د. محمود عباس
إن كانت المراجع الإسلامية ومراكزها مسلمين واعين كما ينبغي؛ لاستطاعوا تقليل المغررين بهم من أتباع داعش والقاعدة؛ ولكنهم يتصرفون بهذا الشكل ونحن نرزخ تحت ثقل السذاجة، وفي الحقيقة ليسوا متقاعسين من إيجاد الحجة والتأويل النصي ليثبتوا أن داعش إسلام تكفيري والقاعدة إسلام تكفيري كذلك. نعم أن داعش، بقيادتها الحقيقية، ملحدة، تستخدم الإسلام لمحاربة الإسلام؛ بينما القاعدة فهي رؤية آل سعود وشيخهم عبد الوهاب للإسلام البريطاني. لا يخفى على المسلم المتبصر أن إسلام آل سعود إسلام ابن تيمية هو الإسلام الذي أسنده بريطانيا كما هو الحال مع إسلام القاديانية وغيرها من هؤلاء التيارات التي وجدت السند القوي لها بعد غزو العالم الإسلامي من قبل الغرب، حيث تلاقت المصالح على عتباتها، وأسندت إلى تاريخ الإسلام السياسي التكفيري-العنفي.
فداعش أسسه النظام السوري بالتعاون مع فلول البعث العراقي، وعين للواجهة البغدادي، وصرف عليهم الأموال، فاشتغلت الآلة بقوة المال، والتمّ حوله، في البداية رواد السجون، هذا ما ضخه النظام السوري وسيادة المالكي؛ كي تتحرك الآلة وتدخل حيز العمل، ومن ثم المغرر بهم. عندما نجد أخا سوريا من داعش يقتل أخاه معتبرا إياه مرتدا، ويعلن لعائلته ولعشيرته أنه بقتل هذا المرتد، يقصد أخاه، يغسل العار ويطهرهم من الكفر، وفي السعودية يقتل الأبن والدته ويطعن والده، والأخر يقتل ابن عمه، والإجرام الذي لا يقبله العقل البشري، ونشرها، لتنصيب خليفة الإسلام، علينا أن نعي أنه وراء هذه الأعمال، وهاتين المنظمتين، فكر تضليلي مرعب، لتدمير المنطقة، لا نستبعد بأنه ثأرا لهيمنة خسروه، وطغيان فكري فاجر يحلمون بتعميمه.
نعم هذا ضيّق الأفق متحمس للإسلام إلى أبعد الحدود، فأقنعه المال وخبرة البعث المتراكمة عبر العقود، واستخدامه لأذكى الخبراء في مجال تضليل الناس واستغلالهم، بل تضليل الدول واستغلالها. وما تَحارُبنا مع داعش سوى أسلوب آخر من أساليب البعث العراقي، المقبور، والبعث السوري الأسدي. ومن ورائهما الغرب والشرق كافة؛ ليقتل بعضنا البعض، وبالتعاون مع إيران شيعة الخميني، فالمؤامرة على السنة أولا ومن ثم على الإسلام، لكون السنة هم السواد الأعظم من أمة الإسلام، وتشعبت لتدرج ضمنها الشعوب المطالبة بحقوقها، كالكرد السنة والإيزيديين والأمازيغ والمسيحيين وغيرهم.
فكون إيمان الأغلبية من شعوب المنطقة بالإسلام راسخ لا يتزعزع، وجدت داعش والقاعدة، مرتعا خصبا لها بينهم، وبدعم مادي وفكري هائل، وتحت مظلة نشر مفهوم تحريضي بين مسلمي المنطقة والعالم: (كيف يغيب عن بالكم ما يفعله الملحدون بنا) تمكنوا من السيطرة على جغرافية واسعة وبسهولة، وبمساعدة من يقف ورائهما.
أعتبر داعش تنظيما بعثيا ذات واجهة إسلامية، وبالقناع الإسلامي يحارب الإسلام وبوضوح كامل لا يرقى إليه الشك. ولكن تخلف المسلمين، وتسلط الحكام المتأسلمين على رقابنا نرى كل من يتبنى مثل هذا الإسلام هو شطحة من شطحات المسلمين. فوجود داعش ومسالمة أولياء أمور المسلمين حياله، وعدم تكفيرهم، دليل قاطع على تواطئ حكام الشعوب الإسلامية مع أعداء الإسلام.
ليس من الصعب استعادة غالبية المغرر بهم إلى الطريق الصحيح؛ ولكن تواطؤ الحكام وتخلف علماء المسلمين جعل داعش قوة في أعيننا. وهذا ما يجعل الغرب والشرق يتظاهران بارتهابهما منه ومن أمثاله باعتبارهم ممثلين للإسلام المتطرف؛ في حين هما وبتواطئ أو مساندة السلطات الإقليمية، من يمدنا بهذا الإسلام من وراء الستار. أظن لو نتابع اليتوتيوبات التي توثق قيادة داعش البعثية للأوربيين وللأميركيين على حد سواء، لاقتنعتم أن المسألة تتجاوز داعش بكثير، بينما نحن ببساطة السريرة ننجر وراء ما يلبسونه بزي الإسلام المتطرف، فما داعش ومجموعات القاعدة سوى جيش من جيوشهم المسلط علينا بالتعاون مع حكامنا، والخلافات التي برزت في سوريا، في السنوات الأولى من انطلاقة المعارضة السورية المسلحة، بين جبهة النصرة وداعش، لم تكن سوى انقسام بين جيش واحد اختلفت تبعيتهما للقوى الإقليمية، وظلت الغاية هي ذاتها، حتى عندما بدأ كل جيش وتحت أجندات معينة توجه بندقيتها إلى طرف.
