إلى الدكتور عبدالرزاق عيد

حسين جلبي

نعم، معظمنا نحنُ الكُرد
كنا كما وصفتنا “جيش من العاطلين عن العمل في قطاع الخدمات والسياحة …أي في
المطاعم والمقاهي والملاهي وصالونات تنظيف الأحذية”، كان من الممكن أن أكون ماسح
أحذية، و قد عملت في المطاعم حتى و أنا أحمل أعلى الشهادات الجامعية، و لكن من
المذنب، من الذي وظفنا في المطاعم و الملاهي و من الذي جعل أقصى طموح لنا إمتلاك
صندوق بويا؟
تصور، هناك في قرية كُردية فقيرة نائية، عشرات التلاميذ الذي ينتمون
إلى ستة صفوف دراسية، و قد جرى حشرهم جميعهم في غرفة طينية واحدة أُطلق عليها اسم
مدرسة، ليتلقوا كلهم خلال بضع ساعات دروساً بعشرات المواد باللغة العربية، التي لم
يسمع بعضهم بكلمة واحدة منها في حياته،
 ثم تصور أن يتجاوز ولد من هؤلاء كل تلك التحديات و يحصل على شهادة جامعية عليا، و
لكنه يفشل في الحصول حتى على وظيفة غير محترمة، ثم يقف أمام وزير العدل في مسابقة
تعيين قضاة، و عندما يسأله الوزير ما هي مهنتك؟ يرد عليه: “عامل، عامل عادي”، و
عندما يستفسر منه عن معنى عامل عادي، يرد: “أنا أشتغل في معمل بلوك، أنا أقطع
البلوك”، لقد كنت شاهداً على كل ما ذكرته و جزءاً من المشهد، كنت طالباً في مثل ذلك
المكان و كنت معلماً في مكان آخر يشبهه، كما أنني من ضحايا ذلك الوزير و السلطة
التي يمثلها و التي حرمتنا من إرتداء الثياب النظيفة و الأحذية التي تلمع، حيث
خرجنا من عنده ليعود صاحبي إلى عمله في معمل البلوك ليعيل أسرته، بينما أبحث أنا عن
أقرب مهرب ليصبح شعاري: أن تكون لاجئاً حقيراً في بلاد غريبة أفضل من أن تكون
“مواطناً حُراً” في هذه البلاد.
أنا لا أعرف حلب سوى كمدينة ترانزيت في الطريق
من و إلى دمشق أثناء الدراسة أو خلال سنين خدمة الجيش، أتذكر الآن عيون ذلك الولد
الكُردي الصغير و هي تبحث حائرة في الكراج عن أحذية المارة مما يمكن أن ينظفه منها
مقابل قروش يعيل بها أهله، و في الوقت ذاته الرعب فيهما من ظهور دورية قد تتمكن منه
و تكسر صندوقه المهترئ و تعتدي عليه بالضرب، كانت عيناه تشبهان عيناي القلتان خلال
وقفة الباص، من ظهور دورية شرطة عسكرية، تختطف لي طاقيتي العسكرية، أو تختلق لي
عذراً لإهانتي و حجزي و منعي من الإجازة.
من المذنب هنا؟ من الذي أعطانا دور
الطريدة و أعطى غيرنا دور الذئب؟
أعتذر لأنني أفتخرت يوماً بكلمات الإطراء التي
خصصتني بها، يبدو بأننا كنا جزءاً من “برستيجكم”، أنتم طبقة المثقفين المخملية،
لكنكم كنتم و بصدق صوراً تجمل جدران بيوتنا المتعبة.
خرب البرستيج و سقطت
الصورة، و لن ينفع الإعتذار في إعادتهما.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…