عبدالحمد درويش: جلال طالباني أكراد سوريا

هوشنك أوسي

اعتقلته الحكومات السورية
11 مرّة. من مؤسسي أو كيان سياسي كردي في سوريا سنة 1957. ساهم في “ربيع دمشق” الذي
أسس لـ”إعلان دمشق”، وكان جزءاً من هذا الإعلان. لم يخفِ تواصله وعلاقاته مع
النظام، ومع استمرار معارضتهِ، ومطالبتهِ منح الكرد حقوقهم السياسيّة والثقافيّة
والقوميّة، في إطار وحدة البلاد. يعترف بأخطائه متأخّراً. حين اندلعت الثورة على
نظام الأسد، كان من الأوائل الذين ساندوها. دعاه الأسد الابن للقائه ثلاث مرّات،
فرفض، معللاً ذلك: “ليس هناك ما أقوله له. جاءت الدعوة متأخرة جداً، بعد قتل
العشرات في درعا وحمص ودمشق فماذا سأسمع منه؟. وماذا باستطاعتي قوله له؟!”. في
الآونة الأخيرة، اتسمت مواقفه بالقلق والتأرجح. يُأخذ عليه بأنه ارتضى لنفسه البقاء
في منصبه زعيماً للحزب، منذ منذ نهاية الستينات وحتّى الآن، وأنه تعاطى مع الحزب
وكأنه ملكيّة خاصّة أو إقطاع، يمكن أن يورّثه لمن يراه الأنسب أو الأقرب إلى توجهه.
أنه طالباني كُرد سوريا، زعيم الحزب التقدّمي الديمقراطي الكردي في سوريا؛
عبدالحميد درويش.
البدايات:
ولِد سنة 1936 في قرية القرمانية التابعة لبلدة
الدرباسية في محافظة الحسكة السوريّة. ينتمي درويش إلى عائلة وطنيّة ميسورة الحال.
والده كان من زعامات عشيرة “آزيزان”، أكبر أفخاذ عشيرة “كيكان” الكرديّة، الموزّعة
على جانبي الحدود. أثناء المذابح العثمانيّة التي طالت الأرمن والسريان المسيحيين،
لجأت بعض العوائل المسيحيّة إلى آل حاج درويش، واحتمت بها. درس عبدالحميد
الابتدائيّة في الدرباسية سنة 1946. ثم عاد إلى قريته بعد افتتاح مدرسة ابتدائيّة
فيها. نال شهادة الابتدائيّة، في أربع سنوات بدلاً من خمسة. انتقل إلى الحسكة
لإكمال دراسته. وتعرّف على الفكر اليساري هناك، عبر بعض الشباب الكرد المنتسبين
للحزب الشيوعي السوري. حصل على الإعداديّة من المعهد العربي الإسلامي في حلب. سافر
إلى دمشق وسجل في الثانويّة البطرياركيّة للروم الكاثوليك. دخل كليّة الحقوق بجامعة
دمشق، ولم يكمل دراسته بسبب الانشغال بالهمّ السياسي. في دمشق، تعرّف على شخصيات
وطنيّة كالأميرة روشن بدرخان (1909-1992) زوجة المتنوّر الكردي الأمير جلادت بدرخان
(1893-1951)، والمناضل الكردي عثمان صبري (1905-1993)، والشاعر الكردي جكرخوين
(1903-1984). ثم تعرّف على الشاعر الكردي الإيراني هجار (1920-1991) أثناء تواجده
في منطقة الجزيرة السوريّة. سنة 1955 أسس درويش مع عثمان صبري، حمزة نويران، محمد
صالح درويش، وعبد المجيد درويش (أبنا عمومته كانا يدرسان معه في دمشق)، جمعيّة
ثقافيّة في دمشق. وسنة 1956 أسس مع صبري ونويران أول تنظيم سياسي كردي باسم “حزب
الديقراطيين الأكراد”. وكان نظامه الداخلي مكتوباً باللغة الكرديّة، وساعدهم في ذلك
الدكتور نور الدين زازا (1919-1988) وجلال طالباني المتواجد وقتذاك في دمشق،
وعبدالله اسحاقي القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني. وفي 14/6/1957،
أنضم إلى هذه المجموعة؛ رشيد حمو (1925-2010)، محمد علي خوجة (1916-1965) خليل محمد
، شوكت نعسان – حنان (1929-1993)، والشيخ محمد عيسى ملا محمود (1924-2001) ليؤسسوا
أول حزب كردي في سورية.


