وليد حاج عبدالقادر / دبي
يوم بعد آخر تتكشف الحلقات المتداخلة بدوائرها ومربعاتها المحوطة كخاصية تزنر الأزمة السورية التي تحولت الى صراع عسكري تغطي جغرافيا دولة سوريا سايكس بيكو وبخاصية جذب عالية وكحاضنة لقوى ارهابية اختزلت في الواقع انموذجا مصغرا لحرب كونية لم يستخدم فيها فقط السلاح النووي بعد ، وان لم تغب عنها مطلقا الكيميائي ، وطبيعي ووسط هذه التداخلات في مصالح المشاركين وتقاطعها الى درجة الحدية في التصادم والعدائية في التصورات ، لا تلبث بدورها وكنتاج طبيعي لدوامة هذا العنف الشديد فتفرز / الأزمة السورية / بتعمقها مصالح متغيرة تتجدد مع صعود او خفوت ظاهرة ما ولتبرز للعلن وضمن نطاقيات الإقليم المحيط بدولها بوادر تحالفات وتجاذبات جديدة تستقطب فيها دول وقوى تبدو لوهلة استحالة تلاقيها في نقطة تشاركية ان مع النظام او ضده مثلا ، او حتى النقاش في هذه المسألة كخطوط حمر وثوابت لا مناص فيها ، وإذا بها مثل كثبان الرمال متحركة
و هنا وفي قراءة سريعة للأحداث في الشهرين الأخيرين وباختصار شديد ، لا بد من التركيز على الأزمة الروسية / التركية التي نجمت عن اسقاط الطائرة الروسية و الخلاف التركي الإيراني على ارضية تناقض المصالح الحيوية والمتشابكة بين الدولتين وانعكاس هذه في المحيط العالمي والتحالفات التي تشكلت وتموضعت كلها تحت عنوان محاربة الإرهاب والقضاء عليه كهاجس ومهمة أساس، وجاء الإنقلاب العسكري في تركيا ليخلط الأوراق ببعضها وبسرعة متناهية ، ولم تخف ما بدأ يطفو على السطح بأن هناك قضايا كثيرة قد اشتغلوا عليها منذ بشهور ، وهنا أخذت تتمظهر بالترافق مع فوبيا مزدوجة لأردوغان ومن خلاله ، الدولة التركية : نعم ، فوبيا مركبة تمثلت بظاهرة غولن الممتدة منذ لحظة افتراق اردوغان / غولن وتضخمت الآن ، وفوبيا كوردية تمتد بجذورها داخل الدولة التركية منذ تأسيسها كوريثة للسلطنة العثمانية بعد قصقصتها وابقاء المنطقة المشمولة بمعاهدة سيفر كواحدة من توافقات افرزتها مؤتمر الصلح و ادمغت بموافقة عصبة الأمم ، وهنا لا بد من التذكير بمناورات مؤسس الدولة التركية أتاتورك وتنقله من تحالف دولي الى آخر وهمه الأساس هو اجهاض معاهدة سيفر الى أن استطاع انتزاع اتفاق لوزان الذي قضى على الحلم الكوردي حينذاك ، والتاريخ سجل حجم التنازلات البينية وخاصية القطع واللصق للأراضي في الدولتين المتشكلتين / العراق المنتدبة من قبل انكلترة وسوريا من قبل فرنسا / وكتسوية لمسألة الموصل بضمها للعراق رافقتها اقتطاعات من خارطة سوريا وضمها الى تركيا ، وليرتهن منذئذ مصير كوردستان بشعبها بين اربع دول بعد ان كانت قد تموضعت بموجب معاهدة زوهاب عام ١٦٣٩ بين الدولتين العثمانية والصفوية ، وهنا وفي العودة الى الأزمة السورية المستفحلة ومآلات ما بعد الإنقلاب العسكري في تركيا وبالتالي انكشاف الخفايا التي كانت تتم بسرية تامة ولتتضح كيف ان النظام السوري ومن وراءه ايران استطاعا ان يستغلا فوبيا الترك من الورقة الكوردية لدرجة كبيرة وعلى اساسها تم دعم حزب الإتحاد الديمقراطي وافساح المجال له للتمدد والإستقواء ايضا ولتحظى هذه القوة / اتحاد ديمقراطي / بالإهتمام امام تنامي قوة داعش وسطوتها وسعتا بكل جهد ان تبقياها كقوة وحيدة من خلال منع / بيشمركة روچ / من دخول كوردستان سوريا بذريعة حتمية الإقتتال الأخوي ، ولتخوض هذه القوة معارك عديدة في كوباني شدادي و منبج ؟! وفي تجاوزها لمنبج ومحاولة الوصول الى الباب