرهاب التي تطوَّب دينياً، كما لو أن ساديتي بالمقابل لا تعدو أن تكون كغيرها من سبر معرفي أجدني ملزماً على الحفْر فيه علَّني أكتشف المزيد من لائحة المحفّزات التي تنشّط رذيلة العنف الدموية لديه، علَّني أتمكن أكثر من الربط بين خيوط اللعبة التي تنسجها الذهنية الداعشية بإرهابها الفائق الهمجية، جهةَ المنتمين إلى أفرادها، وكيف يكون تراتبهم، كيف تتثبت ألقابهم، وتخاطباتهم، كيف يؤدّون الأعمال الموكلة إليهم من هذا المنطلق.
ساديتي هذه كما سمّيتها، أبعد ما تكون عن السادية التي تصل بالنفس وعقدة التلذذ بتعذيب ” الغير “، ربما هي على النقيض من اسمها، بما أنها تقوم على عملية شد أعصاب، وكتْم أنفاس، بغية التحرّي عن المزيد مم يخص هذه الشرذمة المتأسلمة التي يطرحها تاريخنا البشري في هذا الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، شرذمة قتلة من نوع خاص، وتنشَر ممارساتهم بالصوت والصورة، وثمة من يندفع إليهم تأييداً أو مشاركة، كما لو أن الجاري يفصح عن تلك النسبة العائدة من العنف الأكثر دموية في النفس البشرية، وقد تجسّدت غالبيتها في الشرذمة الداعشية تلك.
تُرى أي عنف دموي آخر في انتظارنا، حيث الذين ظهروا سريعاً بعارهم، سينتهون سريعاً بعارهم الدال عليهم أبد الدهر؟
دهوك، في 1 تشرين الثاني 2016