خلفيّات التأسيس:

المصادر التي
أرَّخت لمرحلة تأسيس أوّل حزب كردي سوري، لا زالت شحيحة. لذا، تبقى الشبهات حول
نشأة هذا الحزب قائمة، وبحاجة للمزيد من البحث والدراسة والتدقيق. فثمَّة فرضيَّة
تقول: إن الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، طلب مساعدة ومساندة التيارات
القوميَّة الحاكمة في سوريا، لموجهة النظام الملكي في بغداد. وكان جلال طالباني
وقتها، عضواً في اللجنة المركزيَّة للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، برئاسة
الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى بارزاني (1903-1979)، ولديه علاقات جيَّدة مع
القوميين العرب في سوريا ومصر، من ناصريين وبعثيين. فوافقت التيارات القوميَّة
العربيَّة على دعم الحركة الكرديَّة في العراق، لموجهة نظام نوري السعيد
(1888-1958)، وحلف بغداد، بشرط أن يؤسِّسوا حزباً كرديَّاً، لا يهتمّ بشؤون كرد
سوريا، بل مهمَّته إثارة القلاقل في تركيا، التي كانت أحد أقطاب حلف بغداد، وعلى
علاقة بإسرائيل، وحليفة أمريكا. وعليه، بدأ طالباني، وبعد أن أخذا الضوء الأخضر من
عبدالحميد السرَّاج (1925-2013. كان مسؤولاً أمنيَّاً، قبل أن يصبح ناب عبدالناصر
في عهد الجمهوريَّة المتَّحدة، سنة 1958) بدأ الاتصالات مع النخب السياسيَّة
والثقافيَّة الكرديَّة السوريَّة. واتفق معهم على تشكيل حزب، حمل اسم “الحزب
الديمقراطي الكردستاني في سوريا”. وشعاره “تحرير وتوحيد كردستان”. ما يعزز هذه
الفرضية، إيفاد الحزب، للشيخ محمد باقي ملا محمود (1936-2008) إلى كردستان تركيا،
لتشكيل خلايا الحزب هناك، والتواصل من التعبيرات والشخصيات الكرديَّة التركية. لكنه
فشل في هذه المهمّة.
هذه الفرضيَّة التي أميل إليها، تدعمها ما جاء في مقدّمة
الطبعة الثانية من كتاب “مسألة كردستان: 60 عاماً من النضال الكردي المسلح ضدّ
العبوديَّة”، لقدري جميل باشا، (“زنار سلوبي”، طبعة عربيَّة ثانية، بيروت 1997،
تنقيح وتقديم البروفيسور عزالدين مصطفى رسول). حيث كتب الأخير في مقدِّمة هذه
الطبعة ما يلي: (كانت سوريا في عام 1956 تعيش عهداً عرفناه نحن بالعهد الوطني
والديمقراطي. إذ كانت تقف شامخة ضد حلف بغداد، وتفتح صدرها للوطنيين العرب، وتساعد
المعارضين للحكومات المرتبطة بالغرب الاستعماري… (ص 17). وفي عام 1957، كان جلال
الطالباني قد وضع اللبنات الأولى للحزب الديمقراطي الكردي في سورية قبل سفره للغاية
نفسها إلى موسكو (وقتذاك كان الزعيم الكردي ملا مصطفى بارزاني موجوداً في الاتحاد
السوفياتي السابق). وأنهى اللمسات الأخيرة بعد عودته من موسكو، ومغادرته سرّاً إلى
العراق… في العام 1957، أقام السيد جلال الطالباني معنا ما يقارب العام، قبل وبعد
سفره إلى موسكو. وكان على اتصال مع جميع الوجوه الكرديَّة. وعمل على تأسيس الحزب
الديمقراطي الكردي في سورية… ص 19).