تتالت الإنكشافات المتلاحقة ، بينيا كورديا مارست سلطة الأمر الواقع ارهابا فظيعا ضد القوى السياسية الكوردية فاستهدفت مكاتبها وأهانت العلم الكوردي واعتقلت قادة ورفاق لاحزاب المجلس الوطني الكوردي كما واعترضت جنازة شهيدين من البيشمركة استشهدا في قطاع خازر ، وقبلها حدث انفجار كبير في قامشلو سقط نتيجتها شهداء وجرحى كثيرين و تلتها بروڤا معركة الحسكة كطعم ابتلعه حزب الإتحاد الديمقراطي وكان بيان الناطق العسكري للنظام رسالة واضحة لتركيا بربطه جهاز / الآسايش / بحزب العمال الكوردستاني المصنفة امريكيا واوروبيا كمنظمة ارهابية وذلك من دون وحدات الحماية وعلى وقع اشتداد المعارك تدخلت روسيا وتم وقف اطلاق النار واعادة تموضع لقوات الطرفين في المدينة ، رافقتها كما اسلفنا نية التوجه الى الباب ومعها ارتفاع وتيرة غضب الدولة التركية ومن جديد ظهرتمؤشرات لإتفاقات تمت بين كل من تركيا و ايران ودمشق وكنتاج للقاءات عديدة تمت ولا تزال بين الدول الثلاث بعضها تمت قبل شهور ومنها جولات منظمة تعقد في طهران ورافقتها زيارات رسمية وليظهر من جديد ان الأمن القومي التركي يتقاطع مع السوري والإيراني باعتبار ان اية منحى ذي خاصية قومية كوردية وفي أي جزء من كوردستان تشكل خطرا وجوديا على امن تلك الدول ووحدتها وقالها بصراحة مستشار الأمن القومي الإيراني / علي شامخاني / في تصريحات أخيرة له ، وهنا واستنادا لتوافقات واضحة غير معلنة وتحت بند محاربة الإرهاب وضرورة انسحاب وحدات الحماية الى شرق نهر الفرات بموجب التفاهمات السابقة لعملية تحرير منبج ولتستغل تركيا ذلك وتعلن معركتها المتعددة الأهداف في جرابلس ، وهنا ؟! أيعقل أن تتم هكذا أمور من دون تفاهمات مع روسيا وايران والنظام السوري ؟ أم هي نتاج لتلك اللقاءات السرية في دمشق أوالجزائر وطهران ولقاءات المسؤولين الترك والإيرانيين والتي فاحت منها رائحة المقايضات ؟! وهنا تبرز مسألة حلب بعنف معاركها التي سجل عليها ألا تحسم لأي طرف رغم حشد النظام مثلا قوات مختلفة وغطاء جوي مدعوم روسيا قوي و كادت ان تحسم المعركة ، لا بل ، حددت هي وروسيا منافذ خروج للمدنيين والمسلحين وفجأة تغير المشهد وبات المحصور يحاصر ومنيت قوات النظام ومناصريه بخسائر فادحة ، ومعها اعيدت موضوعة جبهة النصرة واعلانها عن فك ارتباطها مع القاعدة وتغيير اسمها وكان لها دور هام في معركة حلب إلاانها لم تستطع ان تقنع العالم بحقيقة انفصالها عن القاعدة على حد قول كيري ولافروف من جينيف الجمعة الفائت وإلإصرار على استهدافها مثل داعش والقضاء عليها ، وليبرز من جديد هنا ادور تركيا و تفاهماتها مع روسيا و ايران ومن خلالهما النظام وعلى ارضية المقايضات فأن سيناريو معركة حلب القادمة ستكون من الأعنف في المشهد السوري وستستخدم فيها ضربات جوية كثيفة وشرسة من قوات التحالف وروسيا كاستهداف علني للنصرة يرافقها ضغط بري من جيش النظام والميليشيات المساندة له وستسقط بيد جيش النظام او لربما ستسلم لها كما سلمت جرابلس لتركيا تحت ذريعة عدم وجود قوات ارضية معتدلة وكأولوية القضاء على الإرهاب وبالتالي السعي الى مصالحات مناطقية مثلما جرى مؤخرا في داريا قبل ايام حسب تصريحات لافروف مستندا على معلومات قيادة مطار حميميم الروس ، وخلاصة القول هنا ؟! ألا يفهم من كل هذه المؤشرات و التوافقات وبالرغم من حضور كيري الا أن امريكا تبدو هي الغائبة الأكبر في هذه المعادلات كلها !! أو أقله هكذا تريد أن تظهر !! ..