جان كورد
معارك الموصل تظهر أن الطريق بين هذه المدينة العراقية ومدينة الرقة السورية التي تعتبر عاصمة ما سمي ب”دولة الخلافة” لم يعد سالكاً لتنظيم الدولة (داعش)، ومهما طال أمد الحرب في الموصل، فإن كل الدلائل تشير إلى أن هذا التنظيم لن يلقى الرحمة من أحدٍ من خصومه، لما اقترفه من جرائم ضد الإنسانية منذ استيلائه على مناطق سورية وعراقية، ولذا، فإن قطع طريقه بين عاصمته في سوريا وبين قواته المتمركزة في العراق، إضافة إلى نفاذ الدعم اللوجستي له، والبترول خاصة، مع انخفاض عدد الملتحقين به من خارج سوريا والعراق مؤخراً، يرسم صورةً قاتمة لمستقبله الذي سيكون مثل كل سلطةٍ مستبدة إرهابية طاغية في العالم، على الرغم من أن بقاءه لا يزال مرهوناً بتواجده على مساحة تسكنها أغلبية من العرب السنة الذين أمدوه بالرجال وساهموا في اتساع نفوذه وتمتده، وبخاصة، العديد من ضباط وصف ضباط نظام صدام حسين البائد،
وها هو شعار (دولة الإسلام باقية!) يختفي بشكلٍ لم يسبق له مثيل منذ أن سلمه كارثي العراق نوري المالكي مدينة الموصل بما فيها من سلاح وعتاد ومال وخزائن للمواد الغذائية، وما أعطاه الرئيس السوري الفاقد لشرعيته، بشار الأسد، من مجالٍ للاستيلاء بسرعةٍ فائقة على مدن الرقة ودير الزور والبوكمال وأطراف من الحسكة. ومع انهيار تنظيم الدولة ستظهر للعيان صورة أشد قتامة لكل من نوري المالكي وبشار الأسد، ولربما لرؤساء دولٍ إقليمية ساعدت هذا التنظيم وكذلك منظمات سورية وعراقية وإقليمية أيضاً.
من خلال مراجعة بعض التقارير الجادة (ومنها تقرير صادر مؤخراً من طرف عمران للدراسات الاستراتيجية) عن واقع الوقود في شمال سوريا، منذ عام 2014، نعلم أن العلاقة كانت مستمرة في مجال تزويد النظام بالبترول من خلال تنظيم الدولة، وفي الوقت ذاته تزويد التنظيم بما يحتاج إليه عبر خط تهريب المواد التموينية وقطع الغيار والذخائر، تحت أنظار النظام، بين ساحل البحر الأبيض المتوسط وشرق البلاد، عبر حمص وبادية الشام، كما أن التنظيم كان قادراً على الاتصال بالعالم الخارجي عن طريق تركيا، العضو في حلف الناتو، وذلك تحت أنظار الجواسيس الأمريكان وبعض رجالات المعارضة السورية، الذين كانوا مستعدين حتى للتعامل مع الشيطان من أجل اسقاط نظام الأسد، ومنهم من لا يزال على هذه الفكرة.
تسليم الموصل بقضها وقضيضها، من قبل رئيس وزراء عراقي شهير، وتسليم مدن سورية لإرهابيين تم الإفراج عنهم من سجون سورية شديدة الرقابة كالحصون القديمة، سيكون مجال سؤال وجواب، بل ومحاسبة، بعد أن تهدأ العاصفة وتتوقف الطائرات عن قصف المدن، وتكف الدبابات عن السير في أزقة الموصل والرقة، بل إن المالكي بدأ يجني ثمار ما زرعه منذ الآن، فطرده منذ أيام من مدينة كربلاء التي يقدسها الشيعة في أيام الأربعين، ولربما محاكمته أمام المحكمة الدولية بسبب الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في عهده وتحت إشرافه، سيفتح صفحة النظام السوري ورأس النظام أيضاً… ومن الدول الإقليمية من لديها وثائق بصدد علاقة الأسد بداعش، كما لدى المنظمات الدولية والكونغرس الأمريكي شهود عيان وصور ووثائق عن جرائمه ضد الإنسانية، وعند ذلك لن يسعفه طيران بوتين، الوحش الذي لا يعرف الرحمة، وينكل كل يوم بالسوريين، بل يهدد بمسح مدينة حلب الكبيرة للقضاء على مائة أو مائتين من المسلحين المتشبثين بمواقعهم داخل المدينة.
والأسد يعلم، مثل المالكي تماماً، أنه في نظر منظمات حقوق الإنسان، وكثير من الحكومات في العالم، مجرم حرب، يجب محاسبته على ما ارتكبه ضد الشعب السوري عامة، كما يعلم أن روسيا لن تتخلى عن مصالحها العالمية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، ولن تعرّض نفسها لمزيدٍ من أخطار العقوبات الاقتصادية القاصمة للظهر، من أجل عيني الأسد الذي لا يستطيع الذهاب إلى أبعد من حدود العاصمة في أنسب الظروف الأمنية وأشدها ضبطاً، ومن دون طيران روسيا وجنجويد إيران وتابعها حزب الله ليس له أي قدرة على حماية عرش أبيه الذي ورثه دون حق ورغم أنف السوريين كلهم.
الأسد يعلم، مثلما يعلم العقلاء من طائفته العلوية، أن انتصار ملالي الفرس، الذين لهم الآن أكثر من 66 فصيل مقاتل ومزوّد بأحدث السلاح والمعدات في سوريا، هو بداية النهاية لطائفتهم، ولعروبتهم، ولسيادتهم على منطقتهم بل هو تمدد عبر العراق وسوريا لحزب الله وللحرس الثوري الإيراني ولأتباع قم والخميني، بمعنى إذابة الطائفة العلوية في مذهب الاثنى عشرية، وهذا ينطبق على الاسماعيليين أيضا، كما سيضيق المكان للكورد والدروز في سوريا، فالكورد في غالبيتهم سنة، وهذا لا يروق لملالي طهران، ولأنهم يطالبون على الدوام بحقهم القومي، كما هو وضعهم في إيران ذاتها، والدروز يعتبرون في نظر الشيعة طائفة خارجة عن الولاء لأهل البيت…
فهل سيغير الأسد من استراتيجيته، ويدافع عن سوريته وعما تبقى من سيادتها، ثم يتنحى طوعاً واختياراً قبل فوات الأوان ويفسح المجال للشعب السوري بأن يداوي جراحه ويستعيد سيادته على أرض وطنه، أم أنه سيستمر في السكوت عن التمدد الفارسي الشيعي حتى يتم ابتلاع سوريا بأسرها وضمها إلى بلاد الثورة الخمينية كالعراق، وبالتالي تحويلها إلى محمية تابعة لطهران؟
مستقبل نظام الأسد بعد التخلص من داعش لا يزال في نظر البعض من السوريين مجهولاً، إلا أن كل الاحتمالات واردة، بما فيها تحوله إلى مجرد بيدق لدولة ولاية الفقيه في إيران، وما على الأسد إلا أن يختار بين التنازل لشعبه أو الخضوع التام لولي الفقيه… وقد يتفق الروس والأمريكان على إنهاء ولايته للبدء بإنشاء نظامٍ جديد للحكم في سوريا، قد يختلف تماماً عن سوريا العروبة والبعث وسيطرة العقيدة السياسية الكلاسيكية في البلاد، وقد لا يكون حسبما يريده الإيرانيون إطلاقاً.
24 تشرين الثاني، 2016