وفي كتاب “التيارات السياسيَّة في كردستان
العراق: قراءة في ملفات الحركات والأحزاب الكردية في العراق 1946 _ 2001” للباحث
العراقي صلاح الخرسان. (ط 1: 2001؛ مؤسسة البلاغ للطباعة النشر _ بيروت)، كتب ما
يلي: “كان جلال طالباني قد توجَّه أواخر عام 1957 إلى موسكو ليمثل البارتي في
مهرجان اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي (…) وخلال عودته السرَّية إلى العراق،
وكانت عن طريق سوريا، التقى جلال طالباني في دمشق بالكل من كمال فؤاد والدكتور
عبدالرحمن الذبيحي، وهما من كوادر البارتي، حيث قام الثلاثة بزيارة العديد من
السياسيين السوريين، منهم ميشيل عفلق، عميد حزب البعث العربي الاشتراكي، وعن تلك
الزيارة يقول طالباني: “عند زيارتنا للأستاذ ميشيل عفلق، تحدث معنا بعموميات، لم
نفهم منها شيئاً”. ويضيف الخرسان: “كما قاموا بزيارة أكرم الحوارني، رئيس البرلمان
السوري، والعقيد عبدالحميد السراج، رئيس المكتب الثاني (الاستخبارات العسكرية)،
وكان من أنصار الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ومن رجالاته في سورية. وقد دار حديث
خلال اللقاء (ويقصد السراج) كما يورده الطالباني بالقول: “طرحنا عليه فكرة العمل
المشترك، ومهمة ترتيب اللقاء بين الرئيس جمال عبدالناصر والملا مصطفى بارزاني عن
زيارة الرئيس إلى الاتحاد السوفياتي، من أجل الاتفاق بينهما على العلاقة العربيَة _
الكرديّة، والأوضاع في العراق. في حين، دعا عبدالحميد السراج إلى تركيز نشاط
الأكراد السوريين على العمل والتوجُّه إلى داخل تركيا، وهي الخطَّة السارية
حاليّاً، على اعتبار أن أكثرية الأكراد السوريين يتحدّرون من أصول تركيّة. وأعرب عن
استعداده لدعمهم في تشكيل حزب وتزويدهم ما يريدون”. (ص 61 و62). ويبدو ان الخرسان
اعتمد في معلوماته هذه على الحوار الذي اجريته مجلة “الوسط” اللندنيّة مع طالباني،
ونشرته في عددها 357، الصادر يوم 11/8/1998. حيث قال طالباني: “فور رجوعي (من
موسكو) الى سوريا، التقيت بعض رفاقنا، ومنهم كمال فؤاد، والاستاذ المرحوم عبدالرحمن
بنريحي (ذبيجي)، وزرنا معاً العقيد عبدالحميد السراج والاستاذ ميشال عفلق والاستاذ
أكرم الحوراني. عند زيارتنا للأستاذ ميشال عفلق تحدث معنا بعموميات لم نفهم منها
شيئاً. وعلى عكس ذلك جاءت زيارتنا للأستاذ أكرم الحوراني، في شقته المتواضعة في
المزرعة، وكان آنذاك رئيساً للبرلمان السوري. (…) ووعد بتعاون حزبينا، سواء في
سورية ام في العراق. أما العقيد عبدالحميد السراج، رئيس المكتب الثاني، فطرحنا عليه
فكرة العمل المشترك، ومهمة ترتيب لقاء بين الرئيس جمال عبدالناصر وملا مصطفى
البارزاني عند زيارة الرئيس الى الاتحاد السوفياتي من أجل الاتفاق بينهما على
العلاقة العربية – الكردية والوضع في العراق. في حين دعا عبدالحميد السراج الى
تركيز نشاط الأكراد السوريين على العمل والتوجه الى داخل تركيا، وهي الخطة السارية
حالياً، على اعتبار ان أكثرية الأكراد السوريين يتحدرون من أصول تركية، واعرب عن
استعداده لدعمهم في تشكيل حزب وتزويدهم ما يريدون. اما أكراد العراق، فقال: اذا
كانت عندكم رغبة في العمل المسلح فسندعمكم. قلت نعم نحن نستطيع لكننا نحتاج الى
السلاح فوافق”.
