ابراهيم محمود
عرَّف بنفسك لو سمحت، إن كنت كاتباً كردياً، وأنت تتعرض لموضوع يحمل دمغة الكردية وملؤها الكردية عموماً، دون أن تأتي على ذكر أي تنظيم حزبي ولو عرَضياً، ودون استثناء، حتى يكون في مقدورك المضيّ في الكلام إلى نهاية الكلام المفترضة، حتى يكون في مقدور المصغي إليك التأكد من أن كل كلمة، عبارة، جملة تتفوه بها، تحمل ختمك النفسي، وليس أياً كان من هؤلاء الكاثرين المتكاثرين حولك وداخلك، ويريدون منك أن تتكلم بحيث لا تكون أنت، وتلتزم الصمت دون أن يكون الصمت صمتك بالمقابل، ويوحى إلى أنك تقول صدقاً وأنت تكذب وتكذب.
عرّف بنفسك لو سمحت، إن كنت كاتباً كردياً بحق، وأنت تقلب مسألة لها صلة بالكردية، دون أن تشير إلى هذه الجهة الكردية أو تلك، إلى هذه الجماعة أو الفئة التي أحالت الكردية كثيراً كثيراً إلى نظام المحاصصة الملّاكية، وأنت تسترسل في الكلام، دون أن يرف لك جفن، أو تنظر في هذه الجهة أو تلك، لتطمئِن نفسك قبل غيرها أن المتكلم هو أنت، وأن المسألة قيد البحث أو المداولة تعنيك كما لو أنك وليّ أمرها، ليطمئنَّ المجاور لك، أو المصغي إليك، أن ما أنت فيه وعليه، هو أنت وليس سواك، ليكون في مقدوره التنبّه إلى ما يعنيه فعل الذات المستقلة، والجديرة بأن تلوّح بخصوصيتها دون أن تكذب على ذاتها.
عرّف بنفسك لو سمحت، إن كنت كاتباً كردياً بجلاء، وفي هذا الزمن الأكثر إشكالية من سابقته كردياً، دون أن تسمّي أحداً ممن تثقَل بهم الساحة الكردية المنقسمة على نفسها، أو الجاري تقسيمها بصيغ شتى، وأنت تتعزز ذاتياً، وأنت تستلهم ما تريد البحث فيه أو الخوض في غماره بقواك الذاتية، لتكون الواحد والكل، إنما الواحد أولاً وأخيراً، ليعلم من يريد أن يعلم أن المتكلم في القرب منه، هو شخص واحد، ولسان واحد، وذات مستقلة واحدة، ليتعزز هو بدوره في هذا المقام .
عرّف بنفسك لو سمحت، إن كنت كاتباً معنياً بقضية الكتابة، التعريفَ الذي لا ينتظر تصفيقاً كعادة الكردية المعْدية، والتعريف الذي يركّز عليك من تريده معنياً بك من منطلق محسوبياتية معينة، وضمن مصلحة مشتركة، إذ لم يخلْ بمفهوم الكردية، وبالنسبة لقضية الكتابة أكثر من هذه المحسوبية التليدة وفي مسارات مختلفة، وما كان للكتابة الفعلية في الموقع المناسب لها أن تنال شرف اسمها دون ضمان هذه الذاتية التي يفتقر إليها أغلب من يعرَّف بهم كتّاباً، ولهذا، ما أن يتفوه أحد بكلمة معينة، حتى يُسأَل في الحال: مع من هذا الذي يتكلم؟ أي باسم من ولصالح من يتحدث ؟ أيْ أيّ ذيل هو؟
عرّف بنفسك لو سمحت، إن كنت كاتباً كردياً، إن كنت راغباً في أن تكون كاتباً كردياً، إن كنت ساعياً بالفعل لأن تكون كاتباً كردياً، دون أن تحمل توقيع أي طرف، أو جهة، أي فئة على ما تقول وتفعل، وإن كنت طامحاً لأن يصير لك اسم لا يشاركك فيه سواه نفسك، وليس من هو المتوقع وربما المعروف قبل الكلام بأن المحفّز إلى هذا الكلام أو خلافه هو هذا أو ذاك، أي لست أنت، وما يترتب على ذلك من إظهار فضائحية قضية الثقافة عينها بالنسبة للكاتب.
عرّف بنفسك لو سمحت، إن كنت جاداً فيما عزمت على كتابته، أو التعرض له، وليس بين جنبيك أو داخلك، أو من هو قابع في زاوية من زواياك النفسية أو ضمن عبارة لعوب، ويدفع بك في هذا الاتجاه أو ذاك، طبعاً لأنك مهيأ لذلك، وإلا فما عليك إلا أن تثبت فيما تكتب ما يرتد إليك، دون أن تعبأ بمن يمكنه الاعتراض على قولك أو حتى مخاصمتك، أو حتى اتهامك بما هو صادم، إذ لا أدل على سلوكيات كهذه من هذه الإملاءات أو التصرفات أو الالتفافات، ليس لأن هؤلاء الذين يتصدون لك أو سواك في الوضعية المذكورة أقوياء، مرهوبو الجانب، إنما لأن الذي يزعم أنه كاتب يعرَف به ضعيفاً، كونه ينبري في موقع يخص الذين لم يدخروا ولا يدخرون جهداً في جعل كل شيء كردياً شذر مذر غالباً، وأن المنطق السليم بالنسبة للكاتب السليم هو أن يواجَه بحالات كهذه إلى درجة العزل والتشهير، فتلك هي الخطوة الأولى للدخول في عالم الذات المستقلة، وما يترتب على كل ما تقدم من رعب يتملك أولئك الذين يشمتون بالكاتب، من موقع الذيلية، ويتعهدون الأكاذيب.
إنه امتحان الكاتب الكردي الذي لا يخاصم أياً كان باسمه، بقدر ما يصبو إلى ذاته التي تبلور فيه صفته المنتظرة، وهي أنه كاتب، يتحدث باسمه، ويوقّع على ما يكتب على طريقته، وتكون له كردستانه خارج كل تكتل محاصصية، أو كردية كذوب!
دهوك، في 2 تشرين الثاني 2016