روسيا قطب أم مسنن ؟

إيفان حسيب
ليس خافياً أن الدعم الروسي كان العامل الأهم في الإبقاء على نظام الأسد, فمنذ بداية الثورة السورية عمل الروس على كافة الاصعدة للحيلولة دون سقوط نظام دمشق, خاصة على الصعيد الدولي, حيث استخدم الروس ومن خلفهم الصينيون, حق النقض (الفيتو) اربع مرات ضد مشاريع قرارات في مجلس الأمن بخصوص الأزمة السورية.
وبعد مرور خمس سنوات على الثورة السورية, ما يزال الدعم الكبير للنظام السوري من قبل روسيا الاتحادية مستمرا, فقد منح الكرملين في 30/9/2015 الرئيس بوتين تفويضاً بنشر قوات عسكرية روسية في سوريا, وذلك لمحاربة الارهاب المتمثل بتنظيم الدولة الاسلامية (داعش), متهماً الدول الغربية والولايات المتحدة (مجموعة أصدقاء سوريا) بتغذية الارهاب,
 في الوقت الذي يواجه الروس تحديات كبيرة, بعد العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليهم, من قبل الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية, عقب الثورة الأوكرانية في 2014 , تزامناً مع ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي, وذلك للأهمية الاستراتيجية القصوى للقرم ( لاحتوائها على قاعدة عسكرية بحرية روسية ) كخطوة ضرورية في سياق سعيها لفرض نفسها من جديد كقوة عظمى.
لقد اتصفت السياسة الروسية وتعاملها مع الازمة السورية منذ البداية بالجدية والثبات, على خلاف سياسة ومواقف الولايات المتحدة التي اتصفت بالليونة والتقلبات, مع تفضيل الأمريكان عدم التدخل عسكرياً ضد النظام السوري, بعكس تعاملها مع نظامي صدام والقذافي, ومع تحويل سوريا إلى محرقة لأفضل الخبرات الارهابية العالمية, بعد فتح الحدود التركية امام تدفق الجهاديين لسوريا, وتدخل الكثير من الاطراف الدولية والاقليمية في الازمة السورية, حُتم على الروس عدم القدرة على إعادة الاستقرار إلى سوريا, وحصر دورهم في حماية الساحل السوري, مع تدعيم تواجدها العسكري في قاعدة طرطوس البحرية, خاصة في ظل سعي أوربي لمد خط غاز يربط قطر بأوربا, مروراً بسوريا عبر البحر المتوسط, الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد والاحتكار الروسي لبيع الغاز للقارة العجوز.
وسعياً منها للاحتفاظ بآخر موطئ قدم لها على سواحل المياه الدافئة ومع تقدم قوات المعارضة على حساب قوات النظام في كل من ريفي دمشق واللاذقية ومدينة حلب, أقدم الروس على خطوة غير متوقعة وهي التدخل العسكري المباشر في سوريا, كإجراء وقائي (حماية النظام), واستباقي, لتخوف روسيا من تحرك وشيك لأمريكا وحلفائها, وحينها سوف يُفرض عليهم الرضوخ للإرادة الامريكية, كما حدث إبان إعلان امريكا نيتها توجيه ضربات عسكرية لمواقع جيش النظام السوري, كعقاب على استخدام النظام لأسلحة كيماوية (غاز الأعصاب) في الغوطة الشرقية.
وكما هو معلوم, طرحت روسيا مبادرة تقضى بتدمير الأسلحة الكيماوية السورية, مقابل وقف الضربة العسكرية الأمريكية المقررة حينها, ليتراجع الامريكان عن قراراهم في مشهد درامي تبادلوا فيه الأدوار مع الروس, ليتخلى النظام السوري بموجب تعهد روسي عن ترسانته الكيماوية, لكن كل ذلك لم يمنع الروس من استغلال الفرصة الذهبية السانحة لهم في هذه المرحلة, للعب دورهم  ضمن فضاء الاستراتيجية الامريكية في سوريا والمعتمدة على آليات ” الفوضى الخلاقة ” وملء ما تتركه من فراغات في المنطقة و تحقيق اكبر قدر من المكاسب خاصة في الساحل السوري لرفع مستوى المساومة مع الامريكان في المستقبل.
فمنذ استلام بوتين منصب رئيس روسيا الاتحادية في العام 2000, اتبع الروس استراتيجية العمل ضمن المشاريع الأمريكية في الشرق الأوسط لا ضدها, ساعين منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وحتى اليوم إلى الحصول على أكبر قدر من المكاسب في ظل الاستراتيجية الأمريكية في إدارة العالم.
كما أن حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل مقاتلات تركية بالقرب من الحدود مع سوريا في  24 نوفمبر 2015 , تسببت بتوتر شديد في العلاقات السياسية والاقتصادية بين موسكو وأنقرة خاصة أن هذه العلاقة كانت متوترة في الأصل بسبب تباين وجهات النظر حول مصير الأسد, الأمر الذي ادى إلى إلغاء بعض المشروعات والتعاملات التجارية المهمة المشتركة بين البلدين, حيث تأكد العديد من التقارير بأن استمرار هذا التوتر, سوف يكلف الاقتصاد الروسي عشرات مليارات الدولارات, ناهيك عن تكلفة الحملة العسكرية في سوريا والتي  تقدر بنحو 2 مليون دولار يومياً, في مشهد ينبئ بتداعيات التدخل الروسي في الأزمة السورية وبتأثيراتها على اقتصاد البلاد والتي ستنعكس سلباً على نفقات المواطنين وموازنة الدولة.
وبإلقاء نظرة على الخريطة الاقتصادية للقوتين (الأمريكية – الروسية) تقول الأرقام أن اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية يُقدر بـ 17.5 تريليون دولار مقابل 2.1 تريليون دولار لروسيا التي يعيش نحو 11 بالمئة من سكانها تحت خط الفقر ناهيك عن أن ميزانية الدفاع الامريكية تبلغ 631 مليار دولار مقابل اقل من 100 مليار للقوات الروسية, وهي عوامل مهمة سيكون لها دور كبير ومركزي في حسم حجم الشراكة الروسية مع امريكا في إدارة العالم.
ليس هذا تقزيماً للدور الروسي, لكن الوقائع والأحداث تثبت أن الأمريكان هم من يخلقون التوازنات والصراعات والتحالفات بين الدول والمجموعات الموجودة على طاولة الشطرنج الدولية ولأنهم دائماً من يضعون الخطط والمشاريع فهم وحدهم من يحصل في النهاية على المكاسب الحقيقية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…