على ضوئه، يبدو جليَّاً دور طالباني في تأسيس الحزب الكردي
الأوّل في سوريا، وطبيعة التأسيس وخلفياته، والتوجُّه نحو تركيا، والتغطية
البعثيَّة _ الناصريَّة لهذا الحزب.


أزمة الهويّة:

في
12/8/1960، شنّت سلطات دولة الوحدة حملة مداهمات واعتقالات بحق قيادات وكوادر الحزب
الكردي، في مناطق الجزيرة، كوباني وعفرين، طالت ما يزيد عن 90 شخص، من ضمنهم رئيس
الحزب نورالدين زازا، وأعضاء في المكتب السياسي كعثمان صبري ورشيد حمو. هذه
الاعتقالات شكّلت صدمة ومفاجأة، على اعتبار ان هنالك تنسيق غير مباشر بين الحزب
والسلطة الناصريّة الحاكمة في سورية. وفي سجن حلب، بدأت بوادر الخلاف تظهر في الحزب
بين فريق يرى أنه من الافضل أن يذكر في التحقيق بأنهم جمعيّة ثقافيّة وليسو حزباً
سياسيّاً. وتزّعم هذا التيّار نورالدين زازا. حيث سألهم قاضي الفرد العسكري عن وجود
بند تحرير وتوحيد كردستان في برنامج الحزب؟، فأنكر الدكتور زازا وجوده. بينما أصرّ
صبري على وجود البند، وأن التنظيم حزب سياسي قومي، وليس جمعيّة ثقافيّة. هذا
الخلاف، تسرّب إلى قواعد الحزب. ومال درويش إلى موقف زازا. وبعد سقوط دولة الوحدة،
واطلاق سراح المعتقلين سنة 1961، دخل درويش سرّاً إلى كردستان العراق، بهدف إقامة
علاقات مع قيادة الثورة الكردية في العراق، وإطلاع الملا بارزاني على الوضع الداخلي
الكردي السوري. عاد درويش إلى سوريا وعقد الكونفرانس الأول للحزب بدمشق في شباط
1962 وفشل في معالجة الخلافات الداخليّة. فدعي إلى عقد الكونفرانس الثاني سنة 1963
الذي تقرر فيه دعوة المؤتمر العام الى الانعقاد خلال ستة أشهر. لكن القرار لم ينفّذ
بسبب انقلاب حزب البعث في 8/3/1963، وبدء جولة جديدة من الملاحقات والاعتقالات بحق
قيادات الكردية.