ومسألة التكفير ليست وليدة داعش ولا وليدة القاعدة؛ إنما هي ذاتها أحيتها بريطانيا من ضمن ركام الماضي، عندما أسقطت الخلافة الإسلامية في إسطنبول بالتعاون مع الاتحاد الترقي، وبعدها بسلخ بلاد الشام من الاتحاديين بالتعاون مع الشريف حسين ونجليه، ومن ثم محاولة هذا “الشريف” تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد إسطنبول، فتنبهت بريطانيا لذلك وأقامت عليه آل سعود، هذه العائلة التي كفرت المسلمين إلا من كان على مذهبها، وحكمت مقدسات المسلمين، لا أظن أنه بخاف عليكم ماذا فعلت هذه العائلة بآثار الرسول بعدما استتباب الأمر لهم. والآن نأتي لنذنب فقط معظم المغررين بهم ممن ينضوون تحت راية داعش، أما القاعدة فهي نسخة من آل سعود ارتدت على أولياء عائلة سعود.
فالمسلم المتبصر (وهي الفرقة الناجية من ثلاث وسبعين فرقة ضالة) يوجه إصبع الاتهام إلى المصدر، كي يعلم المسلم الجاهل بحقيقة الأمر وليس الانجرار وراء ادعاءات أعداء الإسلام؛ لأنه مهما حاولنا اتهام داعش والقاعدة فهما أداتان لا بد أن يؤديان دورهما كما يجب وإلا اُستُبدلا بغيرهما.
ألا نبصر أننا محكومون بحكام خدم أذلاء لدى أعداء لشعوبها من المسلمين وغير المسلمين؟ فهم الذين صرفوا الأموال الطائلة لتوسيع الفكرين الوهابي والشيعي في المنطقة، وعلى خلفيتها نقلوا الصراع بين الشعوب والطغاة إلى صراع بين الشيعة والسنة، أو بالأحرى بين التكفيريين من السنة والشيعة، بين آل سعود وأئمة ولاية الفقيه. وتنوعت البؤر الساخنة بينهم، فتآذت الشعوب من وراء مصالحهم، وتباروا على قيادة المنظمتين، وكليهما ضخا إليها الأموال والفكر، ولم يهمهما بما يفعلانه بالإسلام كدين. فعلى سبيل المثال صرفت السعودية الملايين لنشر الفكر الوهابي في جنوب كردستان (الإقليم الفيدرالي) فبنت أكثر من 4000 مسجد ما بين عامي 1991 و2015م، ليقترب عدد المساجد في الإقليم إلى قرابة 5500 مسجد، وهي لا تزال تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر على بناء 130 مسجدا في الشهر الواحد، ولا تقل أفعال أئمة ولاية الفقيه عنهم في المناطق الخاضعة لأجنداتهم، وبنائهم للحسينيات، غايتهما ليس الإسلام بل نشر الفكر الوهابي- فكر ابن تيمية (الإسلام المقبول لأجندات بريطانيا حينها) والشيعي، وورائهما غايتان تدمير الإسلام الحقيقي في المنطقة، وطمس القضية القومية الكردية.
وعلينا أن ننتبه أن هذه القاعدة ليست خاصة بالإسلام وحده؛ إنما هي تخص كل دولة متخلفة إن كانت إسلامية أو غير ذلك، هذه ضريبة التخلف، وباعتبار من يقود الحركات الإرهابية تحت غطاء الإسلام، نجد أن السهام يتوجه إلى الإسلام؛ لكون الإسلام له فلسفة وعقيدة عقلانية، مثل غيرها من الأديان قاطبة، التي مرت بمراحل مشابهة من التطرف والتكفير، بالإمكان أن توجه في طرفين متضاربين، السلام أو العنف، وحسب المصالح والغايات، والمعادون للإسلام يسخرون مسيرة أعمال المجموعات المتطرفة، والتي تهيج البشرية ببشائعها وليست بثقلها البشري. وهذا ما يدعونا أن نرى السهام موجهة للدين الإسلامي؛ كونه يمدنا بعقيدة أساسها العقل، وكذلك بفلسفة ومنطق يخرجان من جوف العقل ومن رحمه. فعلى المسلمين أن يميزوا بين المصدر والفرع أي بين المنبع والساقية، ولا يتهاونوا على تكفير من يستحق التكفير، كداعش والقاعدة.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
8/2/2016م