مشروع قرار جديد لتقسيم المتبقّي لكُردستان

 ابراهيم محمود

كما فوجىء عموم الكُرد بتقسيم كردستانهم
وكأنها لم تكن يوماً تحمل هذا الاسم الواحد، ولا الشعب الواحد باسمه المعلوم، ولا
بأي شكل، والحرب العالمية الأولى في منتصفها، ليواجَهوا بها وقد اختِتمت بآلام
وأوجاع، لتبتدىء بآلام وأوجاع من نوع آخر، أكثر من المحادثات الممسرحة في باريس،
وعودة الوفد الكردي في خفّي حنين…، هكذا يعيش الكرد حرباً عالمية مكثفة تعنيهم
وآخرين واقعاً، ويكون ” الأقوياء “المعنيون بمصائر الشعوب هم أنفسهم من كانوا قبل
قرن تقريباً، مع اختلاف الأسماء وتغييرات طفيفة في المواقع، ودرب الآلام الكبرى
تصبح أكثر تمخضاً عن الآلام والأوجاع.
مشروع تقسيم آخر، يكمّل ما كان، للمتبقي من متبقّي كردستان بالاسم أو دونه، حيث
يعيش الكرد، ويتغنى الكرد بكرديتهم ذات العائد الكردستاني، متخوفين من النتائج في
أنفسهم، وذاكرة ما كان لم تتوقف عن النزف بعد :
المشروع نفّذ منذ سنوات، مع بدء
انفجار الحدث السوري، وظاهرة الهجرات والتهجير في الجهات الأربع، وللكرد إيقاع
مختلف اختلاف نسَبهم الأرضي والتاريخي،إنما بما يتناسب وطريقة الانفجار المروع الذي
استغرق عموم سوريا وأكثر.
ولا بد من أخذ العلم بأن نزوح أو هجرة مئات الألوف
الكرد من مناطق سكناهم إلى أوربا وخلافها دون رجعة في المدى المنظور، جانب حيوي من
عملية التقسيم المستحدثة، والحرب الدائرة لما تزل، كسابقتها تحصد الأرواح.
ولا
بد أن هروب مئات الألوف من الكرد من عفرين ومناطق أخرى من حلب، وكوباني، وقامشلو
وغيرها، إلى دول الجوار، ومن ثم أوربا وغيرها، دون رجعة في المدى المنظور بالمقابل،
جانب حيوي آخر في عملية التقسيم هذه.
ولا بد أن الجاري في المدعوة المستحدثة
بدورها” روجآفا ” وكل التسميات التي رافقتها وتخللت جهاتها، مع نزيف مستمر في خروج
آلاف مؤلفة من الكرد وبصيغ شتى من ديارهم، وتركها، وخوض المخاطر بحثاً عن ملاذ آمن،
ولو أن ذلك لا يتحقق للجميع، من مخصصات عملية التقسيم في عالم ما بعد العولمة
الضاري المتأمرك قبل كل شيء.
ولا بد أن الصراعات الدائرة بين الكرد، وما يرافقها
من هجرات جرّاء التشرذم الكردي وليس العدوان ” الأجنبي ” دائماً، تجسيد حيٌّ، للعبة
تتخلل عملية التقسيم السالفة الذكر، لتكون النتيجة أكثر ويلات من سابقتها، من خلال
فعل النزوح المروع هذا، والذي يعني في ترجمة فعلية نظير قتل جماعي، حيث يختفي
الوطن، ومن يُسأل عنه، وتدمى ذاكرة المكان بالتالي.
ولا بد أن الأزمات
الاقتصادية والسياسية وغياب الأمان في المناطق الكردية، وحتى في إقليم كردستان،
والترجمة المرئية والتي تصل بهجرات القوى الشابة، وعائلات بأكملها، إخراج آخر،
وشهادة عيان على مدى انتهاء صلاحية الكثير من الشعارات التي تعني الوطن والكرد
والقومية، حيث الوضع يزداد تردياً .
ولا بد أن الذي يعيشه الكرد وهم يلهثون هنا
وهناك فيما يسمى بالمفاوضات، أو الاجتماعات، أو اللقاءات، أو الانتقالات من جهة
لأخرى، بينما على الأرض، ترتسم حدود أخرى، وتتشكل مصائر أخرى، وهي تكلّف الكرد
الذين يمنّون أنفسهم بالوعد الكردستاني، حيث يتنامى ضعف الإيمان بما هو كردي، وهذا
ما يجب التسليم به، وصحبة ملايين الدولارات التي تمثّل تكاليف فعل النزوح أو
الهجرات الجماعية خلال زمن معلوم، لا بد أن ذلك، لمن يهمه المتحول النوعي في الجاري
سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، يبرِز رعب التقسيم الذي لم يُنتبَه إليه من
قبل ” أولي الأمر ” الكرد كما يجب.
ولا بد أن الآتي في ضوء الجاري، ومنذ سنوات،
حيث النزيف الشبابي، والتغيرات الديموغرافية والتصدعات في منظومة القيم التي كان
الكرد يتفاعلون وجدانياً من خلالها، وأوجه الخلل المرتقبة، وتداعيات المشهد السياسي
الكردي، والذين لما يزالوا يتباهون بما هو محقَّق كردي، دونما تدقيق في الواقع، لا
بد أن ذلك من جهته، يضع الكرد عموماً، ومن هم في الواجهة منهم خصوصاً، إزاء هول
التقسيم الفعلي الذي يجزئ المجزَّأ.
هل يحتاج الكردي إلى تسمية المصدر الدال على
ما تقدم؟ أليس الذي يجري، وحبل النزيف المضاعف على الجرّار هو الدليل الدامغ على أن
تقسيماً حل محل القديم وزاده عنفاً وترهيباً ووعوداً بالمزيد من الكوارث والضحايا
؟!
دهوك- في 7 شباط 2016 .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…