بالتزامن مع ذلك، بدأت بوادر الخلاف تنشب بين قيادة الحزب
الديمقراطي الكردستاني العراقي، ممثلة بالملا مصطفى بارزاني والمكتب السياسي للحزب
بقيادة إبراهيم أحمد وجلال طالباني. على ضوء هذه الصراعات، دعى الحزب الكردي السوري
الى عقد كونفرانس جديد في قرية جمعاية التابعة للقامشلي سنة 1964، وقرر ضم عناصر
جديدة للجنة المركزيّة، ومحاسبة العناصر “المخرّبة”. بالاضافة إلى تشكيل وفد ترأسه
درويش مهمته الذهاب إلى كردستان العراق للتقصّي عن الحقائق. وبحسب الموقع الرسمي
للحزب الديمقراطي التقدّمي الكردي في سوريا، أن الموقف المحايد للحزب من طرفي
الصراع في الديمقراطي الكردستاني، تمّ تفسيره من قبل ملا مصطفى بارزاني بانه انحياز
للمكتب السياسي، ما أدّى إلى غضبه. ويرى الموقع الالكتروني نفسه بأن بارزاني دعم
أول انشقاق رسمي وعلني في جسم الحزب الكردي السوري، جرى في مؤتمر عقد يوم 5/8/1965،
بقيادة عثمان صبري تحت اسم: الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – اليسار”. فعقد
درويش وتيّاره مؤتمرهم في تشرين الأول من نفس العام، واصفاً المنشقين بالمتآمرين
والمخربين. واتخذ قرار طردهم من الحزب، من ضمنهم: عثمان صبري، محمد نيو، صلاح
بدرالدين، هلال خلف، وأحمد بدري. وبالتالي، أنقسم الحزب الكردي السوري رسميّاً على
نفسه، كل جناح يحمل نفس الأسم، مع إضافة لاحقة؛ اليسار أو اليمين للاسم.
ساند
جناح درويش حركة 23 شباط 1966 بقيادة صلاح جديد (1926-1993)، واعتبرها “الجناح
التقدمي في حزب البعث العربي الاشتراكي ضد العناصر اليمينية التي كانت تهيمن على
الحكم والمراكز الهامة في الحزب”. وعقد الحزب الكردي مؤتمره سنة 1967، وانتخب
رسميّاً درويش سكرتيراً. في مطلع 1968 دخل حزب البعث الحاكم في حوار مع تيّار
درويش. في حين بقيت علاقات درويش وحزبه قلقة ومتوترة مع قيادة الديمقراطي
الكردستاني العراقي.
سنة 1970، لم يوجّه بارزاني دعوة إلى درويش وحزبه لحضور
المؤتمر الثامن للديمقراطي الكردستاني العراقي، بل دعى خصومه في الجناح الآخر. ورغم
ذلك، ترأس درويش وفد حزبه وحضر المؤتمر المذكور!. أثناء ذلك، رضخ درويش لضغوط
بارزاني ووافق على المشاركة في مؤتمر “ناوبردان” في كردستان العراق، بهدف توحيد
حناجي الحزب الكرد السوري، (اليساري واليميني). وأمر بارزاني بحلّ قيادة التيّارين،
وفرض قيادة جديدة على الحزب. وافق درويش على مضض. ويصف الموقع الالكتروني
لـ”التقدّمي” على الانترنت، مؤتمر “ناوبردان” السالف الذكر، بـأن الغاية منه “تصفية
حزبنا وشكلت قراراته نكسة أليمة للحركة الوطنية الكردية في سوريا” .
فور عودة
درويش إلى سورية، رفض قرارات بارزاني، ودعا إلى كونفراس سنة 1971، وصادق الكونفراس
على رفض مقررات مؤتمر “ناوبردان” واصفاً إيّاه بـ”اللاشرعي”. وهنا انقطعت علاقات
درويش وحزبه بالحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، وتعمّق الخلاف، خاصّةً بعد
إصدار حزب درويش بيان شجب يدين فيه اغتيال القيادي الكردي التركي سعيد آلجي في
حزيران 1971، الذي اتهمت قيادة بارزاني باغتياله.
