ســـوريا تنتظر.. في مربع مخيف

أحمـــــــد قاســــــــم
يخطئ من يتكهن بأن أمريكا سلمت ملف سوريا لروسيا, فهي تدير الأزمة مع بقاء النظام ريثما تتشكل قوة ليبرالية تتمكن من إستلام الحكم بعد تشديد الخناق على المتطرفين الإسلاميين والشوفينيين الذين يفكرون حتى الآن ويحلمون كيف سيرمون اليهود إلى أعماق البحر.. وتأكدوا بأن النظام القادم في سوريا لايمكن أن يتأسس بلون واحد, فالتشاركية بين المكونات هي السبيل الوحيد لإرساء سوريا على بر الأمان مع إزالة التهديد على الوجود الإسرائيلي المتجاور مع الحدود السورية.
ما يقارب سبعون عاماً والصراع العربي الإسرائيلي لم ينتهي. هذا الصراع الذي أوجد أنظمة دكتاتورية في المنطقة تحت شعار ( القضية الفلسطينية قضية مركزية, والسلام مع إسرائيل خيانة قومية ) ناهيك عن الشعارات المخادعة للشارع العربي, أوصلت المنطقة إلى حالة مرفوضة جملة وتفصيلاً.. 
حيث الخيرات تذهب إلى حسابات الحكام في البنوك العالمية والشعب يزيد عليهم الفقر والجهل والحرمان.. إلى أن تشكل جيش من لا يحصى من الشباب الضايع في أزقة المدن محرومين من أبسط حقوقهم في الحياة, لتستغلهم أهل الفكر التكفيري, وكذلك أهل الشعارات الشوفينية وتحريضهم على الإستقرار والأمن العالميين بحجة أن الغرب الكافرة هي من تسبب كل المآسي في المنطقة, وبالتالي تجعل من هؤلاء المحرومين مشاريع إنتحار في وجه الحياة الحرة الكريمة أو في وجه مشاريع التي تجلب الحريات.. إلى أن وصلت المنطقة إلى حالة من الرعب والخوف, تدفع مواطنيها إلى التخلي عن الأوطان ليلجؤوا إلى نعيم الغرب هرباً من الموت.. وسلوكيات الأنظمة التي تتطلع إلى المواطنين كأنهم عبيد.
حان الوقت أن يُغْلق هذا الملف الذي خلفته مراحل الحرب الباردة.. لذلك ممنوع أن تستلم الحكم في المنطقة تيارات إسلامية متشددة أو شوفينية عنصرية حتى وإن أدى ذلك إلى إزالة خرائط ودول بحالها.. لأن العالم أصبحت قرية صغيرة مع الثورة الهائلة لتكنولوجيا الإتصالات, وبالتالي تغيرت كل معاني السيادة الوطنية معها. فأي بؤرة توتر وعدم إستقرار في العالم تؤثر سلباً على حياة البشرية. لذلك من حق العالم المتحضر الحر الديمقراطي أن يتدخل في شؤون أية دولة إن لم تؤمن حرية لمواطنيها وحقهم في الحياة بشكل عادل.
لذلك فإن سوريا, لطالما أنها تشكل عتبة الشرق الأوسط, فلا يمكن أن يحكمها المتشددون الإسلامويون أو الشوفينية العربية مرة أخرى.. فإن محاولة البعث السني السوري والمتحالف مع البعث السني في العراق أن يحكموا سوريا مرة أخرى بحجة أن ” الحكم العلوي في سوريا ” هو من سبب لسوريا كل هذه المآسي, فهو يحلم ويسيل لعابه على الحكم من دون أن يعير لإرادة الشعب أي إهتمام, وينسى بأن الشعب السوري في غالبيته العظمى ضد هذا الخيار. فلو أحصينا سكان سوريا مذهبياً ودينياً وقومياً بشكل دقيق وخيرناه بشكل حر لإختيار شكل الحكم في سوريا, فمن دون أي شك أنه سيختار الحكم التشاركي الديمقراطي التعددي, لأن العرب السنة ” والذين يحملون فكر الإسلام المتشدد والفكر العروبي القومجي ” لايشكل إلا الأقلية التي لايمكن أن يحكم عن طريق الإنتخاب الحر.. فهمهم الآن إما أن يحكموا عن طريق شكل من الإنقلاب على حكومة البعث القائمة ورئيسها بشار الأسد العلوي, أو المساومة مع النظام للمشاركة في نظام جديد عن طريق التفاوض من دون التخلي عن أطماعة للسيطرة على الحكم بشكل كلي وتغييب بقية المكونات من الشعب السوري بشكل أبشع مما كنا نعانيه من نظام الحكم لحزب البعث طوال أكثر من خمسة عقود.
هذه المعادلة تدركها الولايات المتحدة الأمريكية بشكل دقيق, ولا يمكن أن تُمَرَرَ عليها هذه اللعبة الخبيثة من قبل الإسلام المتشدد والعربي المتزمت العنصري, كون ذلك كما أسلفت سيشكل خطراً حقيقياً على الوجود الإسرائيلي أولاً, وتهديداً مباشراً على أمن وسلامة المنطقة والعالم بشكل كلي. ولطالما أن القوى الديمقراطية والليبرالية لمكونات الشعب السوري في حالة التشتت, وليست مهيئة حتى اللحظة لإستلام الحكم بشكل تشاركي على أسس ديمقراطية, فكان ولابد للولايات المتحدة تأجيل إسقاط حكم البعث إلى مرحلة لاحقة ريثما تتغير الظروف وتتشكل قوة ديمقراطية قادرة على إدارة الدولة ومواجهة الأخطار..
إذاً, نحن أمام متغيرات تاريخية كبيرة, ستتصارع فيها القوى المختلفة بأثر شدة وعنف.. وإن تشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب جزء من هذا الصراع.. والمطلوب من الديمقراطيين السوريين إدراك ومعرفة تفاصيل هذه المعادلة الخطير, وفتح الحوار فيما بينها بشكل عاجل من أجل تشكيل قوة إضافية ضاغطة على قوى الإرهاب التي يدعمها في حقيقة الأمر الإسلام السياسي والشوفينيين العرب المتبعثيين, وذلك لتخفيف الخسائر والإسراع في تغيير ميزان القوى لصالح مشروع السلام بين السوريين كافة وبالتعاون مع الولايات المتحدة والقوى الديمقراطية في العالم.
لذلك, أئكد على أن الأزمة ستستمر, والحرب ستستمر بشكل أكثر جنونية إلى أن تتغير موازين القوى بين المتشددين والشوفينيين من جهة وبين الديمقراطيين الوطنية من جهة أخرى. يجب أن يتم الفرز بين هذه القوى التي إختلطت بفعل النظام وتزاحم قوى الإرهاب على سوريا. كان من السيئ جداً إعتبار المنظمات الإرهابية والشوفينيين من المعارضة للنظام. واليوم, أرى أن الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مدعوٌ أكثر من غيره من القوى العمل على هذا الفرز, ودعوة الديمقراطيين إلى تشكيل كتلة ضاغطة سياسياً ودبلوماسياً, وبالتالي أخذ موقف أكثر وضوحاً تجاه المتشددين والمتزمتين العنصريين. من دون ذلك لايمكن أن ندفع بسوريا إلى بر الأمان, ونرفع عن الشعب السوري هذه الغيمة السوداء, ليعود الوطن حضناً دافئاً لكل مواطنيه.
1282016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…