صالح مُسلم إذا شكا الاستبعاد!

رستم محمود
في
طريق عودته من جنيف خالي الوفاض، لا بد أن رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي الكُردي
السوري صالح مسلّم كان مستاء وشكا لجُلسائه مرارة ما جرى، حيث رُفض حضوره مؤتمر
المفاوضات السورية كطرف رئيس مُعترف به. لنتخيله يقول لهؤلاء الجُلساء، وربما
لنفسه، كيف يتم استبعادنا ونحن أكثر الأطراف سيطرة على حيز واسع من الجُغرافيا
السورية، ونحن الذين كُنا أكثر المحاربين لتنظيم داعش، بالإضافة لكوننا نملك أكثر
التنظيمات المُسلحة تنظيماً والتزاماً ووضوحاً في طرحها المشاريع السياسية
«المدنية».
ولنتخيل ما هو مرجّح من أن مُسلم شكا هذا القدر من التدخل التُركي في الأحوال السورية، ومن استبعاد الكُرد عن اللعبة السورية وتحديد مصائر البلاد وهويتها.
ربما كان مُسلم ليكون مُحقاً في شكواه هذه التي نرجّحها لو أنها كانت
مُجردة عما مارسه حزبه بشكل فعلي ومباشر بحق «الشُركاء» السياسيين والاجتماعيين
الفعليين في المناطق التي يحكُمها حزبه. فمجموع الإجراءات الاستبعادية التي مارسها
هذا التيار السياسي بحق الآخرين تكاد تفوق كثيراً جداً ما حصل بحق السيد
مسلم.
في الشهور الأولى للثورة السورية، كان الاتحاد الديموقراطي يشكل تياراً
سياسياً كُردياً «عادياً»، مثل عشرات التيارات السياسية الكُردية السورية الأخرى،
لكنه وحده اتخذ موقفاً مُغايراً للخيار الاستراتيجي لهذه الأحزاب الكُردية
بالمُشاركة في الثورة السورية، وسعى بإلحاح لإخراج الخيار والخطاب الكردي السوري عن
سياقه السوري. وهذا لم يكن أبداً لصالح خيار سياسي كُردي سوري، بل فقط ليتطابق مع
خيارات حزب العُمال الكردستاني الإقليمية ومسألته المركزية في الدفاع عن الحقوق
القومية للكُرد في تركيا.
بعد ذلك بشهور، وحينما تحقق التوافق بين ذلك الحزب
والنظام السوري، وبأدوات وسلوكيات وخيارات مُختلفة وعنيفة، أقصى هذا الحزب بقية
التيارات والأحزاب الكُردية السورية. أزاحهم أولاً عن النشاط والفعل المباشر في
الشارع الكُردي، واحتكر المجال العام لنفسه ولشعاراته وخياراته السياسية. وهو، منذ
وقت أبعد، ومنذ إعلان الاتحاد عن الديموقراطية للإدارة الذاتية في المناطق التي
يُسيطر عليها، بات يُشكل سُلطة شمولية لمناحي الحياة العامة كافة في تلك المناطق،
وبالذات منها الإدارية والاقتصادية والسياسية، مُستبعدا أي طرف أو تيار سياسي كُردي
أو غير كُردي، عن أي شراكة حقيقة في تلك المناطق الخارجة عن سيطرة النظام للوقوع
تحت سيطرة الاتحاد الديموقراطي بشكل تام.
لم يكن نوع الهيمنة السياسية والعسكرية
لحزب الاتحاد ينتمي لعوالم «الهيمنة الناعمة»، تلك التي تسيطر على الحياة العامة مع
أشكال من التحاصص وفتح بعض المساحات للمُخالفين السياسيين، بل استخدم الحزب لغة
تنتمي لعوالم التيارات الأيديولوجية/ العسكرية القصوى، حيث تخوين الخصوم خطاباً
ولغة، والسعي لتعنيفهم والشك بجدارتهم وولائهم سلوكاً، وبالتالي شرعنة إلغائهم
وتحطيمهم.
حصل ذلك من دون أن يبالي الحزب بعشرات المحاولات للمّ الصفوف وإحداث
شراكة بينه وبين خصومه السياسيين، ولم ينفذ أياً من الاتفاقيات التي جرت برعاية
رئيس إقليم كردستان العراق، حيث كان يلوم الآخرين لعدم إتمامها، بينما وحده كان
القوة العسكرية على الأرض، ووحده كان القادر على تنفيذ تلك الاتفاقيات أو
تعطيلها.
وقبل ذلك حطم المجلس الوطني الكردي السوري، ومؤسسة المرجعية السياسية
للأكراد السوريين، حيث استمال بعض الأحزاب السياسية الصغيرة جداً، مُعتبراً أن
علاقته معها تُمثل تعبيراً عن مشاركته الآخرين في الحياة السياسية والاقتصادية
العامة، مُعتبراً نفسه الفصيل السياسي والعسكري الوحيد الذي يحتكر شرعية تمثيل
الطموح الكردي في سورية، من دون أي انتباه أو مراعاة لحقيقة مستوى تمثيله الفعلي
للشرائح المُجتمعية الكُردية، ومن دون أن يسمح لأي طرف قياس مدى وشكلها تمثيليته
تلك وشكلها.
مما لا شك فيه أن طاولة المفاوضات السورية، وسورية المُستقبل، لن
تكتمل من دون مُشاركة السيد صالح مسلم وحزبه، لأنهم باتوا بحكم الواقع طرفاً
سياسياً وعسكرياً. لكن شرعية تلك المظلومية التي يطرحها حزب الاتحاد الديموقراطي لا
تكون كاملة وحقيقية ومُحقة من دون أن يقر هذا الحزب بأخطاء كل نمط ممارسته بحق
الآخرين. هذا في حال سعيه لأن يجلس في صف المعارضة، التي تواجه النظام الشمولي
الاستبعادي، لا في صف الطرف الآخر.
 
* كاتب سوري

عن جريدة
الحياة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…