عقد الحزب مؤتمره سنة 1972،
وعارض العودة الى القتال في كردستان العراق. وسنة 1974، رحبّ حزب درويش بقانون
الحكم الذاتي الذي أقرّه نظام احمد حسن البكر – صدام حسين. ووجّه برقية إلى الحكومة
العراقيّة وإلى قيادة الثورة الكرديّة العراقيّة، يبدي فيها دعمه ومساندته لهذا
القانون، ويدعو إلى الحوار لحل بقية المشاكل الخلافيّة العالقة بدلاً من القتال
والحرب وسفك الدماء التي ستدمّر ما تمّ تحقيقه. هذه البرقية أحدثت بلبلة ضمن حزب
درويش. فأعلنت مجموعة من الكوادر استقالتهم. وتحت ضغط الخلافات الداخليّة التي
اعترت الحزب سنة 1973، وتلك البرقية، وما نجم عنها من خلافات جديدة، عقد الحزب
مؤتمره الرابع سنة 1977، وأبرز قراراته تغيير اسمه من “الديمقراطي الكردي في سورية
– اليمين” إلى “الديمقراطي التقدّمي في سورية”، معيداً انتخاب درويش سكرتيراً
عاماً.
بين 1964 و1974 قام درويش بزيارة بيروت مرّتين. الأولى كانت مع القيادة
الكردي الإيراني عبدالله اسحاقي، بهدف اطلاع الرأي العام العربي والعالمي على حقيقة
القضيّة الكرديّة في سورية. والثانية كانت سنة 1974، بصحبة بعض قيادات حزبه
“جكرخوين، عزيز داوود، طاهر سفوك…”، لم يتم الكشف عن أسبابها.
في الانتخابات
البرلمانية التي شهدتها سورية سنة 1990، فاز درويش بمقعد عن قائمة المستقليّن، إلى
جانب قياديين كرديين آخرين هما: كمال احمد درويش (1939-1996) وفؤاد عليكو. وشارك
درويش في تأسيس “التحالف الكردي الديمقراطي في سورية” إلى جانب خمسة أحزاب كرديّة
سوريّة أخرى. هذا التحالف انفرط عقده تباعاً، بسبب الخلافات والانشقاقات.
بدأ
حديث الإصلاح داخل الحزب في مؤتمره السابع المنعقد في أيّار 1992، ولكن لم يلقَ أي
اهتمام. فانشقّ عن الحزب القياديان البارزان عزيز داوود وطاهر سفوك، ومعهما كتلة من
الكوادر، ليؤسسا حزباً جديداً، ثم انفصلا عن بعض. واستمرّت دعوات الإصلاح والتغيير
لغاية المؤتمر الثالث عشر في أيلول 2010، وأيضاً دون جدوى. فانشقت مجموعة من كوادر
الحزب بقيادة يوسف فيصل، ليؤسسوا في ما بعد حركة الإصلاح الكردي في سورية.
ومنذ
استلام شقيقه صلاح درويش رئاسة مكتب الحزب في إقليم كردستان العراق سنة 2005، يجري
حديث التوريث ضمن صفوف الحزب. ورغم أن درويش بلغ من العمر ثمانين سنة، إلاّ انه في
كل مؤتمرات الحزب التي انتخبته سكرتيراً، منذ 1967 ولغاية المؤتمر الاخير المنعقد
في تشرين الثاني 2015، لم يتم انتخاب نائب لسكرتير الحزب.


درويش
والثورة:

كان عبدالحميد درويش وحزبه في مرمى الكثير من اتهامات العلاقة
مع النظام السوري. ولكن الرجل، لم ينفِ الاتصالات مع النظام، واعتبرها في إطار
النضال السياسي الهادف إلى إقناع النظام بمنح الكرد حقوقهم القوميّة والسياسيّة.
