صبيحة خليل
خمس سنوات والمناطق الكردية السورية رهينة بيد حزب الاتحاد الديمقراطي. الذي هو في واقع الحال أحد استطالات حزب العمال الكردستاني. تحولت هذه المناطق إلى محميات عسكرية يمارس فيها كل طقوس النظم الشمولية. من اعتقال وقتل وتهجير لمجرد الاختلاف بالرأي . لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد إلى فرض الضرائب و الأتاوات وسوق الشباب و الفتيات والأطفال إلى معارك لا جدوى منها. ولم تسلم حتى المؤسسات التعليمية من تشويه المشوه أصلاً و التي راحت تقلد مفاهيم البعث الشوفيني في فرض المناهج الدراسية التي تكرس عقلية الحزب الواحد والقائد الأوحد.
ورغم كل الأصوات المنددة بتلك السياسات التي كلفت الشعب الكردي الكثير. سواء من الأحزاب الكردية الأخرى أو من المثقفين ومنظمات المجتمع المدني و غيرها من الفعاليات. لم يعر الاتحاد الديمقراطي بالاً لتلك الأصوات وظل ماضياً في سياسة الإقصاء والانفراد.
حتى سياسات حكومة إقليم كردستان العراق اللينة في تقريب وجهات النظر لم تجد نفعاً أمام تمترس الاتحاد الديمقراطي خلف سياساته و تم ضرب كل المحاولات بعرض الحائط وأغلق الباب على أية مبادرات للتسوية .
في نفس الوقت كانت منظومة تف-دم التي يتبع لها الاتحاد الديمقراطي تبني شبكة من العلاقات المعقدة مع النظام الأمني القمعي السوري و ينسج من طرف آخر خيوط اتفاقيات مع نظام الملالي في إيران ووثّق من تلاحمه مع جماعات الحشد الشعبي الشيعي في العراق وركب موجة مكافحة الإرهاب التي شكلت هاجساً عالمياً. فاستفاد من تلك المخاوف وبنى مجموعة تفاهمات مع حكومات عظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا. وتحول بين ليلة وضحاها إلى بطل تتصدر صور مقاتليه كبريات الصحف والأقنية العالمية. بطل سيكتشف لاحقاً أنه في واقع الحال مجرد مأجور يعمل لقاء حفنة من الدولارات وبعض شحنات الأسلحة.
وسط هذه المعمعة زادت كمية البطش والإقصاء بحق أبناء جلدتهم بعدما تجرعوا الغرور وتوهموا الثقة العمياء بصواب سياساتهم، وراحوا يدّعون بأنهم تحولوا إلى جزء من السياسة الدولية، أي أنهم دخلوا اللعبة. واللعب مع الكبار أهم من الإصغاء لصوت الشعب المقهور. في محاكاة تامة لسياسة البعث السوري الذي أقام سلسلة من الصفقات طوال أربعة عقود ونيف لديمومة نظامه الأمني.
اليوم تبدو ملامح مرحلة جديدة تلوح في الأفق، حيث التقارب الروسي التركي بعد زيارة أردوغان لموسكو. المفاجئة، التي تكللت بتطبيع العلاقات بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية وحسب مصادر روسية ستتبعها سلسلة من اللقاءات على مستويات وزراء الدفاع والأمن. ومن جهة أخرى هناك تسريبات تدل على تململ الحكومة الأمريكية من سلوكيات وتصرفات الاتحاد الديمقراطي خاصة فيما يتعلق باتهامات وجرائم تطهير في بعض المناطق السورية. يضاف إليها علاقاتها المشبوهة مع نظام الأسد والذي يثير قلق الأمريكيين وفق ما جاء في تقرير مقتضب لمعهد واشنطن للشرق الأدنى. على صعيد آخر يبدو أن صلاحية العلاقة مع ميلشيات الحشد الشعبي العراقي قد قاربت هي الأخرى على الانتهاء وفق ما أكده محمود سنكاوي عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني والمقرب من حزب صالح مسلم الذي حذر من أن الحشد الشعبي يفكر بالالتفات إلى الاكراد بعد انتهاء معاركها مع داعش.
في حقيقة الأمر كل المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية فيما يخص سوريا والتي تحولت مؤخراً لمحور سياسة العمال الكردستاني تمضي عكس ما كان يتوقعه فرعه السوري. أي الاتحاد الديمقراطي. يترافق ذلك مع انهيارات لقوات النظام السوري في معارك حلب التي انعكست هي الأخرى على سياسات الدول الممولة للصراع السوري. وغيرت كثيراً في الأجندات.
ويعود اليوم مجدداً الصراع الخفي داخل أفرع العمال الكردستاني ليطفو الى السطح من خلال رفض صلاح ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطية لتصريحات زعيم تف – دم جميل بايك الذي طالب بنقل المعارك مرة ثانية إلى المدن والبلدات الكردية التركية، الأمر الذي يحاول بعض قادته ترحيله قدر الإمكان إلى وقت آخر. بالتأكيد ملامح هذا الصراع الداخلي هو نتيجة طبيعية لتعدد الولاءات داخل البيت الداخلي للعمال الكردستاني الذي لم يعد يأبه حتى برسائل وتوجهات زعيمه الروحي عبدالله أوجلان، والذي دعا في أكثر من مناسبة لتطبيع العلاقات مع حكومة أربيل الكردستانية كمثل يحتذى في التآخي والتعاضد الكردي- الكردي. والتوقف عن سياسة التخوين والتشكيك التي يطبل لها ليل نهار.
أخيراً يمكن القول أن ما ينتظر العمال الكردستاني خاصة فرعه السوري المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي هو الكثير من المفاجئات والانكسارات والخيبات على ضوء المتغيرات الدولية والاقليمية. وأن سياسة اللعب مع الكبار تشبه إلى حد ما اللعب مع النمور. ما أن تنتهي حتى ينقضوا عليك . تلك اللعبة التي لم يتعلمها الكرد طيلة تاريخهم الشاق . السؤال الذي يطرحه الكثير من الكرد قبل الآخرين هل يفكر الاتحاد الديمقراطي في فك ارتباطاته الخارجية و اللوذ بالعمق الكردي السوري و تحديداً المجلس الوطني الكردي من أجل توفير الغطاء كما حدث مع جبهة النصرة، أم ما زال الوقت مبكراً للتكهن بهكذا حلول!؟