وككل قادة الأحزاب الكرديّة، حين اندلعت الثورة السوريّة، كان موقف درويش مترقّباً،
يميل إلى التريّث وعدم الدفع بالكرد إلى الانخراط بشكل مباشر وقوي فيها. ولكن سرعان
ما اعلن عن موقفه وانقاد للشارع الكردي وانتقد عنف النظام، وطالبه بالإصلاح، وتلبية
مطالب المتظاهرين. كما ساهم درويش في التأسيس للمجلس الوطني الكردي السوري بتاريخ
26/10/2011، والدفع باتجاه انخراط المجلس ضمن “الائتلاف” السوري المعارض. في غضون
ذلك، حاول إقناع “حزب الاتحاد الديمقراطي” بضرورة الانضمام في المجلس الوطني
الكردي، وإعلان الموقف الواضح المؤيد للثورة السورية، لكنه فشل. كذلك وجّه درويش
العديد من الانتقادات الحادّة لـ”الاتحاد الديمقراطي” بسبب سياساته وممارساته
القمعيّة بحقّ النشطاء والمعارضين له. بخاصّة، حين فرض الحزب سلطته العسكريّة
والإداريّة على المناطق الكرديّة، بالتنسيق مع نظام الأسد. وكثيراً ما وصف درويش
سلطة هذا الحزب بالدكتاتورية.
ومع تفاقم الوضع السياسي والإنساني في سورية،
واستشراء التطرّف في القوى العسكريّة المعارضة لنظام الأسد، وخيبة الأمل بالمجتمع
الدولي لجهة عدم وضع حد لنظام الأسد، ما ساهم في إطالة أمد الثورة وازدياد حجم
الكارثة، بدأ درويش يتراجع عن مواقفه، عبر إبداء الأسف على رفضه الحوار مع الأسد.
فسّر مراقبون هذه التصريحات بأنه ندم على قطعه قنوات الاتصال مع النظام، وان الفراغ
الذي أحدثه ذلك ملأه حزب (PYD)، وبسط سلطته على المناطق الكرديّة. قرر درويش العودة
إلى القامشلي. لكن العودة مكلفة، دفعها تباعاً، حيث بدأت بتجميد الحزب التقدّمي
عضويته المجلس الوطني الكردي في 3/7/2015. ثم زيارة درويش إلى جبال قنديل في
7/7/2015، ولقائه بجميل بايك، الرجل الثاني في العمال الكردستاني. ثم زيارته الى
ممثليّة حزب (PYD) في مدينة السليمانيّة بكردستان العراق في 3/11/2015. وثم اطلاق
تصريحات تشيد بتضحيات المقاتلين والمقاتلات الكرديات، في وحدات الحماية الشعبيّة.
كل ذلك ساهم في تطبيع العلاقات بين حزبه و(PYD)، وطي صفحة الخلاف. وفي 10/11/2015،
عاد درويش إلى القامشلي في أجواء احتفالية. ثم ألعن حزبه في 25/11/2015، بعد انتهاء
اعمال مؤتمره الرابع عشر، انسحابه من المجلس الوطني الكردي.
مع التحضير لمؤتمر
“جنيف 3” بدا للجميع أن المجتمع الدولي يتجه نحو حشر النظام السوري في الزاوية.
ورغم ان درويش كان خارج الوفد الكردي المشارك في جنيف، كونه انسحب من المجلس الوطني
الكردي، إلاّ أنه أبدا موقفاً وطنيّاً في غاية الاهميّة حين أعلن دعمه للوفد، بالضد
من رغبة حزب (PYD) الذي هاجم مؤتمر جنيف والمشاركين فيه كرداً وعرباً. وبعد تعليق
“جنيف 3” بدأ الروس يحاولون استمالة درويش لئلا تبقى خيارات الروس كرديّاً مقتصرة
على حزب الاتحاد الديمقراطي. وفي هذا السياق اندرجت زيارة درويش الى موسكو في
9/2/2016 ولقائه بميخائيل بغدانوف.
في مطلق الأحوال، الموالون والمناوئون للسيّد
عبدالحميد درويش، متفقون على أنه أحد رموز الحركة السياسيّة الكرديّة، وأن سيرته هي
جزء من سيرة النضال السياسي الكردي في سوريا، بما لهذا النضال وما عليه من عثرات
وشقاق. وأن تجربته يجب ان تخضع للمراجعة النقديّة، بعيداً من عصبيّات الولاء
والمناوءة.

كاتب كردي سوري

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…